مشاريع السكك الحديدية تُنعش الاقتصاد المصري

الحكومة تُعزز نقل البضائع وتدشن خطوطا جديدة لتحصيل تكاليف التشغيل والصيانة.
الاثنين 2022/10/10
ليس ضروريا أن تحجز مقعدا!

تبذل مصر جهودا كبيرة لتحديث شبكة السكك الحديدية، بالسعي إلى جذب رؤوس أموال أجنبية متعددة لمشروعها الطموح الخاص بدعم البنية التحتية للنقل وتأهيل الخدمات المرتبطة بها لإنعاش الاقتصاد عبر تسهيل نقل الركاب والبضائع إلى المناطق الصناعية والموانئ، بما يدعم خزينة الدولة.

القاهرة - بدأت الحكومة المصرية خطة طموحة لتطوير وإنشاء شبكة جديدة من خطوط السكك الحديدية بهدف تأهيل الخدمات المرتبطة بها، في محاولة لإيجاد منافذ بديلة لنقل البضائع وتحقيق نمو وتسريع معدلات تشغيل المصانع.

ومن المتوقع أن يُحدث ذلك طفرة في المشاريع التي تنفذها الدولة عقب الانتهاء من عمليات التأسيس وإعادة تأهيل هذا المرفق الحيوي.

وتعد السكك الحديدية إحدى الأذرع المهمة لدعم الاقتصاد من أجل تيسير عمليات نقل البضائع، وهي من أكبر الشبكات في أفريقيا، لكنها تركز على نقل الركاب، وعانى هذا القطاع خلال العقود الماضية ولم تكن ثمة حلول جذرية للمشاكل التي واجهها.

وتنشيء القاهرة هذه الشبكة كشريان حيوي يدعم قناة السويس بتخفيف الضغط عليها، حيث يتم نقل البضائع من موانئ على المتوسط إلى أخرى على البحر الأحمر.

حسن مهدي: الشبكة تخفّف الضغط عن الطرق والحكومة لا تهدف إلى الربح

كما أنها تسهم في قطع الطريق على بعض المشاريع التي يتم تداولها كطرق نقل بديلة لقناة السويس، وتعزز دور مصر في الربط بين الشمال والشرق، والشمال والجنوب في مرحلة لاحقة.

وظلت أطوال الشبكة الحديدية محدودة وثابتة منذ نحو قرنين من الزمن حين دشنها الإنجليز في مصر، ولم يطرأ عليها تطوير كبير أو زيادة، على الرغم من الزيادة السكانية المطردة في مصر وتدشين مناطق صناعية جديدة.

وكان لا بد أن تقدم السلطات حلولاً ناجزة للأجيال الحالية والمستقبلية عبر تطوير منظومة السكك الحديدية وإنشاء شبكة من الخطوط بالاعتماد على الطاقة النظيفة أو الكهربائية، وهي خطوة جاءت متأخرة.

ووافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي قبل أيام على اتفاقية بقيمة 400 مليون دولار لتعزيز أداء قطاعي الخدمات اللوجستية والنقل في مصر، ودعم التحول نحو النقل منخفض الانبعاثات الكربونية على خطوط السكك الحديدية.

ويأتي قطاع النقل في المرتبة الثانية من حيث المساهمة في إجمالي انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في مصر بعد قطاع الطاقة، إذ يسهم بنحو 19 في المئة من هذه الانبعاثات.

كما أن نقل الحاويات والشحنات الأخرى بالقطارات له بصمة كربونية أقل مقارنة بحركة النقل على الطرق البرية.

ويقدر البنك الدولي أن المشروع المزمع إنجازه سيخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنحو 965 ألف طن على مدى 30 عاما.

ويرى خبراء البنك أنه سيعمل على تحديث القضبان والسكة والإشارات في 4 قطاعات، منها خط جديد بين الإسكندرية ومدينة 6 أكتوبر بغرب القاهرة، ومنطقة القاهرة الكبرى لتشغيل تفريعة سكك حديدية حولها.

ويعزز هذا المشروع سعي السلطات إلى تدشين شبكة ضخمة من خطوط السكك الحديدية، باعتباره مشروعا قوميا للطرق، وربط مفاصل الدولة ببعضها البعض وتسهيل نقل السلع لدعم مشاريع التنمية المستدامة بأسرها، الزراعية والصناعية والعمرانية.
ومن أبرز مشاريع السكك الحديدية خط عالي السرعة وآخر كهربائي تنفذه شركة سيمنز الألمانية ويربط القاهرة بالعاصمة الإدارية الجديدة والمدن الجديدة المحيطة بها في شرق القاهرة.

ويربط الخط الأول ميناء العين السخنة على البحر الأحمر بمرسى مطروح والإسكندرية على البحر المتوسط، ويتم تشغيل القسم الأول من هذا الخط في العام المقبل.

وتقول سيمنز، التي تشارك المشروع مع أوراسكوم للإنشاء والصناعة وشركة المقاولون العرب، إن إجمالي قيمة العقد الموقع مع الحكومة المصرية يبلغ 4.5 مليار دولار، وتصل حصتها إلى حوالي 3 مليارات دولار.

ويشمل مرفق السكك الحديدية مجالين، الأول نقل البضائع، والثاني نقل الركاب. وتقوم مصر بتدشين القطارات السريعة، وقطارات نقل البضائع والركاب أيضا، ومن ثم يمكن دعم الاقتصاد والشركات بنقل البضائع من خلالها في جميع أنحاء البلاد.

11.5

مليار دولار رصدت لتنفيذ مشاريع تطوير السكك الحديدية، منها 5 مليارات دولار بالجنوب

وأكد حسن مهدي، أستاذ النقل والطرق بكلية الهندسة في جامعة عين شمس بالقاهرة، أن تلك الخطوط السريعة من شأنها خفض الحمولات الزائدة على شبكة الطرق، خاصة في ظل تحميل شاحنات النقل الثقيل أضعاف حمولاتها.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “السكك الحديدية شريك جديد للنقل البري، ما يقلل الحاجة إلى صيانة الطرق وخفض النفقات الموجهة إليها”.

ويعد نقل البضائع إلى المصانع عبر السكك الحديدية نافذة جديدة تُدر دخلا للحكومة، ما يمكنها من دعم مشاريع التنمية المتعلقة بالخطوط الجديدة، وكذلك عمليات التشغيل والصيانة، وهذا هو العائد الاقتصادي من وراء الشبكة الضخمة التي تُدشنها مصر.

وأضاف مهدي أنه رغم تكلفة الإنشاء الضخمة، إلا أن الحكومة لا تهدف إلى تحصيل أو جمع تكلفة البنية الأساسية لقطاع السكك الحديدية، لأن القطاعات الخدمية التي تقدمها الدولة إلى المواطن أو المستثمر لا تهدف إلى الربح من خلالها.

لكنه أشار إلى أنه ينبغي أن تسهم تلك المجالات في تغطية تكاليف التشغيل والصيانة حتى لا يكون مصير هذا المرفق سيئا.

وتراهن وزارة النقل على شحن البضائع عبر القطارات لدعم وتطوير الخطوط الجديدة، سواء فيما يخص قطارات الركاب أو عربات نقل البضائع، لأن الثانية لا تُدعم من قبل الدولة وهذا عُرف سائد في مختلف دول العالم، مقارنة بالأولى.

وأوضح مهدي أن نقل البضائع عبر السكك الحديدية أقل تكلفة للشركات، لأن قطار البضائع يحمل ما يوازي مئة شاحنة نقل، فضلا عن سرعة الوصول، بجانب العائد المادي لخزينة الدولة، وربما تظهر آثار ذلك على قطارات الركاب وتطويرها.

السيد بسيوني: رسوم الشاحنات باهظة وازدهار مرتقب للمصانع

وخصصت الحكومة 225 مليار جنيه (11.5 مليار دولار) لتنفيذ مشاريع تطوير السكك الحديدية، منها 5 مليارات دولار لمشاريع جنوب البلاد.

وذكر السيد بسيوني، عضو مجلس إدارة جمعية مستثمري العاشر من رمضان، أن إنشاء شبكة جديدة من شأنه إنعاش الاقتصاد لأنها وسيلة ناجزة لنقل البضائع إلى المصانع، ولطالما طالب المستثمرون بتطوير عربات البضائع الحالية أو تدشين أخرى جديدة.

وقال لـ”العرب” إن “رسوم الطرق باتت باهظة ومكلفة على سيارات نقل الخامات والبضائع (شاحنات النقل)، بل ومتكررة، حيث تُفرض على الطرق الرئيسية تارة وعند دخول المنطقة الصناعية تارة أخرى وعند دخول المخازن”.

وأوضح أن ذلك “يمثل عبئًا على المصانع، ويتسبب في ارتفاع أسعار السلع، لأن المستهلك يتحمل ذلك في النهاية”.

ويتمكن مستثمرو القطاع الخاص، وفق ما أعلنته الحكومة، من تشغيل القطارات الجديدة مقابل رسوم استخدام البنية التحتية للشبكة، ومن ثم تعزيز الموارد المالية للهيئة القومية لسكك حديد مصر.

ويأتي هذا النظام على غرار محطات تحصيل الرسوم على الطرق البرية ورسوم الخدمات في المطارات التي يتم العمل بها لضمان توفير عائد يسهم في عمليات الصيانة.

10