مخاوف في تونس من غلق محطات غسل السيارات بسبب أزمة الجفاف

تونس - أثار قرار السلطات التونسية منع استعمال مياه الشرب في غسل السيارات، بسبب تواتر سنوات الجفاف وتراجع منسوب المياه في السدود، جدلا واسعا في البلاد، وسط شكاوى من أهل القطاع ومخاوف من أن يؤدي الإجراء إلى غلق المحطّات وقطع أرزاق الآلاف من العمال.
واعتبر علي بن يحيى رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بسوسة (وسط) ونائب رئيس الغرفة الوطنية لمحطات بيع النفط والغسيل، أن “قرار وزارة الزراعة والموارد المائية القاضي بمنع استعمال مياه الشرب في غسل السيارات سيؤدي إلى الغلق الكلّي لهذه المحطات وقطع أرزاق الآلاف من العمال”.
وحجّرت الوزارة استعمال المياه الصالحة للشرب الموزعة عبر شبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه سواء للأغراض الزراعية، أو لري المساحات الخضراء، أو لتنظيف الشوارع والأماكن العامة أو لغسل السيارات.
وقالت الوزارة في بلاغ أصدرته الجمعة إن “القرارات المتخذة جاءت نتيجة تواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات بالسدود مما انعكس سلبا على مخزونها المائي الذي بلغ مستوى غير مسبوق”.
ووفقا لقانون المياه يعاقب المخالفون بغرامة مالية وبالسجن لمدّة تتراوح بين ستة أيام وستة أشهر، كما أن هذا القانون يمنح السلطات حق تعليق الربط بالماء الصالح للشرب الذي توفره شركة توزيع المياه الحكومية.
بعض محطات غسل وتشحيم السيارات شرعت في تسريح عمّالها أو منحهم إجازات نتيجة تخوّفها من العقوبات المحتملة
وقال بن يحيي في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، إن “عددا من محطات بيع النفط والغسيل والتشحيم انطلقت في تسريح عمّالها ومنحهم إجازات، وذلك نتيجة تخوّفهم من العقوبات التي قد تطالهم بسبب مواصلة ممارسة نشاط غسل السيارات”. وذكر بن يحيى أن “حوالي 10 آلاف عامل يمارسون نشاط غسل السيارات، وذلك من جملة 30 ألف عامل يشتغلون بمحطات بيع النفط والغسيل والتشحيم”، مشيرا إلى أن “محطات بيع النفط والغسيل والتشحيم ستفقد كذلك بسبب قرار وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري أحد أهم المرابيح التي تجنيها هذه المحطات والمتأتية من غسل السيارات، وذلك في ظلّ ضعف هامش الربح الذي يوفره بيع المحروقات والذي لا تتجاوز نسبته 3 في المئة”.
كما دعا بن يحيى وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري إلى “استثناء محطات غسل السيارات من القرار”، مؤكدا أن “حالة من الاحتقان تسود حاليا أوساط العاملين بالقطاع والممارسين لهذه الأنشطة الذين سيصعّدون في الأيام القادمة من حركاتهم الاحتجاجية”.
ويرى أصحاب محطات غسل السيارات أن القرار قد يدفع البعض إلى تسريح عدد من العمّال في ظلّ تفاقم الصعوبات التي يواجهونها خصوصا بعد فترة جائحة كورونا، وسط مخاوف من تهديد ديمومة نشاطهم والاضطرار إلى الغلق الكلي للمحطات.
وأفاد عماد سعادة صاحب محطة غسل للسيارات أنه يفكّر في تقليص عدد العمال (3 عمال) في ظل ما فرضته الوضعية الجديدة ومحدودية المداخيل مع ارتفاع نفقات الكراء والضرائب وأجور العمّال.
وطالب في تصريح لـ”العرب” السلطات بـ”التفكير في الالتجاء إلى استخدام مياه الآبار كحلول وقتية، أو الاقتصار على قطع المياه ليلا”.
بدوره وصف رفيق العكّاري صاحب محطة غسل للسيارات قرار تحجير وزارة الزراعة استعمال مياه الشرب في غسل السيارات بـ”المفاجئ”، قائلا “هذا القرار يهدد محلاتنا بالإغلاق الكلّي”.
وأضاف لـ”العرب” أن “الدولة اتخذت هذا القرار وهي غير قادرة على تقديم بدائل، في ظل الأزمات التي تعيشها، لكن أغلب عمال هذا القطاع سيحالون على البطالة”. وأكّد العكاري “إذا تفاقمت الأزمة، سأضطر إلى تسريح العمّال وأشرف بنفسي على المهمة”.
وتشهد الموارد المائية في تونس منذ سنوات استنزافا كبيرا بسبب قلة التساقطات والإفراط في استغلال المياه، ولهذا السبب يؤكد المسؤولون أنه أصبح من الضروري اليوم وقف نزيف الموارد المائية عبر إعلان حالة الطوارئ المائية.
في المقابل، يعتبر خبراء أن قرارا منع استعمال ماء الشرب في غسل السيارات لن يهدّد استمرار القطاع، نظرا لكون غالبية أصحاب المحطات يستخدمون مياه الآبار في نشاطهم.
واعتبر المتخصّص في التنمية وتنمية الموارد المائية حسين الرحيلي أن “منع استعمال مياه الشرب في محطات غسل السيارات لن يؤثر سلبا على القطاع، باعتبار أن قرابة 95 في المئة من أصحاب هذه المحطات يستعملون مياه الآبار السطحية لانخفاض كلفتها مقارنة بالمياه الصالحة للشرب”.
وقال لـ”العرب”، “هذه الشكاوى غير مبرّرة، وجميع محطات غسل السيارات تشتغل بشكل عادي، ذلك أنه من غير المعقول وفي ظلّ أزمة الجفاف القائمة، أن نملك مياها صالحة للشرب ونستعملها في غسل السيارات، وهذا يتطلب من الدولة والمواطن وعيا بتحديد الأولويات”.
10
آلاف عامل يمارسون نشاط غسل السيارات، وذلك من جملة 30 ألف عامل يشتغلون بمحطات بيع النفط والغسيل
وتابع الرحيلي “طالبنا منذ سنوات بضرورة ترشيد استعمال الماء وتوعية المواطن بتداعيات غسل السيارات في البيوت التي تتسبب في تبذير المياه في ظلّ تزايد الطلب عليها”.
وسجلت تونس، التي تعاني جفافا شديدا منذ أربع سنوات، انخفاضا في الكميات المخزنة في سدودها إلى حوالي مليار متر مكعب فقط أي ما يعادل 30 في المئة من الطاقة القصوى للتخزين بسبب ندرة الأمطار.
وأظهرت أرقام رسمية أن المياه المخزنة في سد سيدي سالم في شمال البلاد، المزود الرئيسي بمياه الشرب لعدة مناطق، انخفضت إلى 16 في المئة فقط من طاقته القصوى البالغة 580 مليون متر مكعب.
وقالت شركة توزيع المياه الحكومية في بيان إنه سيجري قطع المياه الصالحة للشرب من التاسعة ليلا حتى الرابعة صباحا.
وأكّد مصباح الهلالي المدير العام للشركة في تصريحات صحافية أن “موجة الجفاف في تونس لم يسبق لها مثيل بسبب ندرة الأمطار خلال أربع سنوات متتالية”، ودعا التونسيين إلى “تفهم القرار الذي يأتي بسبب التغيرات المناخية”.
وبدأت السلطات منذ أسبوعين قطع مياه الشرب ليلا في مناطق العاصمة ومدن أخرى، في محاولة لخفض الاستهلاك.