مرة أخرى: حكومة الدبيبة تفشل في بسط سيادة الدولة على معبر رأس جدير

فشلت حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها الاثنين في الإيفاء بوعودها بإعادة فتح معبر رأس جدير الحدودي مع تونس أمام الأشخاص والبضائع، وبالتالي في تأكيد سيطرتها على أحد أهم رموز سيادة الدولة.
وكان مقررا إعادة فتح المعبر رسميا يوم الخميس الماضي أمام المسافرين والحركة التجارية، لكن السلطات الليبية في طرابلس أخطرت نظيرتها التونسية بإرجاء الافتتاح إلى الاثنين “لأسباب أمنية ولوجستية”.
والأحد، دعت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة أجهزة الأعلام والصحافيين إلى حضور حفل افتتاح معبر رأس جدير الذي قالت إنه سيتم الاثنين بحضور مسؤولين من الجانبين التونسي والليبي، وذلك بعد توقيع اتفاق أمني بين الطرفين.
وبعد جولة من المفاوضات التونسية الليبية، تقرّرت إعادة فتح المعبر بناء على اتفاق أمني بين الطرفين، تضمن فتح البوابات الأربع المشتركة بمعبر رأس جدير لدخول المواطنين من البلدين، وحل مشكلة تشابه الأسماء لمواطني البلدين، كما التزم الطرفان بفتح 6 مراكز للتسجيل الإلكتروني لسيارات المواطنين الليبيين وعدم فرض أيّ رسوم أو غرامات مالية غير متفق عليها، وضبط المعبر، وعدم وجود أي مظاهر مسلحة.
وبحسب مصادر ليبية مطلعة، فإن سلطات طرابلس وعدت بما لا تستطيع الإيفاء به، وأثبتت مرة أخرى أن حكومة عبدالحميد الدبيبة حاولت ابتزاز الجانب التونسي بطرح جانب من الشروط لإعادة فتح المعبر، في حين أن السلطة الحقيقية ليست بيدها، وإنما بيد الميليشيات المسلحة التي لا تزال تشكل الظاهرة الأساسية للحكم في غرب البلاد.
حكومة الدبيبة حاولت تجاهل مطالب الأمازيغ بمحاولتها الانزياح بأسباب غلق المعبر إلى مشاكل هامشية مع تونس
وهدد المعتصمون في مدينة زوارة الواقعة في أقصى شمال غرب البلاد، بإلغاء الاعتراف بحكومة الدبيبة، متهمين إياها بالعنصرية والحقد العرقي والطائفي ضدهم.
وقال المعتصمون في بيان “نعلن الدخول في اعتصام مفتوح وإغلاق كل مداخل البلدية بما في ذلك معبر رأس جدير الحدودي، والطريق الساحلي أبوكماش”، مشيرين إلى أنه سيتم اتخاذ جملة من القرارات من شأنها إلغاء الاعتراف بقرارات حكومة الدبيبة، بالتنسيق مع المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، والمجالس البلدية الأمازيغية.
وطالب المعتصمون حكومة الدبيبة بالعدول عن قرارتها الظالمة تجاه تهميش ونقل أبنائهم الضباط والعسكريين فقط لأنهم من خلفية عرقية أمازيغية، معتبرين أن قرارات وزير الداخلية بالحكومة منتهية الولاية شملت توجهًا عرقيًا وعنصريًا ضد أمازيغ ليبيا، ينبعُ عن حقد عرقي وطائفي وقبلي.
وأكد المعتصمون أن هناك “تهميشا متعمدا من قبل الحكومة شمل عدم صرف الميزانيات لمرافق مدننا على حساب مشاريع أخرى وهمية”، مشيرين إلى أنهم يواجهون مشكلات في المياه والرواتب والإفراجات، والتمييز العرقي العنصري، وأيضا التحريض المذهبي والعرقي ضد الأمازيغ على منصات الحكومة الميليشياوية، وفق نص البيان، مردفين ”لا رجعة عن مطالبنا تحت أيّ ظرف من الظروف، ولن يكتب علينا التاريخ انكسارا أو تراجعا أو تواطؤا أو جبنا”.
حكومة عبدالحميد الدبيبة حاولت ابتزاز الجانب التونسي بطرح جانب من الشروط لإعادة فتح المعبر
ودعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية الاثنين إلى ضرورة تفعيل الاتفاق بين وزارتي داخلية طرابلس وتونس بشأن فتح المعبر.
وأصدر الدبيبة تعليمات “بضرورة فتح الطريق الساحلي واستكمال إجراءات افتتاح المعبر الحدودي، وفق خطة الحكومة التنظيمية، وتنفيذ الاتفاق الموقع بين وزيري الداخلية الليبي والتونسي”.
ونقلت منصة “حكومتنا” عن الدبيبة تأكيده أن “تنظيم المنفذ الحدودي خطوة ضرورية ليقدم خدماته لكل الليبيين، بعد استكمال أعمال الصيانة والتطوير التي قامت بها الحكومة”.
وبحسب مراقبين، فإن حكومة الدبيبة حاولت تجاهل مطالب الأمازيغ بمحاولتها الانزياح بأسباب غلق المعبر إلى مشاكل هامشية مع الجانب التونسي، في ما أن ميليشيات زوارة أكدت رفضها المطلق لقرارات وزير الداخلية الصادرة منذ نوفمبر الماضي بالاستغناء عن خدماتها وإجلائها عن المعبر الذي كانت تسيطر عليه منذ الإطاحة بنظام القذافي في العام 2011 مع رفعها علم الأمازيغ فوق المعبر تعبيرا عن الهوية الثقافية لمنطقة زوارة وامتداداتها العرقية في الجبل الغربي.
والأحد، نشرت وزارة الداخلية بالصور جانبا من جهود إدارة إنفاذ القانون بالإدارة العامة للعمليات الأمنية في تأمين منفذ رأس جدير الحدودي، تمهيدا لافتتاحه أمام حركة العبور بين ليبيا وتونس، وأكدت للمسافرين أن الوقود ممنوع نقله عند السفر من ليبيا إلى تونس والاكتفاء بخزان وقود المركبة الخاصة للجميع دون استثناء.
المعتصمون في زوارة هددوا بإلغاء الاعتراف بحكومة الدبيبة، متهمين إياها بالعنصرية والحقد العرقي والطائفي ضدهم
وقبل ذلك، حدّد للمواطنين الليبيين المسافرين إلى تونس سقف الأموال المسموح لهم بحملها بمبلغ 1700 دولار، ما يعادل 5 آلاف دينار تونسي.
وقالت السلطات الليبية إن ما يتجاوز 5 آلاف دينار تونسي يخضع للإجراءات وفق قوانين ولوائح تونس، مع أحقية المسافر في سحب أيّ قيمة مالية محوَّلة عبر القنوات المصرفية والمالية المعترف بها لدى المصالح التونسية.
كما أكد مدير إدارة شؤون المرور والتراخيص بوزارة الداخلية التابعة لحكومة الوحدة فيصل برنوس منع عبور أيّ مركبة عبر المنافذ البرية، مخالفة لشروط المتانة والسلامة المرورية حسب تشريعات وقوانين البلدين.
وفي 12 يونيو الجاري وقّعت تونس وحكومة الوحدة الوطنية الليبية اتفاقا أمنيا لإعادة فتح المعبر، وقالت سلطات طرابلس إن وزيري داخلية ليبيا وتونس عماد الطرابلسي وخالد النويري وقّعا “محضر اتفاق أمني بين الجانبين، يضمن فتح البوابات الأربع المشتركة بمعبر رأس جدير، لدخول المواطنين من البلدين، وحل مشكلة تشابه الأسماء لمواطني البلدين”.
وذكر مصدر أمني تونسي، لوكالة الأنباء التونسية، الاثنين، أنّ معبر رأس جدير الحدودي على جاهزية لاستئناف نشاطه الطبيعي وتأمين حركة تنقل المسافرين في الاتجاهين صباح الاثنين بعد أن استؤنفت منذ أكثر من أسبوع حركة عبور الحالات الاستعجالية الصحية والدبلوماسية ليستعيد المعبر نشاطه الكلي.
وفي 20 مارس الماضي، أكد وزير الداخلية الليبي عماد الطرابلسي أن معبر رأس جدير الحدودي مع تونس سيعاد فتحه شريطة أن تتم استعادته بشكل كامل من المجموعات المسلحة المتمركزة فيه، وجدد آنذاك عزم السلطات على استعادة السيطرة على معبر رأس جدير الحدودي مهما كان الثمن ولو باستخدام القوة، وفق تعبيره، مشيرا إلى أن قوات الأمن في انتظار قرار السلطات العليا للتحرك باتجاه المعبر.
معبر رأس جدير الحدودي على جاهزية لاستئناف نشاطه الطبيعي وتأمين حركة تنقل المسافرين في الاتجاهين
وشهد معبر رأس جدير اشتباكات عنيفة بين ما يسمى بـ”قوات إنفاذ القانون” التابعة لوزارة الداخلية الليبية، وما يسمّى بـ”غرفة القوات العسكرية” التابعة لبلدية زوارة التي تبعد حوالي 40 كلم عن الحدود مع تونس، انتهت بطرد العناصر الحكومية بشكل وصفته السلطات المركزية بالمهين.
ويشير المراقبون إلى أن الأزمة ليست جديدة، وإنما تمثل جزءا من قضية شائكة ومعقدة وهي قضية تقاسم غنائم الحرب بعد معركة الإطاحة بنظام القذافي، حيث اعتبر الأمازيغ معبر رأس جدير غنيمة لا يمكن التنازل عنها، وجعلوا السيطرة عليها رمزا لنفوذهم في المنطقة الغربية.
وفي نوفمبر الماضي، أعرب أمازيغ ليبيا عن رفضهم لسياسات حكومة الوحدة الوطنية الأمنية مؤخراً، قائلين إن “صبر الأمازيغ نفد”. وجاء ذلك خلال بيان نشرته بلدية زوارة تحت شعار “بيان أمازيغ ليبيا”، بشأن الأحداث والتحركات العسكرية التي شهدتها المنطقة آنذاك.
وتابع البيان أن الحكومة تستغل بعض من يعتبرون أنفسهم وكلاء الشرعية في البلاد، ومنحهم القوة لفرض أجندتهم بمختلف الذرائع، التي تصب جلها في معاداة الأمازيغ، وفق قولهم. كما حذر المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا من أيّ تحركات عسكرية تجر المنطقة إلى أحداث لا يمكن توقع نتائجها، داعيا إلى حل وسحب غرفة العمليات المشتركة للدفاع عن المنطقة الغربية والجنوب الغربي التي شكلتها حكومة الوحدة الوطنية في أكتوبر الماضي لفرض الأمن في المنطقة، مؤكدا أنهم لم يكونوا شركاء أو ممثلين في الغرفة التي تشكلت بعد تهميش متعمد لمكوّن الأمازيغ عسكرياً وأمنياً وسياسياً.
وأكد المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا في مناسبات أنه “إذا اندلعت الحرب في مدينة زوارة، فإن كل المدن الأمازيغية ستحارب وبكل قوتها”، مشيرا إلى أنه تم الاتفاق على تفعيل مبدأ المصير المشترك.
وقال رئيس المجلس الهادي بالرقيق إنه في حال عدم التنسيق لدخول أيّ قوة إلى منفذ رأس جدير “ستكون الحرب هي النتيجة”، مبرزا أن “المعبر ما زال مغلقا حتى الآن ولا توجد بوادر لفتحه، حتى يتم التفاهم بشكل نهائي مع الجهات المعنية”، وأن ما حدث في رأس جدير “مفتعل، الغاية منه سيطرة ميليشيات الزنتان على منطقة تنتمي إلى مكون الأمازيغ، بغرض السيطرة عليه وتحجيمه”.