مخاوف من تفاقم التدخلات الخارجية في ليبيا بسبب تطورات الأوضاع الإقليمية

بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تبحث إنشاء آلية أمنية مشتركة لتعزيز تأمين الحدود.
الأحد 2024/12/22
تهديدات أمنية عديدة

يتزايد منسوب القلق من ارتدادات الأوضاع الإقليمية أمنيا وعسكريا على المشهد الليبي، فضلا على تفاقم التدخلات الخارجية في البلد المنقسم منذ سنوات، وسط تنسيق لإمكانية إنشاء آلية أمنية مشتركة لتعزيز تأمين حدود ليبيا.

تشهد ليبيا حراكا واسعا على الصعيدين الأمني والعسكري بتدخل مباشر من الأطراف الخارجية المتداخلة في سياقات التجاذبات الإستراتيجية والتنافس على مواقع النفوذ ضمن الخارطة الجيوسياسية الجديدة التي هي بصدد التشكل.

وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إنها نظمت لقاء شارك فيه ممثلون من سلطات أمن الحدود الليبية ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية من جميع أنحاء ليبيا، إلى جانب خبراء قسم المؤسسات الأمنية التابع للبعثة، حيث تم التباحث على مدار يومين في بنغازي حول متطلبات إنشاء آلية أمنية مشتركة لتعزيز تأمين حدود ليبيا.

وبعد عرض قدمته المنظمة الدولية للهجرة سلط الضوء فيه على دورها في دعم الجهود الليبية في إدارة الهجرة وإدارة الحدود، اتفق المشاركون على آلية للتنسيق مع اقتراح تشكيل فريق تنسيق فني مشترك يمثل الجهات العسكرية والأمنية المعنية بأمن الحدود الليبية، وتحديد مهام وأدوات ذلك الفريق، كما تضمن الاقتراح إنشاء وسيلة اتصال مباشرة بين جميع الجهات.

ويأتي ذلك، في ظل اتساع الجدل الداخلي والخارجي حول التجاذبات بين العواصم الغربية وموسكو بشأن الملف الليبي، حيث أكدت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، الاثنين الماضي، على التزام واشنطن باستخدام الجزاءات لردع أيّ تهديد للسلام والاستقرار في ليبيا، وقالت “يجب أن نكون قلقين جميعا بشأن التقارير الواردة عن نقل المعدات العسكرية بانتهاك حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا بما في ذلك سفن أوصلت عتادا عسكريا.”

وأضافت أن “ما يُقلقنا كذلك هو التصدير غير الشرعي للنفط والمنتجات النفطية التي تصب في مصلحة المنظمات الإجرامية على حساب الشعب الليبي،” مشيرة إلى أن “لجنة العقوبات الدولية أعدت قائمة في الأفراد الضالعين في هذه العمليات.” وبحسب مراقبين، فإن الحضور الروسي في ليبيا بات أمرا واقعا من الصعب إنكاره أو تجاهله وهو يسير إلى المزيد من التكريس في ظل اتساع دائرة الصراع الجيوسياسي في شرق المتوسط ومنطقة الساحل والصحراء.

◙ مراقبون يؤكدون أن الحضور الروسي في ليبيا بات أمرا واقعا من الصعب تجاهله وهو يسير إلى المزيد من التكريس

وقال وزير الدفاع الإيطالي جيدو كروزيتو إن موسكو تنقل الموارد من قاعدتها السورية في طرطوس إلى ليبيا، فيما أشارات تقارير غربية متطابقة إلى أن روسيا تسحب أنظمة دفاع جوي متقدمة وأسلحة متطورة أخرى من قواعدها في سوريا وتنقلها إلى ليبيا، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على وجودها العسكري في الشرق الأوسط بعد انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حسبما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” التي تابعت أن “طائرات شحن روسية نقلت معدات دفاع جوي، بما في ذلك رادارات لأنظمة اعتراض من طراز أس- 300 وأس – 400 من سوريا إلى قواعد في شرق ليبيا.” كما أشارت تقارير إلى أن روسيا سحبت قوات وطائرات عسكرية وأسلحة من سوريا في خفض كبير لوجودها هناك.

وفيما يتدعم الحضور الروسي في شرق ليبيا، أعرب رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها في طرابلس عبدالحميد الدبيبة عن مخاوفه من أن يصبح بلده الواقع في شمال أفريقيا “ساحة صراع بين الدول، في أعقاب تقارير عن نقل أسلحة روسية من سوريا بعد سقوط رئيسها بشار الأسد،” مؤكدا أن “هناك مخاوف ولا يمكن أن نرضى أن تكون ليبيا ساحة دولية تتقاطع فيها مصالح الدول الصغيرة والكبيرة.”

وقال الدبيبة “لا يمكن قبول تدخل إلاّ في إطار الاتفاقات بين الدول، اتفاقات للتدريب أو التعليم أو التسليح، ولكن أن تدخل قوات عنوة على الشعب الليبي فهذا نرفضه بتاتا.” وفي العاصمة الايطالية روما، استضافت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، الخميس اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) التي كانت قد اجتمعت قبل ذلك في ضيافة وزارة الدفاع التركية بأنقرة.

وقال المكتب الإعلامي لمدير مكتب القائد العام للجيش الوطني الليبي وعضو اللجنة العسكرية خيري التميمي، إن اجتماع روما عقد بحضور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وبعثة الاتحاد الأوروبي ومجموعة عمليات “إيريني”، وأضاف أن الاجتماع تناول أعمال اللجنة وأنشطتها والتقدم الملحوظ الذي حققته خلال الفترة الماضية، وآلية التعاون بين اللجنة العسكرية المشتركة والاتحاد الأوروبي.

من جانبه أبرز سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا نيكولا أورلاندو أن الاجتماع استهدف تسليط الضوء على الشراكة الجارية بين الاتحاد الأوروبي وليبيا لتعزيز ليبيا موحدة ومستقرة، تنفيذا لاتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020.

وبحسب أورلاندو فقد تم خلال الاجتماع التركيز على التبادل البناء على ثلاثة مواضيع تمثلت في دعم الاتحاد الأوروبي لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والحفاظ على وقف إطلاق النار، بما في ذلك تعزيز تكامل القوات والعمليات المشتركة وعرض للأنشطة من قبل عملية “إيريني” وخاصة في ما يتعلق بتوافر العملية لدعم بناء القدرات وتدريب المؤسسات البحرية الليبية.

كما شهد الاجتماع مناقشة الإنجازات الحالية والإمكانات المستقبلية للبرنامج الممول من الاتحاد الأوروبي الذي حقق منذ أكتوبر 2021 إعادة فتح الطريق الساحلي وبناء الثقة بين الجهات الأمنية الفاعلة وسهّل الترتيبات الأمنية والعسكرية المشتركة بين شرق ليبيا وغربها.

◙ تحول لجنة "5+5" إلى ضيف متنقل بين العواصم الإقليمية يزيد من ارتباطها بالقوى الخارجية ويجعل منها أداة طيعة لتنفيذ الأجندات الأجنبية

وكانت اللجنة العسكرية المشتركة عقدت اجتماعا بتركيا في نوفمبر الماضي؛ لمناقشة "خطوات إضافية" يمكن اتخاذها من أجل السلام والاستقرار والأمن في ليبيا، وتبادل الأفكار لتطوير الأنشطة المشتركة بين شرق ليبيا وغربها. وقالت وزارة الدفاع التركية آنذاك إنها دعت اللجنة إلى الاجتماع بأنقرة في إطار هدفها نحو "ليبيا موحدة تعمل جميع مؤسساتها معا،" مؤكدة عزمها مواصلة "دعمها وتعاونها مع جميع شرائح ليبيا على أساس تفاهم موحد."

وفي 15 ديسمبر الجاري، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) والأطراف الليبية إلى “مضاعفة جهودها الرامية لإحراز تقدم نحو توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، وتعزيز تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.”

ويرى مراقبون أن تحول اللجنة إلى ضيف متنقل بين العواصم الإقليمية يزيد من ارتباطها بالقوى الخارجية ويجعل منها أداة طيعة لتنفيذ الأجندات الأجنبية. ويتساءل المراقبون عمّا يمكن أن تقوم به اللجنة في مواجهة الحضور العسكري التركي وآلاف المرتزقة المحسوبين عليه في غرب البلاد إذا كانت تعقد اجتماعاتها في ضيافة أنقرة.

وفي تقريره عن الحالة السياسية والاقتصادية والأمنية في ليبيا خلال الفترة من أغسطس إلى ديسمبر الحالي رحّب الأمين العام للأمم المتحدة بـ"الالتزام المستمر للجنة العسكرية المشتركة بدعم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020."

وتضم لجنة "5+5"، خمسة أعضاء من المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا، ومثلهم من القيادة العامة للجيش الوطني وتعقد منذ أكثر من عامين حوارات داخل البلاد وخارجها لتوحيد الجيش تحت رعاية الأمم المتحدة تنفيذا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر 2020.

2