"مسرح شو".. تجربة شبابية تُعيد إحياء التراث المسرحي

ما بين ماضٍ عريق وحاضر متدهور لا تخطئه العين، بات التقدم الزمني مُصاحبا لتأخر فعليّ وتراجع إلى الخلف في مسار المسرح المصري، الذي أوشك أن يفقد قيمته تحت وطأة أعمال مهترئة تتكاثر وتطفو على السطح، حتى صار الحديث عن عمل مسرحي جيد بمثابة العثور على “إبرة في كومة قش”. من هنا تأتي أهمية تجربة “مسرح شو” الشبابية التي تستهدف إحياء كلاسيكيات المسرح المصري بأسلوب مُعاصر ينقل إلى الأجيال الجديدة تجارب مسرحية لافتة لم يُعاصرها.
يكثر الحديث في السنوات الأخيرة عن أزمات المسرح المصري المتراكمة ما بين نصوص هزيلة وإمكانيات فنيّة ضعيفة وميل نحو الاستسهال أدى إلى عروض مسرحية ضعيفة، ومن ثم انصراف جل الجمهور عن متابعة المسرح فيما جذبت بعض العروض الهزلية المُفتقِرة لمضمون مؤثر قطاعات جماهيرية مُتعطِشة لمسرح جاذب، فوسمت تلك العروض الهزلية المسرح بميسمها، وبات جيل جديد مهددًا بفساد الذائقة الفنيّة في ظل ضعف معرفته بالعمل المسرحي الجاد.
تأتي تجربة “مسرح شو” كمحاولة لمجموعة من الفنانين المصريين الشباب لإحياء ذلك التراث بأسلوبهم الخاص ورؤيتهم الذاتية، إذ يسعى هؤلاء الشباب لمُحاكاة أعمال مسرحية قديمة برؤيتهم التي تستلهم شخصيات الأعمال القديمة ومضمونها لتُقدّم قصة جديدة موازية للقصة القديمة أو امتدادا لها. وانطلاقًا من هذا المبدأ قدموا أعمالهم في الموسم الأول لمسرحيات مثل “مدرسة المشاغبين” و”العيال كبرت”.
أعمال لا تُنسى
يوضح المخرج الشاب كريم الكسار، مُطلِق فكرة “مسرح شو” ومؤسس الفرقة، أن فكرة تأسيس فرقة تعيد إحياء الأعمال المسرحية القديمة على المسرح من جديد جاءت بسبب وعيه العميق بأهمية وتأثير كبار فناني المسرح المصري على مستوى العالم بأعمالهم التي لا تُنسى والتي لا تزال باقية رغم أن أرواح الكثير منهم قد فارقتنا، من هنا برزت أهمية إعادة تقديم تلك الأعمال وهؤلاء النجوم.
يُبين الكسار أنه يخطط لإقامة أربعة مواسم من “مسرح شو”، ولكل موسم طابعه الخاص. فالفكرة التي بدأ التخطيط لها منذ عام 2017، ظهرت أول تجلياتها على المسرح في منتصف العام الماضي، ولا تزال أعمال الموسم الأول تتوالى ويُنتظر تقديم أعمال جديدة حتى نهاية العام المُقبل، إذ يضم الموسم الأول ستة وعشرين عملًا مسرحيًا تُعرض خلال ثلاثة أعوام متتالية.
ويشير المُخرج الشاب إلى أن الموسم الأول يقوم على فكرة تقديم جزء ثانٍ من المسرحية القديمة، ومن هنا جاءت مسرحيتهم “العيال لما كبرت” كامتداد لمسرحية “العيال كبرت” الشهيرة، وأيضًا “أكاديمية كتكوت” هي امتداد لمسرحية “مدرسة المشاغبين”، ومن ثم فهي أعمال لا تدخل في منافسة خاسرة مع الأعمال القديمة بأي حال، وهذا ما جعل بعض كبار نجوم تلك الأعمال يساندون المشروع ويشجعونه.
تجربة "مسرح شو" تأتي كمحاولة لمجموعة من الفنانين الشباب لإحياء التراث المسرحي بأسلوبهم الخاص ورؤيتهم الذاتية
أما عن أبرز التحديات التي واجهت الفريق إلى الآن، فيلفت الكسار إلى أن اختيار الممثلين كان من أبرز الصعوبات ثم النصوص التي تحاكي الأعمال القديمة بشكل يلائم العمل القديم ويناسب الممثلين الجدد، فكانت الاسكربتات تُعاد أكثر من مرة إلى أن يتم الاستقرار عليها، كما واجهتهم بعض المشاكل في الإنتاج إلا أن إقبال الجمهور واستحسانه للفكرة دفعهم لاستكمال المشروع.
تأتي النصوص المسرحية في هذه الفكرة كأساس لنجاح المشروع برمته، فرغم أن الأعمال المُقدّمة في “مسرح شو” لا تسعى
لمنافسة العمل الأصليّ إلا أنها ترتبط به بشكل أو بآخر، ومن هنا يُشير الكاتب هيثم أبوالحسن، المؤلف المسرحي، إلى أن الأساس الذي يرتكز عليه في مؤلفاته لمسرح شو هو التجديد في الشكل والمضمون مع الالتزام بقواعد المسرح القديم، بحيث يناسب المسرح الحديث بأفكاره المعاصرة ويناسب كل الفئات ويطرح الفكرة بزوايا مختلفة.
يقول أبوالحسن “هدفنا أن نُذكِّر الناس بعمالقة الفن الراقي الذي يحترم الجمهور بعكس ما يحدث في هذا العصر من تشويه لصورة المسرح، فالمسرح يجب أن يُضيف قيمة لكل شخص، ويضيف المعرفة والعلم شأنه في ذلك شأن الدراما والسينما، فقد نشأ كفكرة من أجل إضافة القيمة”.
ويلفت أبوالحسن إلى أنه في أي عمل مسرحي قديم لا يتعامل بنفس الكيفية التي صيغ بها العمل المسرحي من بداية ووسط ونهاية، لكنه يخلق حبكات جديدة مختلفة تماما، ليكون حلقة تواصل بين الجيل القديم والجيل الجديد، ومن ثم فصياغة المسرحية تعتمد على الحبكات المُعقّدة لأن الفكرة الجيدة تؤدي إلى عمل جيد والعكس صحيح، ومن ثم يسعى إلى تقديم أفكار عميقة إلى حد كبير تستهدف تراث المجتمع المصري وثقافته وتغرس في الأجيال الجديدة حب الوطن والأمل في الغد والتفكير بإيجابية وبث القيم الأخلاقية ومناقشة بعض العادات والتقاليد التي كان لها أثر سلبي على المجتمع المصري في فترة سابقة.
تكريم الرواد
يُبين هيثم أبوالحسن أن مشروع “مسرح شو” مُقسم إلى أربعة مواسم، في الموسم الأول يُقدّم مجموعة من العروض المسرحية التي لا تزال تؤثر في الجمهور إلى الوقت الحالي مثل “مدرسة المشاغبين” و”العيال كبرت”، أما الموسم الثاني فيشمل عروضا مسرحية تحتوى على كثير من الاستعراضات والأوبرات المصرية التي أصبحت بعيدة عن الأنظار بعدما توارى المسرح الاستعراضي والمسرح الذي يهتم بالمونولوج والأوبرات، ومن هنا سيُقدَم خلال هذا الموسم مسرحية بعنوان “نقرة ودحديرة” وهي مشروع مسرحي كبير سيشمل الكثير من الاستعراضات والكوميديا والأوبرات.
يتابع الكاتب الشاب “أما الموسم الثالث فسنقدم فيه نجوم السينما الكبار الذين لم يُقدّموا أعمالًا مسرحية ونطوعهم في عمل مسرحي يليق بهم وبقامتهم الكبيرة، وهدفنا في هذا الموسم التذكير بهؤلاء العظماء، وسيركز الموسم الرابع على الفكر التجديدي الخاص بنا، وفيه سنقدم مجموعة من المسرحيات المعاصرة لإبراز النجوم الشباب بعد أن اكتسبوا علما كبيرا وصاروا قادرين على الاضطلاع بمسرح مهم في الوقت الحالي ليكونوا حلقة الوصل بين ما هو قديم وما هو حديث”.
يحيى البحيري، ممثل ومخرج شاب، شارك في تمثيل مسرحية “العيال لما كبرت” مع فرقة “مسرح شو” كما أنه أخرج العمل، وقام بدور سعيد صالح في العمل الأصلي، ويشير البحيري إلى أنه خلال الشهور المُقبلة سيتم العمل على أعمال مسرحية جديدة مثل “ريا وسكينة” و”المتزوجون” و”سك على بناتك” و”إنها حقًا عائلة مُحترمة”.
ويوضح المخرج الشاب أن الموسم الثاني سيركز على تكريم كبار الممثلين الذين لم يشارك الكثير منهم في أعمال مسرحية مثل رياض القصبجي وعبدالفتاح القصري وعمر الجيزاوي وأمين الهنيدي، وبعضهم لم يأخذ ما يستحق من الاهتمام والتقدير كما أن الكثير من أبناء الجيل الجديد لا يعرفهم ومن ثم فإن تقديمهم على المسرح هو اعتراف منهم كفريق بأهميتهم وقيمتهم الفنيّة المُهدرة.