مشروعات لإنقاذ تراث الغناء المصري أم فرصة لإعادة تقديم مطربين أفلوا

يعيد عدد من الفنانين المصريين تقديم أغاني التراث سواء كانت من أغانيهم الشخصية أو من أغاني أشهر المطربين الراحلين، وفي حين يبدون تنافسا شرسا حول الأفكار وطريقة تنفيذها إلا أن النقاد يرون في واقع الأمر أن مثل هذه المبادرات غير كافية للحفاظ على التراث وحمايته ونقله إلى الأجيال القادمة.
القاهرة - أثار مشروع “100 سنة غنا” الذي أطلقه المطرب علي الحجار بالتعاون مع دار الأوبرا لإحياء تراث الأغنية المصرية، جدلا حول مدى نجاحه في أن تحقق الحفلات نتائجها من زاوية قدرة الأغنية القديمة على الانتشار والوجود مع اختلاف اهتمامات الأجيال الصاعدة بالموسيقى، والتنافس بين عدد من المطربين على تقديم مشروعات مختلفة والتعامل معها كأحد وسائل إعادة تقديمهم للجمهور بعد أن أفلوا.
وأحيا الفنان علي الحجار أولى حفلات مشروع “100 سنة غنا” بدار الأوبرا المصرية، الأربعاء، تزامنًا مع الاحتفال بعيد الحب، وقدّم مجموعة أغنيات من ألحان الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب، بمشاركة عدد من المطربين الشباب ونجوم الأوبرا للموسيقى العربية بقيادة المايسترو هشام جبر. وكان من المقرر أن يشارك المطرب محمد الحلو في الحفل إلا أنه اعتذر عن المشاركة.
وكانت دار الأوبرا المصرية أعلنت أن غرض المشروع تعريف الأجيال الجديدة بما يتمتع به التراث الموسيقي المصري من ثراء وقيمة فنية، ووصل ما انقطع في مسيرة الغناء العربي، وإدخال تعديلات بسيطة في الشكل الموسيقي لتلك الأعمال ما يجعلها أكثر جذبًا ولا تكون حبيسة الشكل القديم ويصبح مصيرها الاندثار والزوال.
ويضم المشروع سلسلة من العروض التي ترصد تاريخ الموسيقى والغناء العربي وتطوره خلال القرنين التاسع عشر والعشرين مع تناول سيرة أهم الموسيقيين في تلك الفترة في شكل يجمع الغناء بالدراما والاستعراض، وتأكيد ريادة مصر الفنية في مجال الموسيقى والغناء وتعريف الشباب بالتراث والتعبير عن مدى التحولات الاجتماعية والسياسية التي مرّ بها المجتمع المصري في فترات زمنية مختلفة.
وكان المشروع مثار جدل قبل الإعلان عنه في صورته النهائية، إذ اتهم علي الحجار الفنان مدحت صالح بسرقة فكرته عندما قام (صالح) بتقديم مشروع “الأساتذة”، وهو يحمل نفس الأهداف وتم تنفيذه وتقديم حفلات شارك فيها صالح وعدد من نجوم دار الأوبرا في يوليو الماضي، ما دفع دار الأوبرا لتأكيد عدم رغبتها الدخول كطرف في الخلاف القائم بين الحجار وصالح واكتفت بتأكيد وجود اختلاف بين المشروعين.
وروّجت دار الأوبرا إلى أن مشروع علي الحجار يهدف إلى تسليط الضوء على مسيرة الأغنية المصرية خلال قرن من الزمان ورصد تطوراتها في الفترات الزمنية الماضية، فيما هدف مشروع صالح إلى تقديم مجموعة من الأغاني المختارة لأشهر قامات التلحين والموسيقى في مصر والعالم العربي.
الاكتفاء بتقديم مجموعة من الحفلات لعدد من النجوم المشاهير والارتكان إليها كوسيلة لتجديد التراث أمر غير مُجد
ووسط هذا وذاك غابت الرؤية الواضحة بشأن اتخاذ إجراءات لإعادة تقديم التراث والحفاظ عليه، وبقي الأمر قائما على أسماء نجوم يرون أن تقديم حفلات غنائية لعدد من الملحنين والمطربين القدامى مع إدخال بعض التعديلات على أغانيهم يصب في صالحهم.
وأعلن الفنان علي الحجار، تزامنا مع انطلاق “100 سنة غنا”، عن تقديم ألبوم غنائي جديد يحمل اسم “أبوالأحلام”، من ألحان شقيقه الراحل أحمد الحجار، ونشر على صفحته الرسمية على فيسبوك فيديو قصيرا لأغنية تحمل اسم “جرالك إيه” من الألبوم.
وقال الناقد الموسيقي مصطفى حمدي إن هذه الحفلات تساهم في إعادة تقديم النجوم إلى الجمهور، خاصة إذا جرى الحديث عن علي الحجار وغيره من الفنانين الذين تراجع حضورهم على الساحة، وهو ما يجعلها ضمن خطط المطربين للتسويق لأنفسهم، ويمكن استثناء الفنان مدحت صالح الذي يحضر بقوة على الساحة الفنية من خلال إنتاجاته الغنائية المتنوعة وحفلاته المستمرة واشتراكه في أعمال درامية. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تقديم عدد من المشروعات التي تولي اهتماما بالأغاني القديمة هو أمر جيد، وتلك الحفلات تحقق نسب حضور مرتفعة، ما تم ترجمته في الحفلات التي أقامها الفنان مدحت صالح، ومهمة تطوير التراث مسؤولية جهات حكومية عليها تشجيع تقديمه، وهو ما تسعى نحو تحقيقه دار الأوبرا التي تقدم حفلات مستمرة لنجوم الطرب المصري.
ولفت إلى أن حماية التراث مشكلة في مصر لعدم قدرة بعض الفنانين تجاوز حدود الملكية الفكرية، كما أن جزءا كبيرا من التراث الموسيقي جرى بيعه لشركات غير مصرية، ومن المفترض أن يكون على رأس اهتمام وزارة الثقافة، والجهات المعاونة.
ويعد الاكتفاء بتقديم مجموعة من الحفلات لعدد من النجوم المشاهير والارتكان إليها كوسيلة لتجديد التراث أمر غير مُجد، لأن الأمر في حاجة إلى نشر الأغاني بين فرق الموسيقي الفنية داخل قصور الثقافة، فالتراث يعني بالنسبة إلى هذه الفرق
أغاني عبدالحليم حافظ وأم كلثوم، في حين أن تاريخ الأغنية المصرية يمتد إلى نحو قرنين، وأن فرق الموسيقى العربية داخل أكاديمية الفنون بالقاهرة هي الوحيدة التي تهتم بالتراث.
وأكد أستاذ النقد الموسيقي بالمعهد العالي للنقد الفني أشرف عبدالرحمن أن مشروعات تجديد التراث تحقق أهدافها بشكل نسبي، فهي تعتمد على جماهيرية النجوم الذين يقدمون الأغاني بما يجذب الشباب للاستماع إلى أغان يمتد زمنها إلى عقود طويلة، ويقع على عاتق مؤتمر مهرجان الموسيقى العربية الدور الأكبر بشأن عملية تجديد التراث، وأن الكثير من النداءات بضرورة أن يشهد المهرجان تقديم أغان قديمة إلى جانب الأغاني الحديثة للمطربين المشاركين فيه من دول عربية مختلفة.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن عملية تجديد التراث يجب أن تكون من خلال تقديم الأغاني القديمة التي لاقت رواجًا في القرن التاسع عشر كما هي ودون تغيير باستخدام نفس الآلات القديمة، مثل الناي والعود، أو تقديمها بالاستعانة بالآلات الأوركسترالية كما هو الوضع بالنسبة إلى حفلات دار الأوبرا، باستخدام ما يقرب من 50 آلة موسيقية بما يمنح التراث القديم شكلا مختلفا.
وشدد عبدالرحمن على أن الطريقة الثالثة التي يتم اللجوء إليها حاليا تعتمد على إدخال توزيعات حديثة على الألحان ومحاولة تقريبها من أجواء الأغنية الشبابية التي تجذب قطاعا واسعا من الجمهور، مع الحفاظ على الهيكل الرئيسي للأغنية وإضافة إيقاعات وتوزيعات سريعة، مؤكدا أن فنانين، مثل علي الحجار ومدحت صالح ومحمد ثروت وهاني شاكر وأنغام، لديهم القدرة على إعادة تقديم التراث بصورة حداثية.
وتبدو قضية التراث وقصور الاهتمام به ظاهرة تتواجد في الكثير من دول العالم، ما يدفع منظمة اليونسكو إلى تقديم منح هائلة لإعادة تقديمه، ومصر كانت ضمن المشاركين في مؤتمر عقدته المنظمة في أوزبكستان العام الماضي للاهتمام بالتراث غير العادي، ومن بينه الغناء.
وتكمن مشكلة التراث في مصر في أن من يسوّقونه ويسعون إلى إعادة تقديمه يعانون من مشكلات تتعلق بقدرتهم على التجديد بما يواكب الذوق العام الحالي، وينظرون إلى أغاني المهرجانات وبعض الألوان الشعبية باعتبارها إفسادا للموسيقى والغناء، ولذلك فخطواتهم لاستعادة الماضي لا يتم الوثوق بها من قبل بعض الفئات الشبابية التي تنظر إلى عدد من نجوم الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي باعتبارهم فقدوا بوصلتهم الغنائية.