مسلسلات كرتونية تنهي القطيعة بين الأطفال والإعلام المصري

سجل موسم المسلسلات الرمضانية هذا العام توسعا في الإنتاج الموجه للطفل، ما يعكس إستراتيجيات الحكومة المصرية التي يقول البعض إنها تجس نبض الأطفال واهتماماتهم قبل تأسيس قناة تلفزيونية خاصة بهم تشتغل على تعزيز الهوية والثقافة، ورغم ذلك لا يزال النقاد يؤكدون الصعوبات التي تواجه المنتجين المهتمين بمسلسلات الأطفال خاصة على مستوى تسويقها.
القاهرة - قدمت جهات إنتاجية مختلفة في مصر أربعة مسلسلات كرتونية للأطفال في موسم رمضان لهذا العام، ما بعث إشارات إيجابية حول التوسع في تقديم الرسوم المتحركة كسبيل لإنهاء القطيعة الطويلة بين الأطفال ووسائل الإعلام المصرية مع غياب المحتويات الخاصة بهم، وسيطرة منصات التواصل الاجتماعي على اهتماماتهم في ظل حديث متكرر عن تأسيس قناة للطفل من دون أن ترى النور حتى الآن.
وعرضت فضائية “دي.إم.سي” مسلسل “يحيى والكنوز” وحاز على قدر كبير من الاهتمام والمشاهدة، وقد أنتجته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وبثت قناة “سي.بي.سي” مسلسل “نور ورسالة النور” الذي أنتجته مؤسسة الأزهر، بجانب مسلسل “المحمية” وهو أول عمل مصري ثلاثي الأبعاد من إنتاج شركة “هاشتاغ” وتم عرضه على فضائية “الحياة”، نهاية بمسلسل “الربابة المصري” من إنتاج الشركة المتحدة أيضا وعرض على فضائية “أون إي”.
وسعى توزيع المسلسلات على فضائيات مختلفة لخلق تنوع غاب لعدة سنوات عن الإعلام المصري مع انزواء المحتويات الجادة التي تستهدف الأطفال، كما أن بثها على قنوات مملوكة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التابعة لجهات رسمية سيادية وتسيطر على غالبية سوق الإعلام في مصر، يبرهن على أن عملية تسويقها لإذاعتها على الفضائيات تعاني صعوبة، ويبدو أن تحديد بوصلة احتياجات الأطفال في المراحل العمرية المختلفة ما زال غائبا.
ولدى جهات إعلامية مصرية رؤية مفادها أن التوسع في تقديم المسلسلات الكرتونية مقدمة للتعرف على توجهات الأطفال قبل الاتجاه نحو تأسيس قناة تلفزيونية متخصصة لهم، وتقديم أكثر من عمل هذا العام جاء في إطار تلك الخطة التي ستكون بحاجة إلى وقت أكبر للتنفيذ، وقد لا ترى المحطة النور قريبا مع مطالبة قطاع آخر من المهتمين بمحتويات الأطفال أن تكون هناك قناة تعبر عن الهوية المصرية وتجنب إضاعة مزيد من الوقت.
وبدا واضحًا أن المشترك بين المسلسلات الأربعة هو تقديم رسائل إعلامية يطغى عليها الجانب التعليمي والتثقيفي المباشر للأطفال على حساب الترفيه، ما يشكل إحدى نقاط ضعفها، وأن مدى قدرة منتجي الأعمال على صناعة حبكة درامية تستطيع جذب الأطفال حسم مسألة ارتباطهم بها، وهو ما تحقق بدرجات أكبر في مسلسل “يحيى والكنوز” في الجزء الثاني منه الذي عرض في الموسم الأخير من رمضان.
وقدم مسلسل “يحيى والكنوز” رسائل إعلامية تدعم الهوية الوطنية من خلال الربط بين الواقع الحالي والحضارة المصرية القديمة، كذلك الوضع بالنسبة إلى مسلسل “نور ورسالة النور” الذي قدم خطابا إعلاميا يجابه الخطابات الإعلامية المتطرفة وسعى لإبراز صورة إيجابية عن الدين الإسلامي وسماحته، وبعث مسلسل “المحمية” رسائل توعية بالحفاظ على البيئة والطبيعة وكيفية مواجهة التغيرات المناخية، كما قدم مسلسل “الربابة المصري” معلومات حول الفلكلور الشعبي المصري.
ويتفق خبراء الإعلام على أن التعامل مع محتويات الأطفال من منطق النصح والإرشاد المباشر لن يأتي بنتائجه المرجوة، وأن الأطفال يبحثون عن محتويات تضاهي ما يشاهدونه عبر البرامج والمسلسلات العربية والأجنبية على منصات التواصل الاجتماعي ويرتبطون بها منذ الصغر، وعرض مسلسل أو مجموعة من المسلسلات في شهر واحد لن يكلل خطط إعادة جذبهم إلى التلفزيون بالنجاح إذا لم يتم إذاعة أعمال تستهدف الأطفال على مدار العام.
التوسع في تقديم المسلسلات الكرتونية مقدمة للتعرف على توجهات الأطفال قبل الاتجاه نحو تأسيس قناة تلفزيونية متخصصة لهم
وترى جهات إعلامية مصرية ضرورة استعادة الجمهور المصري من الأطفال، ويرجع ذلك إلى أسباب عديدة بينها أن خلق حالة تواصل بين الأطفال والتلفزيون من الصغر يسهم في نجاح رسائل تقدم للجمهور العام مستقبلا.
كما أن ارتباط الأطفال بثقافات أجنبية يجعلهم أكثر انفصالا عن محيطهم المحلي، بالإضافة إلى التراجع الملحوظ على مستوى قدرة الإعلام المصري على تقديم مضمون جذاب للأطفال واختفاء الكثير من منتجيها لعدم الاستعانة بهم سنوات طويلة.
وقالت مؤلفة مسلسل “نور ورسالة النور” نهى عباس لـ”العرب” إن موسم رمضان المنتهي شهد تطورا على مستوى زيادة عدد المحتويات المقدمة للأطفال وهو أمر إيجابي يجب البناء عليه، لكنه لا يكفي لجذب ما يقرب من 40 مليون طفل خاصة وأن الأعمال يتم عرضها في فترة واحدة لا يتم توزيعها على مدار العام كله، ما يجعل الارتباط موسميا، وأن وجود قناة أطفال السبيل الوحيد لإنجاح خطط جذب الأطفال.
وأضافت أن الشركات المنتجة لمسلسلات الأطفال تجد صعوبة في تسويقها، وأن الدعم الذي تقدمه الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية يساعد على إيجاد فترات زمنية وسط خريطة رمضان المزدحمة، كما أن المحتويات المقدمة لا تخاطب الأطفال في سن أقل من ثماني سنوات وثمة فجوة تمتد لأكثر من خمس سنوات منذ ارتباط الصغار بأجهزة المحمول في سن الثالثة وهي الفترة التي يُدمن فيها الطفل مشاهدة “يوتيوب” لساعات طويلة.
وأشارت إلى أن صانعي محتويات الأطفال ينتظرون الفرصة السانحة لتقديم محتويات ترفية تجذب الأطفال بشكل أكبر من القوالب التعليمية المباشرة، لكن عدم وجود جهات تمويلية تدعم تقديم محتويات عديدة للأطفال يدفع نحو الانحصار في تقديم المعلوماتي الذي يساهم في توصيل رسائل تخاطب عقول الأطفال، باعتبار أن ذلك يمثل هدفا أوليا لا بد من تحقيقه في مواجهة سيول الأفكار السلبية التي يتعرضون لها.
وتظل الأفكار المقدمة إلى الأطفال تحظى بقدر أكبر من اهتمامات أولياء الأمور الذين يدفعون أبناءهم نحو مشاهدتها ويجدون أنفسهم أمام فرصة ثمينة عبر محتويات مقدمة إعلاميًا من خلال جهات تحمل صفة الرسمية، ما يضع جمهور الأطفال أمام عقبة التوجيه المستمر دون أن تحظى الأعمال المقدمة باهتمام الأطفال، كما هو الحال بالنسبة إلى مسلسل الكارتون “بكار” و”بوجي وطمطم” و”عالم سمسم” وهي أعمال حققت شهرة واسعة منذ حوالي عقدين.
وأكدت عباس أن الأطفال يعانون حالة من الفراغ الثقافي يصعب ملؤها من خلال مسلسلين أو أكثر على مدار العام، وتعثر إنشاء محطة فضائية يتطلب تعويضه بتقديم محتويات موجهة للأطفال بشكل مستمر، وأن توجيه جزء من ميزانيات الجهات الثقافية الحكومية لإنشاء المسلسلات يمكن أن يحل مشكلات التمويل.
ويشير خبراء إعلام إلى خطورة تداخل الجهات المسؤولة عن ملف الطفل، فهناك جهات إعلامية وأخرى حكومية تتولى مسؤولية رعاية حقوق الطفل، وهو ما يفسر أحد أوجه الجمود الحالي، كما أن وجود أولويات أكثر أهمية بالنسبة إلى صانع القرار الإعلامي يقود إلى تأجيل كثير من المشروعات المرتبطة بالطفل، على الرغم من تزايد الاهتمام بالنقاشات الدائرة حولها، علاوة على أن الأمر يرتبط بوجود رؤى عديدة لا تجد من يترجمها في شكل سياسات إعلامية قابلة للتطبيق على الأرض.