مسرح الطفل في سوريا يجمع المتعة بالخيال

في نظرة تفاعلية مع الحراك التربوي في سوريا، دأبت وزارة الثقافة السورية، عبر المديرية العامة للمسارح والموسيقى ومسرح الطفل والعرائس، على تنظيم مهرجان مسرحي خاص بالطفل خلال عطلة نصف السنة الدراسية، التي تأتي في غمرة فصل الشتاء. وقد حقق المهرجان هذا العام نجاحا جماهيريا كبيرا في ما قدمه من عروض وورشات.
دمشق – كما في كل عام، يشكّل المهرجان المسرحي الخاص بالطفل، الذي تنظمه المديرية العامة للمسارح والموسيقى ومسرح الطفل والعرائس التابعة لوزارة الثقافة السورية، فرصة للجمهور الذي يرى فيه مساحة لإخراج التلاميذ من جو الدراسة المشحون بالتعب والقلق، ويذهب بهم نحو فضاءات شاسعة من المتعة والخيال.
وفي الموسم الحالي، قدّم المهرجان الذي بدأ في الـ26 من شهر ديسمبر الماضي واستمر حتى 4 يناير الحالي، العديد من الفعاليات، كان منها تكريم الفنان المسرحي السوري توفيق العشا الذي رحل حديثا، والذي ساهم بشكل فاعل في مسرح الأطفال، وهو صاحب شخصية “ملسون” الشهيرة في مسلسل “افتح يا سمسم”، كما كرمت الفنانة سلوى الجابري عن عملها في مسرح الأطفال، علاوة على معرض للبوسترات الخاصة بالمسرحيات السابقة التي أنتجتها المديرية عبر تاريخها.
مسرح تربوي
أقيمت فعاليات المهرجان في دورته الأخيرة في العديد من المحافظات السورية على غرار: دمشق وريفها، حلب، حمص، اللاذقية، طرطوس، الحسكة، درعا والسويداء، كما كانت لمدينة دمشق وريفها فعاليات في العديد من المراكز الثقافية المحلية، فقدمت مسرحيات خاصة بها. ولتعريف الأطفال بفن المسرح، وتحديدا في ما يتعلق بخيال الظل والدمى (العرائس) أقيمت ورشتان مسرحيتان، كانت الأولى مخصصة لخيال الظل تحت عنوان “ظل ونور” تحت إشراف ريم الخطيب، والثانية عن فن الدمى وتصنيعها (دمى قفازية وفن الأورغامي) بعنوان “أصنع لعبتي” تحت إشراف الفنانة منور العقاد.
ومن العروض الرسمية للمهرجان، قدمت في دمشق مسرحيتان، الأولى بعنوان “الجرات الثلاث” تأليف زهير البقاعي وإخراج تاج الدين ضيف الله، وعرضت على مسرح القباني، بينما قدمت على مسرح الحمراء مسرحية “موزاييك العرائس” تأليف وإخراج هنادة الصباغ.
وفي “الجرات الثلاث” تناول لموضوع الطمع الذي يعاني منه بعض الناس وكيف يصل بهم إلى أماكن تجعلهم يخسرون الكثير من المحبين ولو من المقربين منهم، وتروي المسرحية حكاية عن تاجر، لديه ثلاث بنات، اثنتان منهن تتكاسلان عن تأدية واجبات البيت، بينما تقوم الثالثة بذلك دون تذمّر، وهي التي تحب والدها دون أطماع مادية كما تفعل شقيقتاها.
يقرر التاجر أن يختبر بناته الثلاث، بعد مشاورة صديق له، فيعتزم الذهاب للتجارة خارج البلد ويترك عند بناته ثلاث جرار مملوءة بالمال، بحيث يخصص لكل منهن واحدة، وعندما يسافر، تبدأ حالة الطمع عند الشقيقتين اللتين تحاولان معرفة نصيب كل منهما، ونتيجة عراك بينهما تكسر الجرة الصفراء التي يظهر أنها كانت فارغة من المال، فتقرر الشقيقتان بمساعدة خطيبيهما أن تصلحانها وتعتبرانها حصة الشقيقة الثالثة.
هذا العام شهد المهرجان حضورا جماهيريا لافتا كما قدم شخصيات مسرحية محببة للأطفال، خاصة من خلال عروض الدمى
وعندما يعود الأب يعرف الحقيقة، وهو الذي استشعر ذلك سابقا، ويعطي للبنات الجرار، ثم يقول لهن إن تجارته خسرت، ويطلب من بناته إعطاءه من جرارهن، فترفض الشقيقتان، بينما تعطي الثالثة كل المال لأبيها، عندئذ يكشف الأب الحقيقة، ويعطي كل ماله للفتاة الأصغر الذي أعطته مالها.
وسرعان ما تقوم الفتاة، بعد أن تستأذن والدها، بإعطاء شقيقتيها مالهما، وتطلب الفتاتان الصفح من الوالد الذي يقوم بذلك فعلا، شرط أن تتعلما مما قامتا به، لينتهي العرض بحالة من الفرح والرقص الذي تجاوب معه جمهور الأطفال في المسرحية.
والمسرحية من أداء سهى أبوبكر، مي مرهج، روجينا رحمون، سهيل عقلة، جمال نصار، محمد سالم، تاج الدين ضيف الله، سليمان قطان، فراس الفقير وبسام ناصر.
الدمى والجماهير
أما العرض الثاني الذي شد انتباه الأطفال وأوليائهم على حد السواء، فهو مسرحية “موزاييك العرائس” للمخرجة هنادة الصباغ، حيث قدم أجواء مختلفة فهنا تحضر الشخصيات المسرحية المحببة للأطفال، حيث الدمى الكبيرة التي يتحرك من خلالها الممثلون ويقدمون شخوصهم.
وحفل العرض بتكوينات في الإضاءة والتشكيل البصري المتنوع، وظهرت فيه شخصيات دمى محببة لدى الأطفال، ولم يتصد العرض لتقديم حالة من السردية المسرحية بالشكل الاعتيادي التقليدي، بل عوّل على مقاطع مطولة من حالة الشو (show) البصري المصاحبة بموسيقى رافقت الحركات المُؤدّات، وشارك في العمل كل من تماضر غانم، رشا الزغبي، رندا الشماس، زينب ديب، أيهم جيجكلي، إيمان عمر، مريانا حداد وجوري أكتع.
وشملت العروض أيضا العديد من العناوين الأخرى على غرار العرض الراقص “هارموني”، ومسرحيات “البحث عن نجمة”، “وسام المشاغب”، “الأميرة والمرآة”، “مغامرات ماشا”، “الترس السحري”، “ثعلوب يتوب”، “حبق”، “ابن الحداد”، “طبوش وفرفوش”، “ليلى والذئب” وغيرها.
وما يلفت النظر في مهرجان هذا العام، حجم الجمهور الكبير الذي واكب كل العروض حيث امتلأت القاعات بالأطفال وذويهم، وتكررت في أكثر من مرة أن تابع الأطفال العروض وهم يجلسون على درجات الخشبة أو في الممرات، وهذه المتابعة الشغوفة حذت بإدارة المهرجان (مديرية المسارح والموسيقى) إلى مواصلة تقديم العروض لما بعد فترة نهايته المقررة مسبقا، في الرابع من يناير الجاري، ليتواصل تفاعل الأطفال مع أب الفنون مع عطل نهاية الأسبوع.