مسلسل كويتي يعلي شأن المرأة
كيف تستطيع امرأة واحدة التغلب على الصعاب والتحديات التي تواجهها، وتؤدي دورها كأم ومربية في ظل غياب الأب أو تخليه عن مسؤوليته؟ هي قضية متكرّرة في المجتمعات الإنسانية على نحو عام، لكنها قد تكون أشد وطأة في مجتمعاتنا العربية. وهو ما يتناوله المسلسل الكويتي “عافك الخاطر”.
هناك الكثير من النساء في مجتمعاتنا العربية تضطرهنّ الظروف للاعتماد على أنفسهنّ ومواجهة الحياة بمفردهنّ، ومع هذا ينجحن في هذا التحدي، وإذا ما بحث كل منا في محيطه سيعثر على العديد من هذه النماذج من حوله، بلا شك. عن هؤلاء النساء وغيرهنّ تدور أحداث المسلسل الكويتي “عافك الخاطر” المعروض حاليا على قناة “أو.أس. ياهلا” الإماراتية.
الشخصية الرئيسية في المسلسل هي شخصية أمينة، وهو اسم يذكرنا بشخصية الزوجة الخنوعة في ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة، والتي عولجت سينمائيا في أكثر من عمل.
أمينة مختلفة
الزوجة هنا ليست بهذا القدر من الخضوع الذي كانت عليه أمينة في ثلاثية نجيب محفوظ، فهي تتسم بالقوة والتحدي. حين وجدت أمينة نفسها وحيدة في مواجهة الحياة بعد تخلي زوجها عنها أصرت على تربية أبنائها تربية صحيحة رغم ثقل الحمل. كان على أمينة أن تدير شؤونها بنفسها في ظل وجود خمسة أبناء يحتاجون إلى الرعاية.
ولا تقتصر النماذج النسائية التي يقدّمها المسلسل على أمينة وحدها، بل يقدم العمل أيضا نماذج مختلفة للنساء والأمهات في المجتمع الكويتي عبر تتبعه لسيرة أمينة وأبنائها الخمسة، بداية من ثمانينات القرن الماضي وحتى الوقت الراهن.
والمسلسل من إخراج مناف عبدال وتأليف عبدالله الرومي، وبطولة كل من أسمهان توفيق وسليمان الياسين وخالد أمين وهبة الدري وعبير أحمد ومشاري البلام وغدير السبتي وميس كمر وفرح الهادي، بالإضافة إلى كوكبة أخرى من الوجوه الجديدة.
و”عافك الخاطر”، هو التعاون الثاني بين المخرج مناف عبدال والكاتب عبدالله الرومي اللذين سبق أن تعاونا سوية في مسلسل “تعبت أراضيك” قبل بضع سنوات.
تقدّم الحلقة الأولى من المسلسل صورة عامة عن الشخصيات الرئيسية في العمل، فأمامنا زوجة شابة وهي أمينة التي تلعب دورها الفنانة فاطمة الدمجي في بداية الأحداث، سرعان ما تحتل مكانها النجمة أسمهان توفيق في مرحلتها العمرية اللاحقة.
تتشكّك أمينة في سلوك زوجها مبارك الذي يلعب دوره في مرحلة الشباب الفنان حسن إبراهيم ثم النجم سليمان الياسين. تتأكد شكوك أمينة في ما بعد حين يتزوّج مبارك من امرأة أخرى ويتركها وحيدة هي وأبناءها، بعد أن يولي كل اهتمامه بزوجته الجديدة تاركا لها مهمة تربية الأبناء.
تكافح الأم من أجل تربية أبنائها في ظل هذه الظروف القاسية، فتعمل ليل نهار كي تعيل أبناءها، كما تحرص على تعليمهم تعليما جيدا. وتتصاعد الأحداث بداية من الحلقة الثالثة وتصبح التحديات التي تواجه أمينة أكثر حدة بعد فراق صديقتها الوحيدة ثم موت أمها.
ومع مرور الأحداث والزمن تتغير مجريات العمل ويصبح لكل شخصية من الأبناء خط مختلف ضمن السياق الدرامي العام للمسلسل. تتولى الفنانة أسمهان توفيق هنا دور الراوي، وهو صوت الأم التي تحكي حكايتها وتعقب على الأحداث.
يبدو لافتا هنا أن معظم الشخصيات الذكورية في المسلسل تعاني من اضطراب ما، فخلافا لزوج أمينة (مبارك) تعاني الابنة الكبرى ندى التي تؤدي دورها الفنانة هبة الدري من بخل زوجها (أحمد إيراج) وسلوكه غير السوي مع أبنائها وعدم اهتمامه بها. أما شقيقتها منيرة التي تؤدي دورها غدير السبتي فتدخل في دوامة من الاضطراب بعد اختفاء زوجها دون أسباب معروفة.
أمامنا أيضا شخصية أحمد الذي يلعب دوره الفنان عقيل الرئيسي الذي يتخلى عن حبيبته بسهولة بسبب شكّه في سلوها دون أن يتحقّق من الأمر، وهو يعاني من اضطراب في التعايش مع والده (خالد أمين)، الذي يتطلع بدوره إلى إقامة علاقة مع حبيبة ابنه التي تؤدي دورها الفنانة الشابة فرح الهادي.
الفنانة أسمهان توفيق تقدّم هنا كعادتها نموذجا في التمثيل والأداء من خلال دور أمينة، وهي إحدى الطاقات الخلاقة في مجال الدراما والمسرح الخليجي، ولعل حضورها في أي عمل درامي هو مكسب لهذا العمل بلا شك.
والفنان سليمان الياسين أدّى في المسلسل دور الأب المشتّت بين زوجته الجديدة وأبنائه، وغالبا ما تأتي أفعاله معاكسة لقناعاته، فيتأكّد مع الوقت من خطأ قراراته، هو يشعر بالندم، لكنه لا يستطيع التراجع. هذه التركيبة المعقدة لشخصية مبارك عبّر عنها سليمان الياسين بإتقان شديد لطبيعة الدور.
وبدورها تقدّم الفنانة غدير السبتي دورا معقدا، فهي تواجه الحياة بمفردها كأمها أمينة بعد اختفاء زوجها المفاجئ وعلاقاتها المضطربة بمن حولها، بما فيهم والدها مبارك.
ومن الأدوار اللافتة أيضا كان دور الفنانتين رونق وهبة الدري، ورغم المبالغة التي اتسم بها أداء الفنانة ميس كمر، إلّا أنها استطاعت استفزاز المشاهد بشخصيتها الحادة.
هنات ومبالغات
“عافك الخاطر” يقدّم للمُشاهد قصة مشوّقة وذات أبعاد إنسانية بلا شك، وهو يحمل إمكانيات كبيرة للتطوّر والتصاعد في أحداثه، غير أن هناك العديد من المشاهد التي كانت في حاجة إلى معالجة متأنية.
أحد هذه المشاهد مثلا، ذلك الذي يجمع بين الفنانة الشابة فرح الهادي والفنان عقيل الرئيسي في الحلقة السابعة، وهما حبيبان، وعلى علاقة وطيدة منذ خمس سنوات، لكنه يتهمها بالخيانة حين يراها تتحدّث مع أحد الشباب في مكان عام، وتتعقّد علاقتهما بناء على هذا الموقف، في مشهد اتسم بالخفة والضعف في المعالجة.
العلاقة بين أمينة وضرتها بسمة التي تؤدي دورها الفنانة ميس كمر تقدّم مثالا نموذجيا للغيرة والصراع بين الضرائر في مجتمعاتنا، غير أن أداء ميس كمر اتسم بالمبالغة والتمادي في الشر دون أسباب مقنعة. وهذا المنحى الموغل في الشر بلا مبرّر مقنع اتسمت به أيضا شخصية وفاء (غدير السبتي)، وهي الصديقة المقربة لـهبة (فرح الهادي) حفيدة أمينة.
هناك شخصيات افتقدت إلى التوازن، كالشخصية التي يؤديها الفنان خالد أمين مثلا، وهي شخصية “جراح”، حيث نراه في البداية يتّسم بالسلبية الشديدة والخضوع لمشيئة الزوجة، فيلوذ بالصمت حين تهين أخاه أمامه باتهام زوجته بالسرقة، لكننا نراه صارما حد القسوة معها في مشاهد أخرى لاحقة، ولأسباب أخف وطأة، وكأنه قد تحوّل إلى شخص آخر.
التغيرات في تركيبة الشخصية واردة بالطبع، لكنها تحتاج بطبيعة الحال إلى مُقدّمات أو دوافع منطقية لهذا التغيّر أو التحوّل، وهي دوافع تبدو مجهولة حتى الآن في ما يخصّ شخصية جراح.
