مسودة الدستور وشكل نظام الحكم يعودان إلى واجهة الاهتمام في ليبيا

الاستفتاء على مشروع الدستور خطوة نحو حلحلة الأزمة وإجراء الانتخابات.
السبت 2024/06/08
الدستور حلم ليبي

أثارت ستيفاني خوري، القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ملفات جديدة، من بينها إعداد مسودة الدستور وتحديد صبغة الحكم في البلاد، في إطار إصلاحات تشريعية موجهة من شأنها أن تساهم حسب المراقبين في حلحلة الأزمة الليبية وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة والذهاب نحو إجراء الانتخابات.

طرابلس - أعربت القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني خوري عن استعداد البعثة للعمل مع الأوساط الأكاديمية الليبية وجميع الليبيين، ليس فقط لمعالجة الوضع الراهن، وإنما أيضا للمساعدة في إنشاء نظام مؤسسي للحكم يضمن سيادة القانون وحقوق الإنسان والتنمية العادلة للجميع، وهو ما رأى فيه متابعون للملف الليبي اقترابا من الملف المسكوت عنه، والذي يعتبر سببا رئيسيا في عجز الفرقاء عن حلحلة الأزمة وخاصة في ما يتصل بنص الدستور وتنظيم الانتخابات وتحقيق المصالحة.

وفي الأثناء أصدرت محكمة الزاوية الابتدائية في ليبيا حكمًا بإجراء الاستفتاء على مشروع الدستور الصادر عام 2017، وهو ما اعتبرته الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور انتصارًا قانونيّا يدعم العملية الديمقراطية في البلاد، ويؤكد حق الشعب في الاطلاع والتصويت على الدستور الدائم.

وجاء هذا الحكم استجابة لدعوى قضائية رفعتها الهيئة ضد المفوضية العليا للانتخابات وأطراف أخرى لإلزامهم بتنظيم استفتاء على مشروع الدستور الذي تم إنجازه في عام 2017، وفقًا للإعلان الدستوري وقانون الاستفتاء.

عبدالله ميلاد المقري: على الجميع أن يلتقوا حول مشروع أساسي للتخلص من الفوضى
عبدالله ميلاد المقري: على الجميع أن يلتقوا حول مشروع أساسي للتخلص من الفوضى

وفي بيانها أكدت الهيئة أن إجراء الاستفتاء هو خطوة ضرورية لتجاوز الإطار المؤقت وبداية لتحقيق الاستقرار وإنهاء الفترات الانتقالية المتعددة التي عانت منها ليبيا، وأشارت إلى أن تنفيذ الاستفتاء سيعزز سيادة القانون ويقلل من التدخلات الأجنبية في الشؤون الليبية، داعية جميع الأطراف الداخلية والخارجية إلى احترام سيادة القانون ونتائج الاستفتاء وإلى دعم المسار الديمقراطي الذي يعتبر حجر الأساس لبناء دولة مستقرة وموحدة.

وشددت على أهمية تفعيل المشاركة الشعبية في الاستفتاء كوسيلة لضمان تمثيل شامل وفعّال لجميع فئات الشعب الليبي، كما أعربت عن أملها في أن يكون الاستفتاء خطوة نحو تنظيم انتخابات تشريعية وتنفيذية تستند إلى الدستور الجديد، ما يمهد الطريق لتأسيس حكومة مركزية قوية تكون قادرة على معالجة التحديات الرئيسية التي تواجه البلاد، بما في ذلك الانقسامات السياسية والاقتصادية والمؤسساتية.

ويأتي ذلك بينما يستمر نزاع الفرقاء في ليبيا حول أبجديات الحل السياسي المرتقب، فيما يرى فاعلون أساسيون من مختلف مناطق البلاد أن السبب الأصلي لاستمرار الخلاف هو غياب التوافق على طبيعة نظام الحكم المرتقب اعتماده، وما يمكن أن ينتج عنه من هيئات ومؤسسات وقوانين في علاقة بتقاسم السلطة والثروة وتحديد دور الجيش والأحزاب، واحترام الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للأقليات.

وكانت الدولة الليبية الحديثة قد تأسست في عام 1951 ككيان فيدرالي بإعلان النظام الملكي الدستوري، وفي عام 1963 أدت التعديلات الدستورية إلى التخلي عن الشكل الفيدرالي وقيام المملكة الليبية، وعندما استولى تنظيم “الضباط الأحرار” بقيادة معمر القذافي على الحكم في الفاتح من سبتمبر 1969 أعلن عن اعتماد النظام الجمهوري، وفي الثاني من مارس 1977 تم الانتقال إلى النظام الجماهيري الذي استمر إلى حين الإطاحة به في عام 2011، ومنذ ذلك التاريخ تعيش البلاد حالة مخاض سياسي دون تحديد لطبيعة النظام المعتمد رغم هيمنة ملامح النظام الجمهوري البرلماني، وقد أشارت المادة الرابعة من الإعلان الدستوري لعام 2011 إلى أن الدولة تعمل على إقامة نظام سيـاسي ديمقراطي مبني على التعددية السياسية والحـزبية، وذلك بهدف التداول السلمي الديمقراطي على السلطة.

وفشل الفرقاء الليبيون في اعتماد مسودة الدستور التي قوبلت بانتقادات من أطراف عدة، والتي نصت في نسخة عام 2017 على أن “ليبيا دولة مستقلة لا تقبل التجزئة، ولا يجوز التنازل عن سيادتها، ولا عن أي جزء من إقليمها، تسمى الجمهورية الليبية” وعاصمتها طرابلس، و”يقوم النظام السياسي على مبادئ التعددية والتداول السلمي على السلطة والفصل بين السلطات والتوازن والرقابة بينها على أساس الحكم الرشيد القائم على الشفافية والمراقبة والمساءلة”.

الوقت حان للنظر بعمق في موضوع النظام السياسي الذي يمكن أن يرضي أغلب الأطراف

وشهدت البلاد خلال السنوات الماضية اتساع دائرة المنادين بالعودة إلى اعتماد دستور 1951 وخاصة المواد المحددة للنظام الفيدرالي الديمقراطي، فيما برزت جملة من الخلافات بين من يطالبون باستعادة النظام الملكي وبين من يطالبون بتكريس النظام الجمهوري ولكن وفق المنظومة الاتحادية من خلال اعتماد التقسيم التاريخي للأقاليم الثلاثة (برقة وطرابلس وفزان).

وبينما لا يزال أنصار النظام السابق يتمسكون بالعودة إلى ما قبل 2011، تحدثت تقارير غربية عن إمكانية العودة إلى النظام الملكي كغطاء للتنوع الاجتماعي والثقافي في البلاد وكضمان للمحافظة على وحدة الدولة والحؤول دون تمزقها، وهو ما يسعى إليه ابن ولي العهد إبان الحكم الملكي في ليبيا وحفيد إدريس الأول الأمير محمد السنوسي، الذي نفي والده إلى لندن ودفن في المدينة المنورة، والذي كان قد أجرى خلال الفترة الماضية في مدينة إسطنبول التركية لقاءات مع مجموعة من الشخصيات الليبية ضمت أعضاء بمجلس النواب وشيوخا وأبناء قبائل بهدف تعبئة الرأي العام لمبادرته.

في المقابل اعتبر رئيس المؤسسة الليبية للإعلام التابعة للحكومة المنبثقة عن مجلس النواب محمد بعيّو أن لا عودة إلى النظام الملكي إلا بعودة الملك الراحل إدريس السنوسي، ولا عودة إلى النظام الجماهيري إلا بعودة معمر القذافي إلى الحياة، ويبقى الخيار الوحيد هو التأسيس لدولة الاستقلال الثانية بدستور عصري وشكل اتحاد ونظام جمهوري ديمقراطي، مردفا أن كل الدعوات للعودة إلى الوراء تبقى مجرد هراء.

ورأى المحلل السياسي عبدالله ميلاد المقري أن “الشعوب والأمم التي تقدمت هي تلك مسحت الماضي من اهتمامها المادي عندما أصبح نوعا من الشد للخلف وإذكاء الصراعات السياسية والعرقية”، وأضاف أن “الدعوة إلى بناء الدولة الحديثة بعد هذا الإغراق في تداعيات الماضي القريب المؤلم يجب أن تنطلق فورا، ويجب على كل القوى أن تستجيب لهذه الدعوة لكونها مرتبطة بضرورة التخلص من الصراعات الأيديولوجية والتنازع والفوضى والفساد، وتحقق الديمقراطية ضمن سقف الدولة التي تبني أنماطا عصرية حقيقية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلوم والمعرفة”، مؤكدا أن “لا مناص من أن يلتقي الجميع حول هذا الهدف الأسمى كمشروع أساسي للتخلص من الفوضى وأدواتها من العصابات السياسية التي قوضت مشروع الدولة الوطنية”.

ويشير محللون ليبيون إلى أن الوقت حان للنظر بعمق في موضوع النظام السياسي الذي يمكن أن يرضي أغلب الأطراف، وهو النظام الفيدرالي التعددي الذي يعتمد على مبدأ احترام الخصوصيات الاجتماعية والثقافية للبلاد، ويضمن التقاسم العادل للثروة، ويفسح المجال أمام قيام سلطة متطورة للحكم المحلي على امتداد الجغرافيا الليبية الشاسعة.

4