مسلسل "من فم السبع" دراما عن رحلة معاناة نحو النجاح في الدار البيضاء

إيقاع زمني يتناغم مع ترتيب المشاهد واللقطات وسرد الأحداث.
الاثنين 2024/06/24
نجاح بعد تحديات كبيرة

تأتي بعض الأعمال الدرامية لتخاطب عاطفة المشاهد، عارضة أمامه قصصا تشبهه أو قد تشبه واقعه، فتشد انتباهه لمتابعة حلقاتها، وهذا ما حصل مع مسلسل “من فم السبع” الذي يتناول قصة امرأة تكافح من أجل ابنها وتحقيق حلمه بأن يصبح لاعب كرة قدم محترفا.

الرباط - تدور أحداث المسلسل القصير “من فم السبع” للمخرج المغربي داني يوسف حول شخصية تدعى ليلى تهرب مع ابنها عمر إلى مدينة الدار البيضاء بحثا عن حياة أفضل، إذ يعيش عمر طفولة صعبة في العاصمة الاقتصادية، لكنه يحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم مشهورًا، وبمساعدة مدربه رشيد، يسعى لتحقيق حلمه وإعالة والدته.

المسلسل من سيناريو فاتن يوسفي، وبطولة كل من كليلة بونعيلات، أسامة بسطاوي، محمد غالي، راوية، ماريا لالواز، أيوب أبوناصر، مراد الشابي، العربي أجبار، طارق بخاري، عبدو تميمي، وزهور سليماني.

يبدأ المخرج افتتاحية المسلسل في سنة 2008، إذ يركز فيها على مشاهد تظهر المحطة الطرقية لأولاد زيان بالدار البيضاء بضجيجها وصراعاتها اليومية. ثم ينزل بنا في لقطة أرضية بزاوية منحدرة ليصور سيدة ترتدي نعلا بلاستيكيا وجلبابا أزرق، وهي حامل تنزل من الحافلة تائهة تبحث عن ملاذ، تميل بعينيها هنا وهناك فلا ترى سوى القسوة في كل مكان والشجار بالسكاكين، ليبين لنا المخرج أن هذه هي الدار البيضاء وهذا هو مصير البطلة راسما على وجهها ملامح الخوف.

أحداث المسلسل تدور حول شخصية تدعى ليلى تهرب مع ابنها إلى الدار البيضاء بحثا عن حياة أفضل
أحداث المسلسل تدور حول شخصية تدعى ليلى تهرب مع ابنها إلى الدار البيضاء بحثا عن حياة أفضل

يعود بنا يوسف عبر تقنية الفلاش باك إلى ثمانية أشهر سابقة ليبين للجمهور مربط الفرس في قصة السيدة التائهة التي تحمل اسم ليلى، إذ يكتشف المشاهد أنه في حفل زفافها وسط عائلة ليلى وإخوتها، ثم يتوفى زوجها في حادث سير، فتتعرض لنكسة. وأثناء العزاء، تتضح العلاقة القاسية بينها وبين أخيها الذي كان سيزوجها من رجل ثري ورفضت، فأغمي عليها وأخذوها إلى المستشفى أين اكتشفوا أنها كانت حاملاً من قبل، ومع الضغوطات التي تعرضت لها ليلى والشجارات العائلية والخوف من أخيها القاسي محمدي، هربت من منزل أسرتها بتارودانت نحو مدينة الدار البيضاء رفقة ابنها الوحيد عمر الذي تحملت وحدها مسؤولية تربيته بعد وفاة زوجها. تنتهي هذه الافتتاحية بترتيب لقطات محكمة مفادها التعريف بالشخصيات و الأحداث والأماكن و العلاقة بينهم.

تصطدم ليلى في لقطة هندية في محطة الحافلة بشخص يدعى رشيد وهو يتحدث مع أمه عبر الهاتف، يتبادلان نظرات رومانسية نفهم من خلالها أن العلاقة بين هاتين الشخصيتين ستشكل الأحداث الرئيسية للمسلسل. رشيد هو لاعب كرة قدم، والدته بائعة فطائر، ولديه أخ موظف اسمه أحمد لا يحبه كثيرا بسبب طيش رشيد الذي جعله يترك الدراسة ويحترف كرة القدم. ولدى رشيد عشيقة اسمها نورة، ابنة جيرانهم، وهي بدورها يحبها أحمد أخوه.

تتضح الرؤية في المشاهد اللاحقة حيث يربط المخرج بين الشخصيات خاصة عندما تصل ليلى عند الضاوية من أجل كراء سكني، ثم تتوالى الأحداث فيتعرض رشيد للاستغلال من طرف فتاة قامت بفضح علاقته غير الشرعية بها وهددته بمبلغ مالي كبير. يطرد من الفريق، وبعد فترة يعود ليلعب من جديد في مباراة حاسمة، ولكن ابن حومته (منطقته) الملقب بـشعيبة يناوله نوعا من المخدرات تجعله يفشل في مباراة كرة القدم، فيفقد حلم الاحتراف إلى الأبد، فيصبح منبوذا من طرف عائلته وأصدقائه ويفقد عمله.

يعود بنا المخرج داني يوسف في الحلقة الثانية عبر تقنية الفلاش وورد أو القفز إلى الأمام بعد 11 سنة في الدار البيضاء سنة 2019، حيث ترزق ليلى بمولود اسمه عمر يبلغ الآن عشر سنوات. ويتزوج أحمد، أخ رشيد من نورة التي تحب أخاه رشيد، في زواج يتسم بالبرود. وهذه المشاهد تبرز التعقيدات التي تطرأ على الشخصيات بعد مرورهم بأحداث تقلب حياتهم رأسًا على عقب، وتنجح في شد انتباه الجمهور .

يبرز تكوين اللقطات اللاحقة رشيد الذي كان حلمه أن يصبح لاعب كرة قدم محترفا، لكنه أصبح رجل “طلبات” يشتغل في توصيل البيتزا (دليفري)، أما ليلى فهي تعاني من التحرش من مدير المؤسسة التي تشتغل فيها كعاملة تنظيف وهي المدرسة الخاصة التي يدرس فيها ابنها عمر. كما أن عمر يعاني مع زملائه الأطفال لأن أمه تشتغل في تنظيف المدرسة.

المخرج اعتمد لقطات بين المقربة والمقربة جدا في تصوير الشخصيات مع كاميرا متحركة في مشاهد الطرقات
المخرج اعتمد لقطات بين المقربة والمقربة جدا في تصوير الشخصيات مع كاميرا متحركة في مشاهد الطرقات

يكافح هذا البطل الصغير الذي يحب كرة القدم ليساعد والدته ويحقق حلمه، ويجد ضالته عند رشيد الذي فقد نفس الحلم بسبب تعاطيه المخدرات. يصبح هذا الطفل هدف رشيد الجديد كي يعوض عن خيبة أمله في الحياة، وبالموازاة تصبح ليلى مهتمة بـرشيد لأنه أحب ابنها عمر، ونهاه عن سلك طريق المخدرات والابتعاد عن شعيبة.

يعيش عمر في هذه المدينة الكبيرة إلى جانب والدته ليلى في ظروف قاسية، وهو طفل قوي الشخصية وصريح، ومع ذلك فهو يحلم بالخروج حياة الفقر والمعاناة، ويبحث عن طريقة لمساعدة والدته، فكان رشيد هو الموجه والراعي لـعمر.

يتقدم بنا المخرج في مشاهد الحلقة الثالثة بمشاحنات عائلية بين محمد الذي جسده الممثل طارق البخاري أخ ليلى الممثلة كليلة بونعالات الذي يريد أن يزوجها بالقوة من رجل غني إذ تقبل ليلى بهذا الزواج وتسافر إلى تارودانت، فيبقى رشيد الذي جسده الممثل أسامة بسطاوي مكتئبًا يعاني من العزلة والفراغ الذي تركته ليلى وابنها عمر الذي كان يرى فيه نفسه كبطل ولاعب كرة قدم مشهور.

 يحدث في المشاهد اللاحقة شجار في عائلة ليلى، فيختفي عمر ويعود إلى الدار البيضاء للعمل في بيع المخدرات مع شعيبة الذي جسده الممثل أيوب أبو ناصر فيصادفه رشيد ويتعقبه ويمنعه من سلك ذلك الطريق، يساعده في تخطي الأمر ويتصل بأمه ليخبرها أن عمر معه وهو بخير ويعتني به. يبدأ رشيد في تشجيع عمر في كونه لاعب كرة قوي وسيصبح له شأن عظيم في كرة القدم، وأخبره بأن الجمهور سيفتخر به، بعد ذلك يلتحق عمر بأكاديمية محمد السادس لكرة القدم بعد أن لفت انتباه أحد المدربين.

 يبرز ترتيب اللقطات الأخيرة كيف يتحقق حلم الصغير عمر حيث أصبح لاعب كرة مشهور، تزوجت أمه ليلى بـرشيد، وطلق أحمد زوجته نورة وتزوج امرأة أخرى، وذهبت نورة عند شعيبة لأنه يشبهها في سلكه طريق الضلال، وعادت العلاقات بين الشخصيات إلى الهدوء والاستقرار بعد معاناة طويلة.

يعتمد المخرج لقطات بين المقربة والمقربة جداً في تصوير الشخصيات مع كاميرا متحركة في مشاهد الطرقات والتي فيها حركة في الأزقة و الشوارع، كما ساعدت كاميرا الدرون في إبراز جمالية الدار البيضاء والأماكن الراقية فيها، أما أداء الممثلين أسامة بسطاوي، وكليلة بونعالات، وأبو ناصر، وراوية، ومريم اللوز، وطارق بوخاري، والطفل محمد غالي احمامو، فقد كان أداء منسجما ودقيقا ومتناغما على مستوى لغة الجسد وتعبيرات الوجه والحوار.

15