مخيمات اللاجئين أخطر البيئات على الضحايا الصامتين

الطريق نحو الالتحاق بالدراسة مليء بالعديد من المصاعب بالنسبة إلى الأطفال اللاجئين، ولكنه ليس المشكلة الوحيدة التي تهدد بضياع جيل كامل.
الثلاثاء 2017/08/15
ملامح الطفل تحكي بدلا من لسانه عن معاناته

لن يتمكن الملايين من الأطفال اللاجئين في العالم العربي من الالتحاق بمدارسهم مع بدء العام الدراسي الجديد، أما من استطاع منهم الحصول على مقعد دراسي، فيواجه سلسلة من المشكلات والأزمات تحول دون حصوله على تعليم حقيقي يساعده على بناء مستقبل أفضل.

ويأتي التعليم في آخر سلم اهتمامات الكثير من الأسر اللاجئة التي تبحث أولا عن الأمان والمأكل والمسكن، وتنظر إلى إرسال الأطفال إلى المدارس ببلدان اللجوء على أنه محفوف بالمخاطر وخاصة بالنسبة إلى الفتيات.

ويبقى توفير التعليم بشكل عام مشكلة كبيرة بالنسبة إلى الأطفال اللاجئين، فمن جانب تعجز المدارس في البلدان العربية التي احتضنت عددا كبيرا من اللاجئين عن استيعاب جميع التلاميذ المهجّرين والنازحين، ومن جانب آخر يمثل اختلاف المناهج عائقا إضافيا يحول دون مواصلة الكثيرين لتعليمهم.

وعلق دانييل أوبست، نائب رئيس شؤون الشراكات الدولية في معهد التعليم الدولي في نيويورك عن ذلك بقوله “جراء الحروب، يصبح التعليم كالطفل اليتيم. إذ دائما يأتي في ذيل قائمة اهتمامات المنظمات الإنسانية”.

وحذرت منظمات دولية من ظهور جيل من الأميين بسبب انقطاع الملايين من الأطفال والشبان عن التعليم جراء الصراعات التي تمر بها بلدانهم وفي ظل غياب التمويل اللازم من المجتمع الدولي للتعليم أثناء الأزمات الإنسانية.

وأشار تقرير لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إلى أن هناك أكثر من 13 مليون طفل في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا محرومون من حق التعليم في مدرسة.

وتناول التقرير الذي حمل عنوان “التعليم في خط النار” تأثير العنف على تلاميذ المدارس في تسع مناطق، من بينها سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان حيث يترعرع جيل بأكمله خارج النظام التعليمي.

شكري العياري: هناك حرب بسيكولوجية مقصودة تشن على الطفل العربي

وحسب التقرير فإن 40 بالمئة من الأطفال في هذه الدول خارج النظام التعليمي، وأن ما مجموعه تسعة آلاف مدرسة تعرضت للتدمير في الدول المذكورة.

وأوضح التقرير أن 2.7 مليون طفل سوري لا يتلقون التعليم من بينهم 700 ألف في الدول المجاورة التي فرّ إليها اللاجئون السوريون، وفي العراق 3 ملايين طفل ومليونان في ليبيا و3.1 مليون في السودان و2.9 مليون في اليمن.

وحذرت اليونيسيف من أن ينتهي الحال بالأطفال المحرومين من التعليم إلى القيام بأعمال غير مشروعة، مشيرة إلى أنهم قد يصبحون عرضة للاستغلال، ومن الممكن أن يتم تجنيدهم ضمن الجماعات المسلحة بسهولة أكبر.

غير أن القصور في مجال الفرص التعليمية ببلدان اللجوء، لا يمثل المشكلة الوحيدة التي يعاني منها الأطفال، فظروف المعيشة داخل المخيمات وعدم توفّر الرعاية الصحية والنفسية الكافية تهدد بضياع جيل كامل من الأطفال. ولا يستبعد الخبراء أن تؤدي الظروف السيئة التي ينشأ فيها الأطفال في المخيمات إلى تنامي العديد من السلوكيات السلبية في صفوفهم.

وقال جليل خزعل الشاعر والباحث العراقي المختص في ثقافة الأطفال لـ”العرب” إن “الطفولة ليست صفة أساسية أو أزلية في حياة الإنسان، ولكنها مرحلة تشكلها المعطيات والتجارب الفردية للطفل وما يكتسبه من محيطه الخارجي، ولا شك أن الطفل الذي ينشأ في ظل ظروف التهجير وداخل مخيمات النازحين واللاجئين، ويعيش ويلات الحروب لن يكون طفلا سويا في العادة”.

وأضاف خزعل “مختلف الظروف السيئة ستؤثر سلبا على سلوك الطفل النفسي، وذكائه الاجتماعي والعاطفي وتحصيله الدراسي -هذا إذا ما استمر في التعليم ولم ينخرط في موجة عمالة الأَطفال والتسول- وستهتز لديه وبعنف مفاهيم ‘المواطنة’ و’العدالة’ و’التعايش السلمي’ ولن يبقى لها أي معنى في قاموسه”.

واعتبر أن “هذه الشريحة من الأطفال بحاجة إلى الإحاطة النفسية وإلى عمل جبار من أجل إعادة تأهيلها وفق الطرق العلمية والتربوية السليمة”.

وأوضح خزعل “لكن ما يؤلمني أن أغلب المنظمات التي تعنى بقضايا الطفولة أصبحت تتاجر بموضوع الأطفال النازحين واللاجئين من أجل الكسب المادي والدعاية الشخصية، فهي توزع مساعدات بائسة لا تسمن ولا تغني من جوع وتبرزها أمام وسائل الإعلام دون أدنى شعور من الخجل، ودون مراعاة لكرامة ومشاعر هؤلاء الأطفال وأسرهم”.

جليل خزعل: ما يؤلمني أن أغلب المنظمات أصبحت تتاجر بموضوع الأطفال اللاجئين

واتهم خزعل الجهات الثقافية والفنية بالتقصير في حق الأطفال اللاجئين، مشيرا إلى أنها “تقدم فعاليات هزيلة تدّعي أن الهدف منها هو دعم الأطفال اللاجئين، وتتبجح بحب الطفولة والتعاطف مع الأطفال النازحين وقضيتهم الإنسانية، في حين أن هدفها الأساسي هو الشهرة والحصول على السحت الحرام”.

ويعتبر أغلب المختصين أن أخطر آثار للحروب والصراعات هي التي تؤثر على نفسية الطفل، وتجعله أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض اضطراب ما بعد الصدمة.

ويصنف هذا المرض بأنه مرض نفسي يتسبب في اهتزاز فهم الشخص لذاته والعالم من حوله وإلى تشكل أحاسيس العجز لديه.

وقال الدكتور شكري العياري، الخبير التونسي في التنمية الذاتية والإحاطة النفسية واستشاري العلاقات الزوجية لـ”العرب”، إن “ما يتحكم في سلوكياتنا ونحن كبار هو نتاج ما اختزن في عقولنا ونحن صغار”.

وأضاف العياري “أكثر من 80 بالمئة من السمات القاعدية للشخصية تبنى من سن 2 إلى 7 سنوات، وهي أخطر مرحلة في عمر الإنسان، لأنها الفترة المحورية التي تبدأ فيها البرمجة الخارجية في نشاطها وانعكاساتها على لاوعي الطفل”.

وأوضح “كل ما يحدث للطفل سواء عن طريق الملاحظة أو التجربة يترسخ في لاوعيه ويدخل ضمن مجال الذاكرة الانفعالية، وبالتالي يؤثر إما إيجابا وإما سلبا على نوعية حياته في مرحلة البلوغ”.

وأكد أن “ما يعيشه الأطفال اللاجئون من معاناة يومية ومن تهجير وعذابات تلقي بظلالها على نفسيتهم الهشة وتؤثر على شخصياتهم وسلوكياتهم في المراحل العمرية اللاحقة”. وختم العياري بقوله “هناك حرب بسيكولوجية مقصودة تشن على هؤلاء الأطفال اليوم لتيتيم الطفل العربي والزج به داخل مشاكل أكبر من عمره، وبالتالي القضاء على طفولته البريئة وقتل العفوية والتلقائية”.

21