مسؤولون مغاربة يصنفون الفساد والغش كسلوك خطير يهدد الدولة

الرباط - أجمع مسؤولون وخبراء مغاربة في التنمية في لقاء نظمه الأحد المجلس العلمي الأعلى برئاسة أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، حول مشروع خطة “تسديد التبليغ”، بحضور رئيس الحكومة السابق سعدالدين العثماني ومسؤولين كبار في مؤسسات الدولة، على ضرورة تكامل أدوار الفاعل التنموي والفاعل الديني، مشيرين إلى أن الغش والفساد من أخطر السلوكات التي تنعكس على الدولة والمجتمع.
وأورد الكاتب العام للمجلس سعيد شبار، في افتتاح اللقاء، أن هذه التجربة تعد الأولى لاستماع العلماء للخبراء والمسؤولين، وهم يتحدثون من منطلق السؤال المطروح عليهم حول دورهم في التبليغ، لذلك فإن العلماء بعد الاستماع والنظر في الأفكار سيقترحون الكيفيات التي يمكن أن يستمر بها هذا الحوار غير المسبوق، معتبرا أن التبليغ يكون من الآن فصاعدا في الميدان، وانطلاقا من المساجد، وبتدخل المبلغين في مختلف الفضاءات التربوية والاجتماعية عبر خطب صلاة الجمعة، والوعظ والإرشاد، والتواصل المباشر.
وبحضور أعضاء المجلس العلمي الأعلى، شدد المتحدثون على ضرورة تدخل العلماء لاستئصال السلوكيات السلبية استنادا إلى قيم القرآن الكريم، مؤكدين أن الأخلاق ليست مجرد معيار للنقاء الفردي، بل هي مجموعة من القيم التي تتعلق بالتعاملات اليومية، وأن الغش والفساد لا يقتصران على البعد الأخلاقي فقط، بل لهما أيضا كلفة مالية وتنموية كبيرة تؤثر في المجتمع ككل ومحاربتهما مسؤولية مشتركة.
وفي الوقت الذي شددت فيه رئيسة المجلس الأعلى للحسابات زينب العدوي على أن منظور الإسلام للتنمية يشمل تنمية الفرد في ذاته على المستوى الروحي والفكري والأخلاقي والقيمي، بالإضافة إلى تنمية البيئة المحيطة به، فإن الفساد المالي يعوق مسار التنمية، حيث يحد من الجهود المبذولة في مجالات شتى، ويؤثر سلبا على سمعة الدولة، ويهدر الموارد المالية، ويقلل من الثقة في المؤسسات والأجهزة العمومية.
وفي مداخلته، قال الوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع إن “الغش الذي قد يظهر كسلوك فردي معزول، يمثل في الحقيقة أحد أبرز العوائق التي تقف أمام مسيرة المجتمع نحو التنمية والتقدم، كونه أخطر السلوكات التي تنعكس على الدولة ككل والمجتمع، والذي قد يرتكبه مسؤول ما في جماعة أو إدارة عمومية أو يرتكبه مواطن حين يتحايل أو يتملص من أداء حقوق الجماعة ويتورط في الغش الجبائي، ويقوض مبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين.”
وكشف لقجع أن “الغش لا يقتصر على صغار المتعاملين، بل يشمل أيضا كبار المستثمرين الذين يعملون في مجالات غير مرخصة، مما يضر بالاقتصاد الوطني ويؤثر على النمو.” معتبرا أن “التنمية في مفهومها الشامل ليست مجرد تحسين المؤشرات الاقتصادية أو زيادة الناتج الوطني، بل هي مشروع حضاري إنساني يتطلب إطارا قيميا وأخلاقيا لبناء مجتمع متكامل يعتمد على موارد بشرية ومادية وتشريعية خاصة، كما أن التنمية يجب أن تركز على بناء الإنسان وتعزيز حقوقه وواجباته، وذلك من خلال تفعيل دور المؤسسات الوطنية والمواطنين على حد سواء.”
وشدد على “ضرورة تجنب هذه التصرفات التي تعيق تحقيق العدالة الاجتماعية، وضرورة تحفيز المواطنين على الالتزام بالقوانين”، مؤكدا أن “التدخلات الحكومية لا تقتصر على الإكراه، بل تشمل المراقبة الدقيقة والمواكبة الفعالة من أجل ضمان تنفيذ المشاريع وتنظيم العمل في مختلف القطاعات.”
وبوصفه ممثلا للقطاع القضائي بالمغرب، أوضح الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية محمد عبدالنبوي أن العقيدة الدينية والمبادئ الأخلاقية مهما كانتا قويتين في المجتمع، فإن الغرائز البشرية وظروف الحياة قد تدفع بعض الأفراد إلى مخالفة القيم الدينية والأخلاقية، فقد يلجأ البعض إلى الغش أو النصب أو حتى شهادة الزور، وهي حالات تحتاج إلى تدخل قانوني صارم، مما يعني أن القانون يجب أن يتدخل لضبط هذه الظواهر الشاذة عن طريق تطبيق العقوبات التي يتيحها الشرع والقانون.
واتفق المشاركون على تفعيل المراقبة المستمرة للمؤسسات العامة وتعزيز التوجيه والشفافية في جميع القطاعات، في إطار مبدأ الحقوق والواجبات، من خلال البرامج الاجتماعية التي تنفذها الدولة تحت التوجيهات الملكية، ما يساهم في ضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين، داعين العلماء إلى تعزيز وازع القرآن الكريم كمنظومة أخلاقية للتصدي لظاهرة الفساد والغش، لما لهم من دور حيوي في توجيه المواطنين نحو تطبيق القيم الأخلاقية السامية التي تضمن تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.