محمد فرج عامر اقتصادي يجمع معادلة المال والرياضة

ارتبط اسم رجل الأعمال المصري في ذهن الجمهور بصفة "المشاغب أو العنيد"، منذ توليه رئاسة نادي "سموحة" الرياضي.
الثلاثاء 2021/10/05
ظاهرة تثير الجدل: هل عزف رجال أعمال مصر عن السياسة؟

هناك رجال أعمال كثيرون في مصر نجحوا في مراكمة ثرواتهم بطرق متباينة وفي عصور مختلفة وطرقوا أبوابا عديدة للحفاظ عليها، لكنهم لم يحققوا شهرة كبيرة تتناسب مع حجم الثروة التي اكتسبوها فطرقوا أبوابا تمكنهم من الوصول إلى هذا الغرض.

منهم من وجد في الفن وسيلة لإشباع هذه الرغبة التي جعلته مادة دسمة لأحاديث متفرقة ومادة إعلامية مغرية، وارتبط بحكايات زواج وطلاق مع فنانات، ومنهم من دخل عالم السياسة وقدم تضحيات وتبرعات أملا في الاقتراب من السلطة أو اقتناعا بفكرة يريد تحقيقها، ومنهم من وجد في الرياضة مجالا خصبا لنسج روابط وعلاقات قد يستفيد منها في حماية مصالحه الاقتصادية المتشعبة.

تعددت روايات هؤلاء وتنوعت فصولها، وبقي بعضهم تحت دائرة الضوء لفترة من الوقت، وانحسرت الأضواء عن آخرين، ويظل المهندس المصري محمد فرج عامر رئيس مجموعة فرجالله الغذائية من القلة التي حافظت على حضورها ماليا ورياضيا، وزاد إليهما حضورا سياسيا قبل سنوات.

وقد وفّر هذا المثلث للرجل انتشارا إعلاميا لافتا، تضاعف كثيرا مع غرامه بعالم السوشيال ميديا وقدرته على إثارة الجدل في صفوف متابعيه، ودخل في مشاحنات رياضية وجد فيها قطاع من الجمهور جرأة غير معتادة في رجال الأعمال، حيث يحلو لعدد كبير منهم تجنب الاقتراب من التراشقات، أو اختيار من يخوضها نيابة عنهم ليكونوا بعيدين عن الاستهداف، ويصعب النيل من سمعتهم أو التشكيك في أموالهم.

ضرب تحت الحزام

[ البرلمان المصري يتعامل معه رجال الأعمال كحاجة ذات دلالات خاصة، غير أن عامر دخل البرلمان ثم خرج ولم يعد
[ البرلمان المصري يتعامل معه رجال الأعمال كحاجة ذات دلالات خاصة، غير أن عامر دخل البرلمان ثم خرج ولم يعد

يفضل عامر خوض معاركه بنفسه ويطرب لتوجيه سهامه إلى ما يعرف بـ”تحت الحزام” في إشارة إلى قوة ضرباته، وبدأ اسمه يرتبط في ذهن الجمهور بصفة “المشاغب أو العنيد”، ومكنته رئاسته لنادي سموحة الرياضي في مدينة الإسكندرية الواقعة على البحر المتوسط من الحصول على مادة غنية للنقاش، خاصة في مجال كرة القدم، وهو الأشهر في عالم الرياضة بمصر، والذي يحفل بأخذ ورد دائمين، وتتزايد فيه المنافسة التي تنتقل من الملاعب سريعا إلى المنصات الإلكترونية.

أسهم النشاط الزائد لرجل الأعمال على مواقع التواصل الاجتماعي وامتلاكه لحسابات رسمية في اتساع نطاق المناوشات، إذ لا يفوت كبيرة أو صغيرة إلا وتوقف عندها، لاسيما عندما يتعلق الأمر بفريق سموحة لكرة القدم الذي نجح في تثبيت مكانته ضمن أندية الصف الأول في هذه اللعبة واقترب كثيرا من المنافسة على البطولات المحلية.

صنع ما يشبه المعجزة للفريق منذ توليه رئاسة نادي سموحة وحقق نتائج لافتة في مواجهة أندية كبرى، وجعله ندا قويا لنادي الاتحاد السكندري العريق، صاحب الشعبية الأولى في المدينة الساحلية، وقام بإصلاحات جعلته من أندية الصفوة.

لذلك يبذل جهدا كبيرا للحفاظ على رئاسته للنادي في الانتخابات المنتظر أن تُجرى في التاسع والعشرين من أكتوبر الجاري، مستندا إلى إنجازاته مع فريق كرة القدم وحفاظه على مستوى ثابت له في الأداء، بفضل الدعم المادي الذي قدمه له، وإجادته في اختيار نوعية من اللاعبين أسهمت في رفع مستوى النادي وأوجدت له شعبية.

ربما هناك الكثير من المتابعين الذين يعرفون فرج عامر باعتباره رئيس نادي سموحة وكفى، بينما هو أحد رجال الأعمال الكبار، ورئيس جمعية مستثمري مدينة برج العرب الصناعية، وتضم مجموعة من شركاته التي تنتج أنواعا عدة من المواد الغذائية واكتسبت علامتها التجارية “فرجللو” شهرة كبيرة، وتُصدر منتجاتها للخارج.

فرجللو وإسرائيل

علامة فرجللو وإسرائيل كادت أن تتسبب بأزمة لعامر عندما نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي منذ حوالي عامين صورة لأحد منتجاته الغذائية تنطوي على إشادة بها، إذ يقبل عليها الإسرائيليون، ما عرّضه لحملة على مواقع التواصل الاجتماعي

كادت هذه العلامة أن تتسبب في أزمة للرجل عندما نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي منذ حوالي عامين صورة لأحد منتجاته الغذائية تنطوي على إشادة بها، إذ يقبل عليها الإسرائيليون، وهو ما عرّض عامر لحملة سلبية على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره يقيم تطبيعا اقتصاديا مع إسرائيل، ومع أن الحكومة المصرية وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل وهناك حركة في التبادل التجاري بين الجانبين، غير أن التطبيع لا يزال من المحرمات لدى شريحة من المصريين.

مع أن الحدة تراجعت كثيرا عما كانت عليه قبل ثورات الربيع العربي، إلا أن ضبط رجل أعمال متلبس بالتطبيع يعني فضيحة ويظل محل جدل في بعض الأوساط، الأمر الذي اضطر معه رجل الأعمال فرج عامر إلى تفسيره بحجة زعم فيها أن منتجاته يصدرها إلى فلسطين فقط، أي أنه لا يقيم تطبيعا اقتصاديا مع إسرائيل.

مرّ الموقف من دون تأثيرات مادية كبيرة وبقيت دروسه السياسية التي استوعبها عامر جيدا، خاصة أنه كان في ذلك الوقت عضوا في مجلس النواب المصري، ورئيسا للجنة الصناعة به، بعد رئاسته اللجنة الرياضية في المجلس ذاته، بمعنى أن السياسة يمكن أن تصبح مصدرا للإزعاج والمشكلات، وبدلا من تمكينه من مصاهرة السلطة ومعرفة مفاتيحها من خلال البرلمان قد تتحول إلى نقمة أو محنة في أي لحظة.

تستهوي عضوية البرلمان في مصر الكثير من رجال الأعمال، ويحفل دوما بعدد كبير منهم وينفقون بسخاء لنيلها، حيث يتعاملون معه كبوابة يدخلون منها إلى عالم السلطة وبريق الشهرة، وهما من الأدوات الرئيسية التي تمكن أصحابها من حماية مصالحهم الاقتصادية، والبعض يبدو مستعدا لدفع ثمن كبير نظير الحصول على عضوية مجلسي النواب أو الشيوخ، لأنهما يوفران حصانة للعضو تحول دون مساءلته في قضايا عديدة، إلا إذا ضبط متلبسا بارتكاب الجريمة، أي جريمة.

دخل عامر المولود في السادس عشر من مارس عام 1951 البرلمان في الدورة السابقة، ولم يكرر التجربة في الدورة الحالية، ولا أحد يعرف بالضبط هل هو عزوف منه وزهد، أم نصيحة من أحد المقربين إليه، أم هي حسابات السياسة الغامضة لدى السلطة التي تقرب هذا وتستبعد ذاك بلا مناسبة أحيانا.

يميل البعض إلى الاعتقاد بأن دخول عامر البرلمان كانت له دوافع قوية في حينه، حيث أراد أن يكون أحد رجالات الاقتصاد القريبين من النظام المصري الجديد تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، ما جعل عملية تفسير عدم ترشحه في الدورة الأخيرة للبرلمان تذهب إلى وصفها بأنها “قرصة أذن” وليست زهدا سياسيا، لأن عامر كان مشاكسا خلال الفترة التي حظي خلالها بعضوية البرلمان، ودخل في خلافات حادة مع شخصيات قد تكون أغضبت بعض المؤسسات النافذة في الدولة.

يشير الأداء المسرحي الذي ظهر عليه في البرلمان إلى أنه مغرم بالمعارك، أو هو من الناس الذين يجدون ذواتهم في الاشتباكات، أو ممن يحبون “الاستعراض” الإعلامي. في كل الحالات ابتعد عن البرلمان ولم يتخل عن ضجيجه، والذي يصاحبه في عالم الرياضة، وصار من أبرز خصوم الاتحاد المصري لكرة القدم الذي تديره لجنة تتكون من ثلاثة أعضاء معينة من قبل الفيفا، تتعرض لانتقادات منه باستمرار، يستخدم فيها كل أسلحته على منصات التواصل، فضلا عن الإعلام التقليدي.

تعد عملية إعادة انتخابه لرئاسة نادي سموحة مسألة مصيرية له، ويعمل جاهدا لأجلها ويوفر لها كل أنواع الدعم ليتمكن من عبور منافسه رجل الأعمال محمد مجاهد الذي يخوض الانتخابات مستغلا ارتفاع صوت معارضي عامر الذين يرون أنه حصل على أكثر مما يستحق، وحول النادي إلى ما يشبه “العزبة الخاصة”.

الشغف بالرياضة

عملية إعادة انتخاب عامر لرئاسة نادي "سموحة" تعدّ مسألة مصيرية له
عملية إعادة انتخاب عامر لرئاسة نادي "سموحة" تعدّ مسألة مصيرية له

بعد ابتعاد فرج عامر عن الحياة البرلمانية وما تنطوي عليه من بريق سياسي وإعلامي لا يتبقى له سوى المجال الرياضي الذي حقق منه انتشارا أضعاف ما حققه خلال عضويته في البرلمان، ما يجعل الانتخابات عملية غاية في الأهمية له، فالتفوق فيها يعني احتفاظه بموقعه على عرش أحد أكبر الأندية بمصر، وخسارته تخرجه من أهم المجالات جذبا في البلاد، وهو الرياضة.

جذبت الرياضة في مصر العديد من رجال الأعمال، فحوالي نصف أندية الدوري المصري الممتاز لكرة القدم الذي يتكون من 18 ناديا يرأسها أو يملكها رجال أعمال، وينفقون على أنديتهم الكثير من الأموال لأن العائد المعنوي منها كبير، والتوظيف الإعلامي لها بلا حدود، وهو ما يفرض على شخص مثل فرج عامر ضرورة القبض على رئاسة نادي سموحة.

لا أحد ينكر أن عامر حقق ثروة هائلة من مصانعه ومنتجاته الغذائية، وبصورة تؤدي إلى وجود منافسين له، وربما خصوم وأعداء، ليس بالضرورة أن يكونوا من العاملين معه في نفس المجال، ووجوده على رأس سموحة والكيان الذي تضخم على يديه قد يصد عنه الكثير من الطعنات المتوقعة أو ينقلها من الاقتصاد إلى الرياضة.

من هنا يأتي فهم الحرص على استمراره في موقعه بالنادي، والذي يعتقد أنه أكثر فائدة من البرلمان، لأن المكاسب المعنوية من الأول عالية، والصداع الذي يمكن أن يأتي منه غير مكلف ماديا، مقارنة بحسابات سياسية معقدة تحملها عضوية البرلمان.

مثلث المال والرياضة والسياسة يحقق لعامر انتشارا إعلاميا لافتا، تضاعف كثيرا مع غرامه بعالم السوشيال ميديا وقدرته على إثارة الجدل في صفوف متابعيه

فتح نادي سموحة عالما رحبا من التمدد والنفوذ وشبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية في ظاهرها رياضية وفي جوهرها لا تخلو من المعاني الاقتصادية، فقد تحولت كرة القدم إلى فاكهة في مصر، وأضحت الفضاء الوحيد الذي يستهوي فئات كثيرة ومن طبقات مختلفة، وتكمن جاذبيتها لدى العاملين والمنشغلين بها والمنخرطين في تفاصيلها في حصد مزايا متنوعة، وهو ما انتبه إليه فرج عامر مبكرا.

ساعدت المنافسات الساخنة في عالم الكرة رجل الأعمال أن يمارس هواية ظلت مكتومة سنوات طويلة، هواية من مفرداتها الصخب الإعلامي في موضعه وفي غير موضعه، فقبل أيام قليلة انسحب من أحد البرامج على الهواء، بعد أن وجه له مقدمه هاني حتحوت، سؤالا محرجا حول الانتخابات التي يستعد لخوضها، وعلى الفور اتهمه عامر بالانحياز إلى منافسه مجاهد وكرر الاتهام أكثر من مرة بطريقة هيستيرية، وأن المذيع شوهد يجلس معه مؤخرا، في إشارة إلى وقوفه في صف منافسه.

تحول الانسحاب من البرنامج إلى فضيحة رياضية عقب قيام مقدم البرنامج برفع قضية ضد عامر، والذي لم تكن هناك مبررات قوية لانسحابه الذي يعتبره الجمهور دليل ضعف في الحجة، فلو كان يملك ما يدعم موقفه لما هرب من المواجهة أو المكاشفة الإعلامية، ما أثر على صورته عند من يعتبرونه جريئا وخصما عنيدا.

13