مرايا إسلامية تعقد المشهد السياسي في ليبيا

إسلاميو ليبيا اعتمدوا عدة وسائل لإدامة الفوضى في البلاد عبر تأجيج الرأي العام على الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر لكنهم فشلوا في ذلك.
الخميس 2020/07/23
إدامة الفوضى مناخ مناسب للإخوان

تحولت سياسة استنساخ الأجسام الموازية في ليبيا التي ينتهجها تنظيم الإخوان المسلمين ومن يدورون في فلكه إلى ظاهرة مألوفة تطفو إلى السطح كلما طرأ تطور يهدد بتعميق عزلة الإسلاميين السياسية والاجتماعية، كان آخرها الزيارة التي قام بها زعماء وشيوخ القبائل إلى القاهرة.

كشفت تلك الزيارة بوضوح افتقار الإسلاميين وما يسمى بحكومة الوفاق واجهتهم السياسية، للغطاء الاجتماعي الذي ينحاز إلى الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر ويعول عليه لإنهاء فوضى الميليشيات الذراع العسكرية للإسلاميين وحكومة الوفاق.

اعتمد الإسلاميون عدة وسائل للتقليل من أهمية الحدث الذي أحرجهم بشكل أو بآخر حيث شن عدد من النشطاء السياسيين المحسوبين عليهم حملة تقلل من أهمية القبيلة في ليبيا رغم ما يعرف عن البلد من قبلية، وعندما فشلت هذه المحاولات قرروا مواجهة ورقة القبيلة بالقبيلة سواء من خلال إظهار وجود أصوات رافضة داخل كل قبيلة كان شيخها ممثلا في اجتماع القاهرة، أو من خلال التعويل على مجلس حكماء وشيوخ ليبيا الذي تسيطر عليه شخصيات إسلامية وهو مجلس مواز للمجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية.

منذ هزيمتهم في انتخابات 2014 لم يتوقف الإسلاميون عن خلق أجسام موازية بدأت بالتشكيك في شرعية البرلمان الجديد 

وأصدر المجلس الموازي (حكماء ليبيا) بيانا تبرأ فيه ممن التقوا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مشككا في هويتهم وسلامتهم العقلية قائلا “ندعو الله أن يرد عليهم عقولهم”. وأكد أن “قبائل ليبيا، وحتى القبائل التي يدعي هؤلاء أنهم يمثلونها، بريئة مما يدبرون”.

ولم يتوقف الأمر عند الاعتماد على مجلس الحكماء الموازي بل تجاوز ذلك نحو خلق الفتن داخل القبيلة الواحدة حيث أدان بيان زعم أنه صادر عن “المجلس الاجتماعي لقبائل المغاربة”، وهي قبائل معروفة شرق البلاد ويتزعمها الشيخ صالح الأطيوش الذي كان حاضرا في اجتماع القاهرة وألقى كلمة طالب من خلالها مصر بالتدخل لوضع حد لتمادي تركيا، “ذهاب وفد يدعي زورا وبهتانا أنه يمثل قبيلة المغاربة إلى السيسي طلبا للنجدة، في محاولة يائسة لإعاقة تقدم قوات حكومة الوفاق لبسط سلطانها على كامل أراضي الدولة الليبية”.

وبدوره أدان المجلس الأعلى لأعيان وحكماء مدينة الزنتان الليبية “مشايخ” موالين للجيش الليبي دعوا إلى تدخل الجيش المصري في ليبيا، “معلنا رفضه “أن تكون القبائل وشيوخها، بديلا عن الأجسام التشريعية المنتخبة، كمجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة”.

منذ هزيمتهم في الانتخابات التشريعية سنة 2014 لم يتوقف الإسلاميون عن خلق أجسام موازية بدأت أولا برفض الاعتراف بالبرلمان الجديد وشككوا في شرعيته وضغطوا على المحكمة الدستورية لإصدار قرار بحله رغم اعتراف المجتمع الدولي به، وهو ما تسبب في إطالة عمر المؤتمر الوطني وشكلوا حكومة موازية لحكومة البرلمان المنتخب الذي طردوه بقوة السلاح إلى المنطقة الشرقية خلال ما عرف حينئذ بعملية “فجر ليبيا”.

الغطاء الاجتماعي ينحاز إلى الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر ويعول عليه لإنهاء فوضى الميليشيات
الغطاء الاجتماعي ينحاز إلى الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر ويعول عليه لإنهاء فوضى الميليشيات

ورغم إعادة الاعتراف بهم من خلال اتفاق الصخيرات الذي ثبت بقاء العناصر الإسلامية والموالية للإسلاميين في المؤتمر الوطني العام الذي تحول إلى “مجلس الدولة”، إلا أن الإسلاميين لم يكتفوا بذلك حيث عمدوا إلى خلق انشقاقات داخل البرلمان الذي ظلوا لسنوات لا يعترفون به وأسسوا جسما موازيا له بعد استمالة عدد من النواب الذين صاروا يجتمعون في طرابلس وهو ما زاد في تعقيد عملية التفاوض.

يسعى الإسلاميون لإظهار وجود مؤيدين لهم في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش وخاصة في إقليم برقة (المنطقة الشرقية) وإقليم فزان (الجنوب) وعمدوا إلى إنشاء أجسام معارضة تركز على سعي الجيش لإرساء حكم عسكري متجاهلة ما يشكله الطرف الآخر من خطورة على الأمن القومي للبلاد من خلال استمرار دعم الفوضى.

وشكل الإسلاميون ما يسمى بالهيئة البرقاوية التي ما انفكت تؤجج الرأي العام البرقاوي على الجيش وتدعو قبائل المنطقة الشرقية إلى سحب أبنائها من معركة تحرير طرابلس عندما كان الجيش على أبواب العاصمة، في خطوة تهدف إلى التشويش عليه أولا ولإظهار الحرب وكأنها حرب جهوية بين إقليمي برقة وطرابلس وليست حربا على الميليشيات وداعميها الإسلاميين.

قبل أشهر من اندلاع معركة تحرير طرابلس التي انتهت بانسحاب الجيش من كامل المنطقة الغربية إلى سرت والجفرة والموانئ النفطية، حاول الإسلاميون خلق رديف عسكري يكون مواليا لهم وينافس الجيش، لكنهم فشلوا.

وبحث الإسلاميون عن شخصية عسكرية قوية تحظى بثقة مختلف القبائل الليبية، ليلتف حولها العسكريون، الذين اختار أغلبهم الابتعاد عن العمل العسكري منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، الذي فتح الباب لهيمنة الميليشيات، في محاولة لصناعة رديف لحفتر كي يواصلوا اللعب على المتناقضات ويخلقوا مساحة للمناورة في خطوة ظاهرها السعي للمصالحة مع النظام السابق وباطنها السعي لإدامة الفوضى وهي المناخ المناسب لاستمرارهم.

الإسلاميون عمدوا إلى خلق انشقاقات داخل البرلمان الذي ظلوا لسنوات لا يعترفون به وأسسوا جسما موازيا له بعد استمالة عدد من النواب

وتواترت الأنباء حينئذ عن اتفاق بين الإسلاميين وعلي كنة قائد القوات الجوية في عهد القذافي ومسؤول الجيش في جنوب ليبيا إبان حكمه وبقي مواليا للنظام حتى سقوطه، والذي يسيطر على قوة عسكرية مهمة جنوب ليبيا. وتم تعيينه في فبراير 2019 آمرا للمنطقة العسكرية الجنوبية التابعة لـ”حكومة الوفاق” ما عزز تلك الأنباء قبل أن يتوارى عن المشهد بعد اندلاع معركة تحرير طرابلس.

وبالإضافة إلى ذلك حاول الإسلاميون استمالة أنصار النظام السابق بعد أن حرضوا عليهم لسنوات ودعوا إلى إقصائهم من المشهد وذلك بسبب انحياز أغلبهم إلى الجيش وانضمام العسكريين المؤيدين للنظام السابق إلى القتال في صفوفه. وسعى الإسلاميون لسحب ورقة أنصار النظام السابق من حفتر الذي كان أول من دعا إلى إعادة إدماجهم في الدولة وضغط من أجل إصدار البرلمان لقانون العفو العام، من خلال مؤتمر دكار الذي انعقد في مايو 2018 بين قيادات إسلامية من بينها الأمير السابق للجماعة الليبية المقاتلة ورئيس حزب الوطن عبدالحكيم بالحاج وقيادات من النظام السابق.

7