مخاوف من عودة القيود على حرية الصحافة في إثيوبيا

اعتقالات وحوادث قتل تُثير مخاوف من عودة القيود السابقة على حرية الصحافة.
الأحد 2021/05/30
إثيوبيا في عهد أبي.. حرية الصحافة تزدهر ثم الخوف يعود مجددا

نيروبي – تُفاقم الاعتقالات التي شنتها الحكومة الإثيوبية برئاسة آبي أحمد مؤخرا بحق بعض الصحافيين التوجس من عودة القيود التي فُرضت في وقت سابق على الصحافة في البلاد.

والتوجس لا يعود فحسب للاعتقالات بل أيضا لعمليات القتل التي استهدفت الصحافيين وهي عوامل تدفع بالصحافيين إلى مغادرة إثيوبيا رغم أن بداية عهدة رئيس الوزراء الحالي آبي التي انطلقت في 2018 اتسمت بازدهار حرية الصحافة بعد أن أطلق آبي سراح العشرات من الصحافيين من السجون ضمن حزمة من الإصلاحات السياسية.

وسارع الصحافي ديسو دولا بالعودة إلى هولندا حيث يعمل هناك نائبا لرئيس تحرير موقع إخباري محلي.

ويقول ديسو (45 عاما) إنه فر من القمع في عام 2004. في البداية استمتع بالحريات الجديدة في عهد آبي الذي نال استحسانا عالميا وحصل على جائزة نوبل للسلام في 2019 التي أبرزت جهوده في “إنهاء الرقابة على وسائل الإعلام”.

وبعد ثلاث سنوات، قال ديسو وأربعة صحافيين إثيوبيين آخرين إن الخوف من الاعتقال يساورهم من جديد. وذكرت منظمات دولية تتابع عمل وسائل الإعلام أن ما لا يقل عن 21 من الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام اعتقلوا منذ أوائل 2020.

وأُلقي القبض على ديسو العام الماضي وهو يعد تقريرا عن اعتقال ناشط سياسي في منطقة أوروميا المضطربة، مسقط رأسه. ولم توجه السلطات أي تهم إليه مع اثنين من زملائه لكنهم احتجزوا لمدة ثلاثة أشهر.

وأكد ديسو “ظننت أنه سيكون عصرا مختلفا ربما تعود فيه الديمقراطية وحرية التعبير، لكن الأمور تتدهور في الواقع، ولهذا فر الكثير من الصحافيين من البلد وبعضهم في السجن الآن”.

وقال موثوكي مومو ممثل لجنة حماية الصحافيين في أفريقيا جنوب الصحراء “مع الأسف عادت إثيوبيا للانضمام إلى قائمة أكثر الدول سجنا للصحافيين في أفريقيا جنوب الصحراء”.

وقالت بيلين سيوم المتحدثة باسم رئيس الوزراء إن ظروف عمل الصحافيين تحسنت.

وأضافت “منذ تولي رئيس الوزراء آبي أحمد منصبه أصبح مناخ الإعلام والصحافة مواتيا تماما”، مشيرة إلى إصدار تراخيص لأربع وأربعين محطة بث جديدة وسن قانون جديد للإعلام هذا العام.

وقالت إنه يجب على الصحافيين الامتثال للقانون كما هو الحال في كل دول العالم، وأردفت “الوضع ليس مثاليا لكن لا يمكن القول إن ديمقراطية وليدة مثل إثيوبيا تتراجع”.

وحينما سُئلت عن حالات فردية مثل ديسو، أحالت الأسئلة إلى الادعاء العام والشرطة الاتحادية وهيئة الإعلام الإثيوبية التي تعتمد الصحافيين.

ولم يرد المتحدث باسم المدعي العام أو الشرطة الاتحادية على طلبات التعليق. وقالت هيئة الإعلام “حرية التعبير وحماية الصحافة قيم مقدسة يكفلها الدستور الإثيوبي”.

وقدم رئيس الهيئة محمد إدريس ترجمة إنجليزية لقانون الإعلام الجديد الذي وافق عليه البرلمان في فبراير ودخل حيز التنفيذ في أبريل.

ديسو دولا: الأمور تتدهور ولهذا فر الكثير من الصحافيين من إثيوبيا

ويكفل القانون استقلال هيئة الإعلام، باعتبارها الجهة المنظمة للعمل الصحافي، وينص بالتفصيل على الأسس التي تستند إليها في سحب تراخيص خدمات البث. وينص أيضا على عدم إجبار الصحافيين على الكشف عن مصادرهم.

لكن جماعات دولية معنية بحرية الصحافة وكذلك لجنة حماية الصحافيين ومنظمة مراسلون بلا حدود، أعلنت عن القبض على ستة صحافيين على الأقل في نوفمبر عندما اندلع قتال بين قوات آبي وزعماء متمردين في تيغراي بشمال البلاد.

وكان من بين هؤلاء ميديهان إيكوباميشيل الصحافي في موقع أديس ستاندرد الإخباري المستقل الذي يصدر باللغة الإنجليزية، وثلاثة صحافيين من وكالة الأنباء الإثيوبية المملوكة للدولة. ولم يرد ثلاثة منهم على طلبات التعليق فيما رفض الرابع التعقيب.

وأفاد موقع أديس ستاندرد أن الشرطة اتهمت ميديهان بمحاولة “تعطيل الدستور من خلال العنف”. وأطلق سراحه بعد أكثر من شهر دون توجيه اتهامات له.

فيما اتُهم الثلاثة الآخرون بالتآمر مع جماعات تقاتل الحكومة ومحاولة تعطيل الدستور. واحتجزتهم السلطات لما بين خمسة وثمانية أسابيع قبل الإفراج عنهم.

وفي ديسمبر احتُجز مصور لوكالة رويترز كوميرا جميشو لمدة 12 يوما دون إبداء الأسباب. وأُطلق سراحه دون توجيه اتهامات.

ولم توجه السلطات أي تهمة لأي من الصحافيين المعتقلين منذ العام الماضي. وأفرجت عنهم جميعا باستثناء واحد بعد أيام أو شهور من السجن.

وفي أوائل مارس ألغت هيئة الإعلام أوراق اعتماد الصحافي الأيرلندي سايمون ماركس الذي أعد تقريرا عن الاغتصاب وانتهاكات حقوق الإنسان من تيغراي لصحيفة نيويورك تايمز.

وأعلنت الصحيفة عن سحب أوراق اعتماد ماركس في مايو وحثت الحكومة على إعادة النظر في ما وصفته “بالنهج الاستبدادي”. وبعد أسبوع طردت الحكومة ماركس الذي كان يعمل مع مطبوعات أخرى قائلة إنه نشر “تقارير غير متوازنة”.

وقال ماركس إنه لم يحصل على مبرر وجيه لسحب أوراق اعتماده أو ترحيله السريع.

وقُتل صحفيان بالرصاص هذا العام. فقد قتل مسلح مجهول الصحافي داويت كيبيدي أرايا الذي كان يعمل في تلفزيون تيغراي الحكومي، في مقلي عاصمة المنطقة في يناير.

وقال مسؤول أمني إن الصحافي سيساي فيدا من شبكة أوروميا للبث المملوكة للدولة قُتل هذا الشهر في إقليم أوروميا.

ولم يرد رئيس حكومة تيغراي الجديد ولا المتحدث باسم حكومة إقليم أوروميا على المكالمات الهاتفية والرسائل النصية التي تطلب الحصول على تعقيب.

وظلت الحكومة لعدة أشهر بعد اندلاع الصراع تقيد الوصول إلى إقليم تيغراي لكنها خففت القيود في مارس.

وتقول الحكومة إن هذه الإجراءات لا تستهدف سوى من يهددون السلام والوحدة، وتتهم بعض الصحافيين بالتواطؤ مع المتمردين دون أن تقدم معلومات محددة.

وقالت هيئة الإعلام “نتوقع تغطية إخبارية مهنية ترقى إلى معايير الأخلاقيات الصحافية”، مشيرة إلى إصدار تصاريح عمل لنحو 129 مراسلا أجنبيا والسماح لنحو 82 صحافيا أجنبيا بالوصول إلى تيغراي.

وكان آبي قد أفرج بعد وصوله إلى السلطة عن العشرات من الصحافيين ورفع الحظر عن أكثر من 250 وسيلة إعلامية، وألغى بعض قوانين الإعلام التي كانت محل انتقادات واسعة حسبما قال المعهد الدولي للصحافة، وهو شبكة عالمية من رؤساء التحرير والصحافيين والمسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام.

ووجدت دراسة أجريت عام 2020 بتكليف من معهد فوجو للإعلام في جامعة لينيوس السويدية و أنترناشيونال ميديا سابورت، وهي مؤسسة دنماركية للدفاع عن وسائل الإعلام لا تستهدف الربح، أن القوانين القديمة لم يتم استبدالها بإطار تنظيمي واضح لممارسة العمل الإعلامي مما أدى إلى فراغ قانوني بشأن قضايا مثل كيفية السماح لشركات الإعلام الجديدة بالعمل.

وأضافت المؤسستان، اللتان ساعدتا في صياغة قانون الإعلام الجديد في إثيوبيا، أن القانون كان خطوة واعدة لأنه استند بالأساس إلى التشريعات “الأكثر تماسكا ورصانة” في أفريقيا مثل تلك المعمول بها في كينيا وجنوب أفريقيا.

إثيوبيا كانت واحدة من أكثر دول العالم قمعا لوسائل الإعلام قبل انتخاب آبي عام 2018 حسبما تقول بعض هيئات الرقابة الإعلامية

غير أنه قبل إقرار تشريع آخر بشأن خطاب الكراهية والمعلومات المضللة في أوائل عام 2020، حذر المقرر الخاص المعني بحرية التعبير في الأمم المتحدة من أن القانون يمكن أن يفاقم التوترات العرقية وربما يؤجج المزيد من العنف.

وقال المقرر إن القانون قد يُستغل لإسكات المعارضة وقد يؤدي إلى اعتقالات تعسفية لأنه يمنح المسؤولين على المستويين الاتحادي والإقليمي سلطة تقديرية واسعة لتحديد الذين تتم مقاضاتهم.

ومع ذلك أيد معظم أعضاء البرلمان التشريع. ويقول أبيبي جوديبو الذي صوت لصالح القانون عند إقراره “أصبحت إثيوبيا ضحية للمعلومات المضللة… البلد يتميز بالتنوع وهذا القانون سيساعد على تحقيق التوازن بين تلك التنوعات”.

وكانت إثيوبيا واحدة من أكثر دول العالم قمعا لوسائل الإعلام قبل انتخاب آبي عام 2018 حسبما تقول بعض هيئات الرقابة الإعلامية.

فقد اعتقلت السلطات في عهد كل من هايلي ماريام ديسالين وملس زيناوي، اللذين سبقا آبي في حكم البلاد، عشرات الآلاف بموجب قوانين مكافحة الإرهاب من بينهم مراسلون ومدونون.

وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها نيويورك إن 60 صحافيا على الأقل فروا إلى الخارج بين 2010 و2018.

ودافع دانييل بيكيلي رئيس لجنة حقوق الإنسان التي عينتها الدولة في إثيوبيا، وهو نفسه سجين سياسي سابق عن الصحافيين، لكنه قال أيضا إن وسائل الإعلام تعكس الانقسامات وفي بعض الأحيان تفاقمها.

وقال “ليس من المستغرب أن يكون للإعلام تحيز أيديولوجي لكن في ظروفنا الصعبة نحتاج إلى وسائل إعلام تتحلى بقدر أكبر من المسؤولية لتقديم حقائق دقيقة وتحليلات منصفة ولتعزيز العدالة الاجتماعية والتعايش السلمي”.

وقال ديسو إنه قُبض عليه في مارس من العام الماضي هو ومراسل آخر وسائقهما بعد تغطية اعتقال ناشط سياسي من الأورومو.

ولم يرد مفوض شرطة أوروميا على طلب للتعليق على قضية ديسو.

وتم احتجاز ديسو وزميله والسائق قرابة ثلاثة أشهر دون توجيه اتهامات على الرغم من صدور أوامر قضائية بالإفراج عنهم، حسبما قال هو ولجنة حماية الصحافيين ومقرها نيويورك. ولم تراجع رويترز تلك الأوامر.

ويتجنب ديسو الآن العمل خارج الأستوديو الخاص به في أديس أبابا خوفا من الاعتقال مرة أخرى، وقال إن بعض الصحافيين الذين يعرفهم يمارسون رقابة ذاتية أو يسعون مرة أخرى لمغادرة البلاد.

ويتجنب ديسو الآن العمل خارج الأستوديو الخاص به في أديس أبابا خوفا من الاعتقال مرة أخرى،
ديسو يتجنب العمل خارج الأستوديو الخاص به في أديس أبابا

 

3