مدرسة فنون تنشر الثقافة في المناطق الشعبية المصرية

بدأت “مدرسة الدرب الأحمر” المصرية نشاطها الفعلي في عام 2011 داخل إحدى البنايات الأثرية بعدد قليل من الدارسين لا يتجاوزون العشرة، وهي تضم اليوم ما يزيد على الـ120 دارسا تتراوح أعمارهم بين الثامنة والثمانية عشر عاما.
أطفال وصبية من الجنسين يدرسون هنا فنون الإيقاع ويتدربون على ألعاب السيرك والتمثيل والرقص الإيقاعي، كل هذه الفنون مجتمعة يتم توظيفها في إطار عروض دورية متغيرة تقدم أمام الجمهور في كل يوم جمعة على “مسرح الجنينة” في حديقة الأزهر القريبة من حي الدرب الأحمر الشعبي.
حكايات واقعية
تمكنت العروض المقدمة مع الوقت من اجتذاب جمهور عريض من مختلف الأعمار، نظرا لاحتوائها على الكثير من عوامل الإبهار والتفاعل عن قرب مع الحضور، فهي تمزج بين التمثيل والرقص وألعاب السيرك والحركة ما أكسبها شعبية بين سكان الحي والمناطق القريبة، غير أن توظيف هذه الطاقات الاستعراضية في سياق مسرحي درامي كان إحدى المحطات الهامة في مسيرة هذا المشروع الطموح الذي تتبناه مؤسسة “المورد الثقافي” بالتعاون مع مؤسسة “أغاخان”.
تمثل هذا التوظيف الدرامي من خلال العرض الذي قدم أخيرا على خشبة مسرح الفلكي في القاهرة تحت عنوان “تاهت ولقيناها”، وهو أول عرض مسرحي لخريجي المدرسة يجمع هذه الطاقات ضمن إطار درامي، وقدم العرض في القاهرة بعد جولة فنية بين تونس والمغرب شملت مدن سوسة وصفاقس والرباط وسلا ومكناس.
العروض المقدمة تمزج بين التمثيل والرقص وألعاب السيرك، ما أكسبها جماهيرية بين سكان الأحياء الشعبية المصرية
ويحكي العرض قصصا مستوحاة من حكايات الأولاد والبنات من خريجي المدرسة، فالطفلة الصغيرة سارة تهرب من قسوة أبويها إلى الشارع متخفية في زي ولد، وتلجأ إلى العمل كصبي مقهى في مكان قريب من ميدان التحرير، بينما يبحث عنها أصدقاؤها وجيرانها في كل مكان ويلصقون صورها على جدران المدينة التي كانت تضج ذلك الوقت بالمواجهات والتظاهرات اليومية المطالبة بالحرية، وخلال الأحداث تشتبك مجموعة الأصدقاء مع تلك المواجهات ويتفتح وعيهم على ما يحدث حولهم إلى أن يعثروا أخيرا على سارة.
يمزج العرض بين الموسيقى والرقص والغناء في سلاسة وانسيابية متدفقة عبر الأحداث على نحو لا يخلو من الإبهار والحركة، ما يعكس قدرات المشاركين.
عرض “تاهت ولقيناها” من إخراج حنان الحاج علي، وهي فنانة لبنانية لها باع في مجال الفنون المسرحية، وشاركت في كتابته المصرية بسمة الحسيني.
واستغرق العمل على العرض ستة أشهر كما يقول أشرف قناوي مدير مؤسسة “الجنينة” المشرفة على المدرسة، وهو أحد العروض الساعية إلى الربط بين المدرسة وخريجيها ودفعهم إلى الاستمرار في هذا المجال الذي درسوه.
نشأت فكرة المدرسة كمشروع مواز ومكمل لمسرح “الجنينة”، وهو مشروع فني معني بالعروض الغنائية والأدائية ومقره في حديقة الأزهر الملاصقة لحي الدرب الأحمر، وهو كغيره من الأحياء القاهرية المحرومة ثقافيا وفنيا، وكان من الطبيعي أن يكون الجزء الأكبر من جمهور المسرح من سكان الحي ذاته.
كانت الفكرة في البداية موجهة إلى البحث عن وسيلة مناسبة لاستثمار طاقات الأولاد والبنات من سكان الحي في النواحي الفنية والثقافية، ومن هنا ظهر مشروع المدرسة.
مهارات تتشكل
بدأ المشروع في أوائل عام 2010، بالإعلان عن افتتاح مدرسة لتعليم فنون السيرك والإيقاع للأطفال، وافتتحت المدرسة فعليا في العام التالي بتعليم فنون السيرك والإيقاع كالطبلة والدف وغيرهما من الآلات الإيقاعية، وهي آلات موجودة في الكثير من البيوت المصرية.
|
توسعت المدرسة في ما بعد وأصبحت تضم قسمين رئيسيين هما قسم الأداء الحركي ويشمل الرقص المعاصر أو التعبيري، والقسم الآخر له علاقة بالتمثيل والموسيقى ويشمل العزف على الآلات النحاسية، بالإضافة إلى مدرسة السيرك، وهي تعد أول مدرسة لتعليم فنون السيرك في مصر.
وكان الهدف كما تقول خولة أبوسعدة مديرة المدرسة، هو تكوين جيل قادر على خلق مجال عمل لنفسه بعيدا عن الأعمال الحرفية داخل الورش، وهي في معظمها حرف خطرة وقاتلة للطفولة. والالتحاق بمدرسة الدرب الأحمر للفنون، كما تقول مديرة المدرسة “يقتصر حاليا على سكان حي الدرب الأحمر فقط، فهو مشروع موجه لهم في الأساس، ففي بداية كل عام تعلن المدرسة عن قبول دفعة جديدة من الدارسين، ويعقد اختبار قبول للمتقدمين تتم خلاله مساعدتهم على اختيار المجال المناسب لقدرات كل منهم”.
محمود حسن هو شاب في حوالي الثامنة عشرة من خريجي مدرسة الدرب الأحمر، يعزف بمهارة على آلة الساكسفون النحاسية، وبعد أن كان مجرد صبي يعمل في إحدى الورش القريبة يسعى اليوم لتكوين فرقته الخاصة من العازفين.
ويقول حسن “حين سمعت عن افتتاح مدرسة الدرب الأحمر لأول مرة قررت أن ألتحق بها كنوع من حب الاستطلاع، وفي أول زيارة شاهدت أحدهم وهو يعزف على آلة الساكسفون، حينها عرفت أني لن أبارح هذا المكان، لقد عشقت تلك الآلة وتعلقت بها من دون أن تكون لي أي خبرة سابقة بالعزف أو الموسيقى، وأنا اليوم أشارك في الكثير من الحفلات وأسعى إلى تكوين فرقتي الخاصة”.
أما ميرنا يوسف التي لا يتجاوز عمرها العشر سنوات فلم يمر على التحاقها بالمدرسة سوى أشهر قليلة، واختارت الالتحاق بمدرسة السيرك لتعلم تلك الحركات التي لم تكن تشاهدها إلاّ من خلال التلفزيون، كما تقول.
وباتت يوسف اليوم تلعب بالكرات وتستطيع أن تمشي بضع خطوات على الحبل من دون مساعدة من أحد، وهي تستمتع بممارسة تلك الحركات في البيت أو أمام أصدقائها، فقد منحتها التجربة مساحة للتميز، وتتمنى المشاركة قريبا في أحد العروض التي تقدمها المدرسة على مسرح “الجنينة”.