مستخدمو فيسبوك يقطعون الطريق على قطار النهضة

تونس- أثارت وثيقة مسربة تتضمّن مراسلة من الكاتب العام الجهوي لحركة النهضة الإسلامية بقابس (جنوب شرق) إلى الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية من أجل تأجير قطار لنقل أنصار الحركة، في سفرة خاصة، إلى العاصمة للمشاركة في المسيرة المقررة يوم السبت سخرية واسعة على فيسبوك.

وتداول مستخدمو فيسبوك الوثيقة بكثافة تحت شعار “يا غنوشي سوق سوق، حتّى نخلط للصّندوق”. وفيما حول بعضهم الحركة إلى مصدر للسخرية والتندر، خاصة أن طلبها جوبه بالرفض، عبر آخرون عن غضبهم وسخطهم على حركة النهضة التي تستعمل كلّ الأساليب لتكثيف وتدعيم شعبيتها.

من جانبه أكد الكاتب العام الجهوي لحركة النهضة بقابس أن الوثيقة رسمية وصحيحة، خاصة أن الجيش الإلكتروني لحركة النهضة المعروف باسم “الذباب الأزرق” شكك في صحتها.

وأفاد بأنّه “تمّت مراسلة الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية للحصول على جزء من القطار وليس لتأجير قطار كامل”. وأكّد أنّه في صورة تمّ تشويه حركة النهضة والمكتب الجهوي للحركة بقابس بسبب هذا المطلب فإنّه ستتمّ متابعة المسؤولين عن تسريب الوثيقة قضائيا.

 في المقابل أكّد مدير الاتصال والناطق الرسمي للشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية حسان ميعادي أنّ “الطلب الصادر عن المكتب الجهوي لحركة النهضة بقابس قوبل بالرفض لعدم توفر الإمكانيات، والقطارات المتوفرة مخصصة بصفة كليّة للسفرات المنتظمة”.

وسخرت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي قائلةً “احنا ودكتاتوريتنا ما جاتش لبالنا نكريو ترينو (نحن، رغم ما نتصف به من دكتاتورية -في إشارة إلى عهد زين العابدين بن علي- لم تخطر على بالنا فكرة تسوّغ قطار)”، و تساءلت موسي “وعلاش يجيب فيهم من قابس ما عندوش ناس في تونس (لماذا يأتي بهم من قابس؟ أليس له أنصار في تونس العاصمة؟)”. وسخر أكاديمي:

وتهكمت مغردة:

HendBenIbrahim2@

الإسم: حركة النهضة

المهنة: نقل القطيع بين المدن/ قطار الشوكوطوم

وقال مراقبون إن “تأجير قطار لنقل جمهور النهضة من الجنوب هو محاولة استعراض قوة وصنع مشهد فرجوي رمزي للاستهلاك الإعلامي”.  وكتب إعلامي محذرا:

وسلط طلب حركة النهضة تأجير قطار لجلب أنصارها من الجنوب التونسي الضوء على  محاولات النهضة التي لا تنتهي في “إثارة النعرات الجهوية”، خاصة أن النهضة متشككة في ما إذا كان أنصارها في العاصمة يمكن أن يشكلوا عددا كافيا يؤكد “شعبيتها”.

وتآكلت شعبية حركة النهضة بشكل غير مسبوق، فبعد أن حصدت قرابة مليون و500 ألف صوت في انتخابات 2011 لم يصوت للنهضة سوى 400 ألف ناخب في الانتخابات الماضية.

وتعتبر النهضة محافظات الجنوب “مضمونة” على نحو دفع  رئيس الحركة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي إلى القول  مرة إن “الحركة ليست في حاجة إلى تنظيم حملة انتخابية في ولايات (محافظات) الجنوب”، علماً أن الجنوب التونسي يضم سبع محافظات فقط من جملة أربع وعشرين. والمحافظات السبع هي صفاقس وقابس ومدنين وتطاوين وقبلي وتوزر وقفصة، فيها مليونان و600 ألف نسمة من جملة 10 ملايين تونسي، في حين يشغل ممثلوها في البرلمان التونسي 53 مقعداً من أصل 217، أي ما يناهز ربع المقاعد.

ومن الأسباب التي تجعل أغلب ناخبي الجنوب التونسي يناصرون النهضة سبب يعود إلى زمن الخلاف البورقيبي اليوسفي (نسبة إلى صالح بن يوسف المتحدر من الجنوب التونسي)،  كما أن عددا كبيرا من سكان الجنوب يتعاطفون مع الحركة التي سُجن عدد من قيادييها في عهد الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة.

ومن أسباب شعبية النهضة في الجنوب التونسي أيضا الانتماء القبلي لقيادات الحركة، وصراع سكان الجنوب الدائم مع الأنظمة الحاكمة منذ الاستقلال، وإحساسهم بالتهميش فضلاً عن طبيعة المجتمع المحافظ وارتباط الحركة بالمهربين في الحدود الجنوبية وفق مبدأ “احميني وأنتخبك (احْمِني أنتخبْك)”.

وكان الكاتب هذيلي منصر كتب على حسابه في فيسبوك أن “ثمّة سرديّة ترسّخت عبر العقود خصوصا في الجنوب التونسي واستثمر فيها سياسيون وإسلاميون خاصة. تقول السّردية إنّ الجنوب ولوحده تقريبا قاوم الاستعمار وأنّ باقي البلد “صبايحية” (تفيد الكلمة في الثقافة الشعبية التونسية معنى المتعاونين مع المستعمر). كلمة صبايحية تعود كثيرا في فيسبوك ومرات تغيب ولكن الشحنة التي تعبّر عنها الكلمة لا تغيب عندما يكتب من هم من الجنوب أساسا”.

وأضاف الكاتب “لماذا القطار من قابس؟ لأنّ قابس من الجنوب والجنوب مشحون ضدّ الصبايحية. هو كذلك أغلبيًّا على الأقلّ. هذا الجنوب يرى في النهضة التي ركّبت لها علاقة أسطورية بصالح بن يوسف فرصة ثأر من الصبايحية. هكذا الأمور أغلبيّا ولا ألوم ولا أتعجّب لأنني بكلّ بساطة أفهم وأفهم، هنا على الأقلّ، جيّدا”. وتابع:

وتسعى حركة النهضة جاهدة عبر ذبابها الأزرق لاستعادة مناخات تتشابه مع تلك التي شهدتها البلاد عقب 2011 حيث تنامى الإرهاب والتطرف والعنف. وسبق أن تداولت صفحات على فيسبوك في تونس معروفة بانتمائها إلى حركة النهضة الإسلامية بـ”الكثير من المكر” خارطة جديدة للبلاد التونسية، تفصل شمالها عن جنوبها، متسببة في نقاش خطير لا يخلو من إثارة للنعرات الجهوية. ويتداول أنصار النهضة خارطة يبرز فيها شمال يتزين بلون علم تونس ورموزه، وجنوب يتلحف سواد راية داعش تحت مسمى “تونستان”.

ويقول أنصار النهضة على مواقع التواصل الاجتماعي إن التونسيين يسخرون من أهالي الجنوب المحافظين الذين صوتوا “للإسلام وعزته”. ويصف تونسيون على فيسبوك الأمر بـ”المحاولة الأخيرة من النهضة لتقسيم تونس بعدما شهدت صنوفا عدة من محاولات التقسيم بعد 14 يناير 2011، بين الثوريين والمرتدين، بين العلمانيين والإسلاميين، بين الحداثيين والرجعيين”.

ورغم ذلك يقول مستخدمو موقع فيسبوك في تونس إن الجنوب “لم يعد مضمونا”، خاصة بعد طرد مواطنين للغنوشي أغسطس الماضي من بلدة الحامّة، مسقط رأسه، التابعة لمحافظة قابس، في مؤشر على تنامي السخط الشعبي تجاهه.