مشروع بيت علي قانة الثقافي: متحف للأعمال ومعرض للآمال

اختارت الفنانة التشكيلية هادية قانة أن تواصل تجربة والدها الراحل علي قانة الذي يعدّ واحدا من رواد الفن التشكيلي في ليبيا، عبر تخليد أعماله ومؤلفاته، وفتح المجال أمام الأجيال الناشئة للاطلاع على مسيرته والتعلم من تجربته في فضاء فني سيكون جزءا من روح الفنان الملتزمة بالفن باعتباره رحلة في الواقع والمتخيل وليس فعلا تجاريا.
الحديث عن الفن التشكيلي لابد أن يسبقه حديث عن المتاحف والقاعات والمؤسسات والأمكنة الحاضنة التي ينطلق منها هذا الفن ويعرض فيها بالطريقة التي تناسبه فالكثير من أعمال اليوم في تاريخ فن الرسم المعاصر ﻻ تناسبها القاعات والمتاحف التقليدية في العديد من بلدان العالم لهذا خرجت من إطارها التقليدي وفضائها المعتاد إلى فضاءات أرحب وأكثر تعبيرا عنها وأقرب إلى روحها المعاصرة.
ويبحث أصحاب تلك التجارب من الفنانين التشكيليين أنفسهم عمّا يناسبهم ويتماشى مع مشاريعهم الفنية والتي يراد اقتراحها وعرضها على جمهور فني معين مع البحث في أدواتهم الأخرى وموادهم المستخدمة في إنتاج فنهم لتتطابق رؤاهم التي تتشكل عندهم وما يمكن استخدامه من إمكانيات مكملة لإنجاز العمل الفني وتحققه، ومنها الفضاء الداخلي والخارجي للعرض الفني حسب صفات ومتطلبات عرضه فمنها ما يتم عرضه في الداخل بقاعات وشاشات وإمكانيات توظف فيها التكنولوجيا حسب العمل الفني المعروض ومنها ما يحتاج فضاء خارجيا كالمنحوتات والأعمال الإنشائية الأخرى التي لا تستوعبها القاعات الداخلية ذات المساحات المحددة.
ويكون التعدد والتنوع والتصنيف في فضاءات العرض التشكيلي حسب حاجة ورؤية وذائقة أصحاب قاعات العرض والمتاحف العامة والخاصة، وتظهر مستويات هذه المساحات المخصصة للعرض، لاختلاف الذائقة من مستويات تعلو وأخرى تهبط كل حسب أصحابها ومستوياتهم الثقافية وأهدافهم المرجوة من إنشاء هذه المشاريع الفنية. فالمال كان هدف الكثير من أصحاب القاعات والكثير منهم أصبح له مناطقه التي يعمل فيها فتتحول هذه القاعات إلى دكاكين تبيع وتشتري والفنانين عندهم تحولوا إلى عمّال يرسمون ما يطلب منهم ويصبحون ملكا لهذه الماكينة التجارية التي ﻻ يمكن اعتبارهم فيها إلا مجرد أداة يسهل استبدالها متى تغيّرت الذائقة والأمزجة والحاجة الجمالية للمتلقي نفسه (الجمهور).
☚ الفنان علي قانة كان مهتما بالفنون وكرس لها وقته وجهده ما بين تدريس وتوثيق، وبحث وشجّع على مزاولتها
وهناك شريحة من الجمهور الفني مدركة وباحثة عن الجمال والمعرفة التشكيلية البصرية في إطار ثقافي وفني راق ويبحث المتلقي عن مواطن الجمال التي تبعده عن هموم الواقع المعاش أو تشير إليه في بلاغة تشكيلية مؤثرة وراصدة بشكل معرفة رفيع. وهناك أيضا من يطفو على السطح ويبحث عن الحياة نفسها في الأعمال الفنية، محاكاة ساذجة لصورها من بورتريهات في أحسن حالاتها تشبه ملامح أصحابها دون الولوج إلى ما بدواخلها والتعبير عما يعتمل في النفس البشرية من مشاعر وأحاسيس تختصر تلك الحياة في نص بصري رفيع.
من هذه الأمكنة التي بدأت تتشكل ملامح وجودها على الساحة التشكيلية الليبية بشخصيتها المتفردة في طرح أفكارها وأهدافها المعلنة مشروع بيت علي قانة الثقافي، وهو المتحف الذي سيكون مخصصا لأعمال وسيرة الفنان التشكيلي الليبي علي قانة وما أنتجه من أعمال فنية تتوزع بين لوحات ورسومات وطباعة ومنحوتات وتصاميم ودراسات ومقالات في الفن والعمارة والصناعات التقليدية الليبية منذ الستينيات من القرن الماضي مرورا بدراسته في روما سنة 1962، إلى أن أصبح عضوا في هيئة التدريس في كلية الفنون وكلية العمارة.
وسيعرض هذا البيت إنتاجا كبيرا لم يتم رصده أو التعرف عليه من قبل محبي الفن والدارسين والكتاب والنقاد في السابق لعدم توفر الكثير من الظروف والوسائل المتاحة الآن.
وكان لابنة الفنان الراحل، الفنانة التشكيلية هادية قانة، فكرة مشروع المتحف الحاضن لهذا الإبداع التشكيلي وهذه التجربة والعديد من المشاريع الثقافية الأخرى التي ستصاحب عمل هذا الصرح الثقافي من قاعة عرض ومكان لإقامة فنانين مخصصة لتنفيذ العديد من المشاريع الفنية وتبادل الخبرات بالتعاون مع العديد من المنظمات والجهات العامة والأفراد من فنانين ودارسين وباحثين في الفن التشكيلي.
ويتكون بيت علي قانة الثقافي من قاعات لعرض أعمال فنية مختارة من المجموعة الخاصة بالفنان وقاعة عرض للتجارب التشكيلية المختلفة بنظام معين من إدارة المشروع، ومكتبة وفضاء للطفل، ومقهى يكون كملتقى ثقافي وفني يمكن أن يجتمع فيه أصحاب المشاريع المتقاربة والعديد من المهتمين والدارسين وهواة متابعة وجمع الأعمال الفنية والفنانين التشكيليين والأدباء والشعراء والمعماريين، بالإضافة إلى قاعة مجهزة بإمكانيات العرض يمكن أن تستغل في الندوات والأمسيات والمحاضرات حسب الحاجة. وسيكون مشروع بيت علي قانة الثقافي باختصار متحفا للأعمال ومعرضا للآمال في مشهد ثقافي متنوع.
كان الفنان على قانة مهتما بالفنون عامةً وكرس لها وقته وجهده، ما بين تدريس وتوثيق وبحث وشجع على مزاولتها، وما تركه الفنان تأسس عليه كل من مؤسسة ومتحف علي قانة الذي يضم العديد من أعمال الرسم والوثائق والمنحوتات والرسوم التخطيطية وأعمال الطباعة والمقالات والدراسات في مجال الفنون التشكيلية والعمارة الليبية والإسلامية وملامحها في مدن ليبيا ومقالات متعددة أخرى في الصناعات التقليدية من الفخار والخزف ونقش النحاس التي اشتهرت بها المدينة القديمة طرابلس في سوق “النحايسية”.
وتضع مؤسسة ومتحف بيت علي قانة الثقافي نصب عينيها جملةً من الأهداف التي تسعى إليها وتنشد تحقيقها متمثلةً في التعريف بأعمال الفنان الراحل والحفاظ عليها والتعريف بالثقافة الفنية الليبية في الخارج، بالإضافة إلى توثيق الأعمال الحرفية والتصميمية الإبداعية والعمل على تطويرها وفقاً لأحدث الأساليب والطرق التي تهدف إلى إقامة حوار بناء مع الجمهور وتعزيز الاهتمام بالثقافة والفنون والحرف والعمل على تطوير المناهج المدرسية الخاصة بالفنون والثقافة، وتطوير الشراكات مع المؤسسات التربوية، محلياً وعالمياً وتبادل الخبرات الفنية والحرفية مع الآخرين والتعاون مع مؤسسات التخطيط العمراني بشأن الفضاءات العامة في داخل الوطن.
وتجدر الإشارة إلى أن الفنان الراحل علي سعيد قانة هو أحد فناني الجيل الأول في ليبيا، من مواليد المدينة القديمة في طرابلس سنة 1936، درس فن النحت والرسم في إيطاليا، تخرج سنة 1962، والتحق بالتدريس في كلية العمارة بطرابلس سنة 1970 حتى وفاته سنة 2006.
بيت علي قانة الثقافي هو المتحف المخصص لأعمال الفنان التشكيلي الليبي وما أنتجه من إبداعات فنية
ولد الفنان بمدينة طرابلس الغرب في السادس من يونيو سنة 1936، بمنطقة باب البحر بالمدينة القديمة طرابلس في بيت أسرته التي ترجع أصولها لمدينة نالوت الجبلية.
وخلال سنوات دراسته في إيطاليا، تخصص قانة في مجال النحت بمدرسة سان جاكومو للفنون الجميلة، ودرس تقنية الفريسكو الجدارية، والطباعة الفنية كما درس صب البرونز في روما.
وتعد ابنته هادية امتدادا لتجربته الفنية، وهي من مواليد طرابلس، خريجة قسم الخزف والزجاج كلية الفنون والإعلام بطرابلس، تحصلت على ماجستير خزف من جامعة كاردف في بريطانيا سنة 2004. أقامت وشاركت في معارض شخصية وجماعية في ليبيا وخارجها. وهي صاحبة مؤسسة علي قانة للثقافة التي أنشئت في العام 2011 و حاليا في طور إنجاز مشروع بيت علي قانة للثقافة.