مشروع عربي ربط المشرق بالمغرب والعرب بالعالم من خلال أدب الرحلة

فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب تحتضن جلستان حواريتان، كانت الأولى بحضور بعض الفائزين من الكتاب والمحققين بجوائز ابن بطوطة.
الخميس 2019/05/02
كتّاب أعادوا أدب الرحلة إلى الحياة

استقطب معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الـ29، التي اختتمت مؤخرا، أهم الكتاب والمثقفين وكرم أبرز المشاريع الثقافية والأدبية والفكرية، وقد احتفى بشكل خاص بمشروع «ارتياد الآفاق» الفائز بجائزة الشيخ زايد للنشر والتقنيات الثقافية، والذي يعنى بأدب الرحلة العربي.

شهدت فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الـ29 حضورا فاعلا للمركز العربي للأدب الجغرافي ومشروع “ارتياد الآفاق” الفائز بجائزة الشيخ زايد للنشر والتقنيات الثقافية، حيث كانت هناك جلستان حواريتان، كانت الأولى بحضور بعض الفائزين من الكتاب والمحققين بجوائز ابن بطوطة.

وشهدت الندوتان حضور أسامة بن سليمان الفليّح والدكتور عائض محمد آل ربيع من السعودية، وعثمان أحمد حسن من السودان، ويوسف عزيزي من إيران.

كما حضر كل من الدكتور خلدون عضو لجنة الجائزة، والناشر ماهر كيالي، والشاعر نوري الجراح مدير عام المركز العربي للأدب الجغرافي.

أدب الرحلة

في البداية رحب الشاعر نوري الجراح بالأدباء والأكاديميين الذين ساهموا في تأسيس المشروع العربي “ارتياد الآفاق” معتبرا أن فوز المشروع هذا العام بجائزة الشيخ زايد للكتاب، تكريم لمشروع عربي ربط المشرق بالمغرب والعرب بالعالم من خلال أدب الرحلة، وهو أدب التواصل بين الثقافات والحضارات.

وانطلق الجراح موضحا لجوانب مهمة في مسيرة المشروع على مستوى تأسيسه ومنجزاته، قائلا “مشروع ارتياد الآفاق بمثابة جمعية جغرافية عربية، تأسس عام 2000 برعاية من الشاعر والأديب الإماراتيّ المعروف محمد بن أحمد السويديّ، وكان مبتدأ الانطلاق به من هذه العاصمة الكريمة أبوظبي، ثم انطلاقا من لندن حيث لنا مركز هناك، وبدرجة أساسية من المغرب، الذي يتوفر على متن كبير من الرحلات التي توجهت إلى جهات متعددة، وخصوصا في اتجاه المشرق العربي، وأيضا في عدة إطارات منها إطار رحلة الحج التي لها مسارات عدة والمسار المغربي أساسي فيها”.

وقال الجراح “منذ أن بدأنا هذا المشروع أخذنا على عاتقنا أن نظهر النص العربي الغائب على اعتبار أن نصوص الرحلات الأوروبية والغربية إلى الشرق، والعالم العربي ضمنا، كانت منتشرة ومتوفرة في المكتبات، وترجم العديد منها إلى اللغة العربية، ولكن لم تجر العناية أو تقطعت العناية بأدب الرحلة العربي وبنصوصه الكبرى الأساسية؛ المقدسي والمسعودي أبو دلف وابن بطلان وابن فضلان وصولا إلى رحلة ابن بطوطة، التي حازت على شيء من الاهتمام العلمي، ثم تنقطع السلسلة ويغيب نحصل على هذا التراث الرحب الممتد منذ القرون الوسطى وحتى مطلع القرن العشرين، مع انتقال أدب الرحلة إلى طور جديد بفعل تراجع سبل السفر التقليدية وتقلص دور الباخرة في السفر البحري وولادة سفر الطائرة.

جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة شكلت فضاء لاستكشاف واستقطاب الكتاب الجدد الذين يكتبون في أدب الرحلات

بطبيعة الحال المركز بنى مشروعه وتصوراته وأعماله على أساس تقسيم نصوص السفر والجغرافيا إلى حقول، هناك لدينا البلدانيات والكوزمو- جغرافيات وأدب الرحلة الصافي الذي يميل بسرده إلى وصف الاماكن والناس والأحوال وحركة الرحالة. وهناك الدراسات في أدب الرحلة، والرحلة المترجمة، والرحلة المعاصرة”.

وكشف الجراح أن وفرة هذه النصوص في المكتبات الخاصة والعامة اقتضت منا ألّا نولي اهتماما بغير النص العربي، مع أننا نأخذ في الاعتبار أن هناك نصوصا رحلية كثيرة باتجاه العالم العربي واتجاه الشرق، وربما يأتي وقت نولي فيه اهتماما بهذه النصوص.

ولفت إلى أن المشروع أنجز حتى الآن 280 كتابا في حقول متعددة من أدب الرحلة، وهذه الكتب بمثابة مكتبة وخزانة كبيرة ساهم في جعلها متوفرة ناشرون على رأسهم ماهر كيالي الذي أخذ على عاتقه بكثير من الجهد أن ينشر النصوص المحققة والنصوص المعاصرة على مدار العشرين عاما الماضية، وله التحية وهو موجود بيننا، وبعد مساهمة ماهر كيالي أخذت دار منشورات المتوسط الآن تنشر سلسلة أخرى من الكتب المستجدة وهي سلسلة الكتب المترجمة واليوميات.

وقال الجراح “لا أريد أن أستطرد كثيرا في التعريف بأدب الرحلة وأهميته المتزايدة خصوصا في أوقاتنا الحالية حيث إن السياسة تقطع السبل بين الجغرافيات والثقافات، والثقافة تعيد بناء ما تقطعه السياسة. فأدب الرحلة له قدرة على بناء الجسور التي تهدم أو تتهدم من تلقاء نفسها.

وخلال هذه السنوات من عمر المشروع كان لنا تعامل مع مؤسسات رسمية وغير رسمية كثيرة لكن أبرز شريك ثقافي لنا هو المغرب باعتبار أن الرحلة في متونها الأساسية هي رحلة مغربية إلى المشرق، وأيضا على أساس أن الأكاديمية المغربية نشطت خلال السنوات العشرين الأخيرة فقدمت نصوصا بحثية ودراسات بالغة الأهمية حيث اعتمدت مناهج حديثة في دراسة هذا الأدب في حقول متعددة ومن مستويات متعددة”.

حوارات مع المتوجين

انطلق الدكتور عبدالنبي ذاكر في كلمته كاشفا عن طبيعة علاقة المغرب مع المشروع، وقال “إن الكثير من المبدعين من المغرب اليوم يحاولون أن يفعلوا ما فعل الكاتب الكبير نجيب محفوظ عندما قام بعمل هجين بين الرواية والرحلة في روايته ‘رحلة ابن فطومة‘.

وهناك اليوم أهمية لإخصاب الخطاب الروائي بالأدب الرحلي في الكثير منه، يكفي أن أشير هنا إلى رحلة إلى شخصية مغربية من القرن السادس عشر اعتبرت من المستكشفين الكبار لأميركا في القرن السادس عشر مع صحبة الاسبان، وهو مصطفى الأزموري، والآن له تمثال كبير في أريزونا ويحتفى به”.

ولفت ذاكر إلى أن المغرب اليوم محطة أساسية في دراسة أدب الرحلة على المستوى الأكاديمي، وهناك تنوع في المناهج مثلا الطائع الحداوي في السيميائيات، وهناك مقاربات أسلوبية وشعرية، وهو شخصيا اشتغل في مجال الصورلوجيا أي دراسة الصور الثقافية التي تحملها الشعوب عن بعضها البعض.

بدوره أكد الجراح أن جائزة ابن بطوطة شكلت معينا وفضاء لاستكشاف الكتاب الجدد الذين يكتبون في أدب الرحلات واستقطاب المحققين والدارسين، وهي الآن المصدر الرئيسي للنصوص التي ينشرها المركز، في كل عام نحن لدينا عشرة فائزين في حقول متعددة للمشروع، لكن بالأساس الرحلة المحققة ثم الرحلة المعاصرة.

المشروع أنجز حتى الآن 280 كتابا في حقول متعددة من أدب الرحلة، وهذه الكتب بمثابة مكتبة وخزانة كبيرة

وتحدث ماهر كيالي من موقعه ومنظوره كناشر لهذا المشروع حيث عبر عن سعادته بلقاء الكتاب الذين نشر لهم أعمالهم الفائزة بجوائز ابن بطوطة لهذا العام.

في الجلسة الثانية حاور نوري الجراح الفائز بالجائزة عن فرع الرحلة المعاصرة – سندباد الجديد: “أسفار استوائية، رحلات في قارة أفريقيا”، عثمان أحمد حسن من السودان، الذي قال “لقد بدأت بكتابة القصة مما جعلني أومن بأن القارئ شريك في ما يصنع الكاتب؛ الكاتب يكتب بذاكرته وثقافته، والقارئ يقرأ بذاكرة وثقافة مغايرتين، لذا أترك للقارئ الذهاب إلى ما وراء العنوان، كما أن معظم هذه الرحلات أقمت فيها لفترات طويلة، باستثناء رحلات مدن نيروبي وكمبالا وأديس أبابا وكنشاسا، التي كانت رحلات حكومية في غضون 72 ساعة، أنا ألقي نظرة عامة على المدينة خلال أربع أو خمس ساعات وأختزن ذلك في ذاكرتي ثم أثبته كتابة”.

وعقب حوارية الجراح وعثمان التي حفلت بالتساؤلات، كانت حوارية الدكتور خلدون الشمعة مع الكاتب الأحوازي العربي يوسف عزيزي وكتابه “وراء الشمس – يوميات كاتب أحوازي في زنازين إيران السرية”، حيث قال “عندما قرأت الكتاب كوني في اللجنة المحكمة لاختيار النصوص الفائزة، ما لفت نظري هو الطابع المباشر تماما والذي حكمت به الضرورة، لقد خضت أنت تجربة مأساوية جدا تمثل شعب الأحواز، فهل يمكن أن تعطينا بعض اللمحات التي ربما أفلتت منك في الكتاب حيث أعتقد أن التجربة هامة رغم إبداعية الكتاب كأدب رحلات، لكن تجربتك لا تزال في رأيي تجربة شعب وهي أكبر من الكتاب نفسه”.

وأجاب يوسف عزيزي “أن الجائزة عن أدب الرحلات الجغرافية، لكن يبدو أنها شملتني أيضا، لأنني لم أرحل طولا وعرضا في الأرض، ولكن في مكان ضيق يسمى الزنزانة الانفرادية التي تتشكل من مترين عرضا وثلاثة أمتار طولا أو أقل من ذلك، وما سبرته وتعمقت فيه خلال هذه الفترة من السجن الانفرادي هو أن أبحث عن نفسي التي ليست في الفضاء الرحب والحرية الموجودة للناس، هذه كانت رحلة في الأنفس، التي حكى المتصوفة لنا كثيرا عنها”.

وأضاف “إن ما ذكرته في كتابي عن الشعب العربي الأحوازي هو قطرة من بحر، فالمأساة والكوارث التي يواجهها هذا الشعب منذ تسعة عقود أعمق وأوسع مما قلته في هذا الكتاب، وللتعريف بالقضية الأحوازية نحن بحاجة إلى موسوعة حيث إنها لم تعرّف كما تم التعريف بالقضية الفلسطينية، أنا لم أتحدث عن دول سوريا ومصر والعراق أو أي دولة عربية، فبالنهاية هناك دولة شكلت هويتها الوطنية، لكن نحن منذ تسعة عقود فقدنا دولتنا الوطنية وحكمنا الوطني، ولم نستطع أن نتطوّر بسبب المانع المهمين علينا؛ فالحكم الإيراني منع تطور المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، وكنا خلال هذه العقود التسعة الماضية نصارع من أجل الوجود“.

15