مسابقة "سياحة الأطعمة".. أطباق من التراث والتاريخ

تنوع المطبخ العربي من المشرق إلى المغرب يجعله الوجهة السياحية الأهم في العالم.
الأحد 2020/03/15
حلويات المغرب ليست كحلويات المشرق

تتنوع السياحة الجديدة بعد أن كانت مقتصرة على العطل الفاخرة في نزل فخمة والاستراحة على الشواطئ النظيفة، أصبح السياح اليوم يبحثون عن مشاركة سكان المناطق التي يزورونها نمط حياتهم اليومي وتذوق أطباقهم بنكهاتها المختلفة والاطلاع على طريقة إعدادها، فسياحة تذوق الطعام هو نوع بدأ ينتشر في بلدان العالم، لأن معدة السياح أقرب طريق لجذبه إلى زيارة مكان ما.

بروكسل - بدعوة من منظمة السياحة العالمية، تشارك دول عربية في مسابقة “سياحة الأطعمة” التي تعقد في بلجيكا خلال الفترة من 1 إلى 3 يونيو المقبل.

ويعدّ المنتدى العالمي سياحة الأطعمة منصة لريادة الأعمال والابتكار في مجال السياحة، بهدف تبادل التجارب الناجحة ودعم الاستثمار في قطاع السياحة.

لقد أصبحت سياحة الأطعمة مؤخرا، نمطا مهما من أنماط السياحة، خاصة أنها تعدّ عاملا رئيسيا في تحديد السائح لوجهته، وذلك بهدف التعرف على الثقافات الشعبية في بلدان مختلفة عبر الاستمتاع بتجربة الأطعمة والمأكولات والمشروبات التي ترتبط ارتباطا وثيقا بتراث وتاريخ كل دولة.

خلال العقود الماضية، كان الطعام من بين المقاصد السياحية حيث يتم اكتشافه أثناء الرحلات والأسفار، قبل أن يظهر نمط سياحة الأطعمة، وفي السنوات الأخيرة تحولت اختيارات ورغبات الكثير من المسافرين بناء على طبيعة المأكولات والمشروبات في المدن السياحية.

تشير منظمة السياحة العالمية في الكتيب الأخير الذي أصدرته عن سياحة الأطعمة أن وجهات المسافرين بدأت تتحدد بناء على نوع الطعام ودرجة ارتباطه بتراث المدن، ما يجعل المدن السياحية القديمة والمناطق الريفية متصدرة الوجهات المعتادة في هذا النوع من السياحة.

البشاشة في الاستقبال
البشاشة في الاستقبال

وصار المطبخ العربي من المشرق إلى المغرب الوجهة السياحية الأهم في العالم لما يمتاز به من تنوع، ففي مصر تتميز مناطق النوبة والصعيد بمأكولات ومشروبات مختلفة عن باقي المدن السياحية، وهي الأطعمة الأقرب إلى التراث المصري القديم.

بينما تتميز الواحات ومدن مرسى مطروح وسيناء بمأكولات بدوية ترتبط بطبيعة موقعها الجغرافي في مصر، إضافة إلى انتشار الأطعمة والمشروبات الشعبية القديمة في مدينتي القاهرة والإسكندرية.

كما تتميز سياحة الأطعمة بالتواصل المباشر مع المجتمعات المحلية، فطبق الفول أو الكشري في القاهرة القديمة يقوم شاهدا ماديا ملموسا على الحضارة المصرية عبر مختلف الحواس.

وأصبح هذا النوع من السياحة عنصر جذب رئيسيا للأنماط السياحية الأخرى، خاصة أنه نمط غير موسمي على عكس السياحة الشاطئية وسياحة المغامرات، ويستهدف أسواقا سياحية على مدار العام من مختلف دول العالم.

ورغم حداثة سياحة الطعام، فإن وسائل التواصل الاجتماعي نجحت في نشر هذا النمط بين مختلف دول العالم، عبر الفيديوهات والصور المختلفة، ليصبح الطعام عنصرا حيويا في التجارب السياحية.

ويعتبر الطعام التراثي في الأردن قيمة مضافة للمنتج السياحي، وباتت صناعة سياحة الطعام والشراب من أهم ركائز المنتج السياحي بالمملكة.

ولفتت وزيرة السياحة مجد شويكة إلى أن وزارتها مهتمة بتعزيز جودة الطعام الأردني الذي يلقى قبولا لدى السيّاح والزوار على حد سواء، بالإضافة إلى تمكين السائح من معايشة تجربة سياحية كاملة ومميزة خلال فترة إقامته بالمملكة.

وتمتاز الأطباق الأردنية باحتوائها على أجود أنواع اللحوم وألذ التوابل وأشهى الحلويات كالكنافة والهريسة والمنسف التي تحمل في طبيعتها جميعا الثقافة الغذائية العربية مما يجعلك تستمتع بتجربة غذائية لا مثيل لها.

ولا يزال المنسف يشكّل السيد المهيمن على قائمة الطعام الشعبي في الأردن وهو طبق الضيافة سواء في المناسبات الاجتماعية أو في المطاعم العامة أو في المنازل، وقد اهتمت به كبرى المطاعم، فهو يرفض التنازل عن عرش أفضل الوجبات رغم انتشار الأكلات السريعة.

تشير منظمة السياحة العالمية إلى أن وجهات المسافرين بدأت تتحدد بناء على نوع الطعام ودرجة ارتباطه بتراث المدن والمناطق الريفية

الكثير من الدول السياحية أصبحت تضع كل السبل اللازمة لتعزيز هذا النوع من السياحة والاهتمام به على نطاق واسع، لأنه يسهم وبشكل كبير في خلق ميزة تنافسية كبيرة تؤهل تلك الدول على أن تكون من أهم المصنفين على لائحة سياحة الطعام العالمية، وما إدراج الطعام الخاص بكل من إسبانيا وإيطاليا واليونان والمغرب في عام 2010 ضمن قائمة اليونسكو للإرث الثقافي غير المادي إلا مثال على ذلك.

ووفقا لمنظمة السفر الغذائية العالمية، فإنّ نسبة كبيرة من الرحّالة أو المسافرين يميلون لاختيار وجهاتهم استنادا إلى المطبخ أو الطعام، وغالبا ما تتضمّن جولاتهم دروسا في الطهي أو تذوق المشروبات أو أنشطة أخرى متعلقة بالطعام مثل زيارة الأرياف والمزارع لاستكشاف عملية الطهي من ألفها إلى يائها، فالرحلة في ربوع المغرب من الشمال إلى الجنوب تجعل السائح يكتشف الكسكسي والطاجين والحريرة.

وفي الأرياف يكتشف السائح خبز الفرن التقليدي وقد يشارك في عجنه وطهيه قبل أن يتذوقه، فهي تجربة تجعله يكتشف نمط عيش المزارعين وسكان الصحراء في المغرب، فوجهة السائح وسفره ليست مكانا ومناظر طبيعية فحسب، بل هي طريقة جديدة لرؤية الأشياء ومعايشتها.

وتمثل المطاعم الشعبية المنتشرة في شوارع بيروت وطرابلس بلبنان بعضا من أبرز المعالم في جولة موجهة لعُشاق الطعام من السياح الذين يتذوقون طعم هذه المدن عن طريق أطباقها التقليدية من الفول والحمص الذين يمثلان أساس وجبة الإفطار لأهلها وحتى العصائر وما تقدمه المقاهي من مشروبات والفطائر والبسكويت والحلويات المحلية الأخرى.

يقول المدون اللبناني أنطوني رحيل، إن الجولات التي ينظمها ليست كغيرها في السوق مشيرا إلى أنها تتيح لعُشاق الطعام اكتشاف لبنان من منظور طهي جديد.

وقالت الممثلة الإعلامية لجمعية الأسواق القديمة في طرابلس باسمة الغش، “نستضيف كل سبت وأحد السياح ليقوموا بجولة في طرابلس ليتعرفوا خلالها على الأماكن الأثرية ويتذوقوا الأكلات الطرابلسية البسيطة مثل الكعكة والمعجوقة وحلاوة الرز وغيرها من الأكلات الموروثة”.

ويحرص السياح في مغامراتهم هذه على الاندماج في نمط حياة المجتمعات التي يزورونها للاستمتاع بكل تفاصيلها.

ومن المتوقع أن تتوسع دائرة سياحة الطعام في الوطن العربي لما يتميز به المطبخ العربي من تنوع من دولة إلى أخرى ومن المدينة إلى الريف، وما على المسؤولين في قطاع السياحة إلا التركيز على الترويج لهذا النوع من السياحة، خاصة وأن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت منصة إعلانية مجانية للترويج للعادات والتقاليد في الملبس والمطبخ ونمط الحياة العربية الذي يرتكز على البساطة وحسن الضيافة.

Thumbnail
16