محمد صلاح يثير انقساما في مصر بسبب الخمر

لاعب ليفربول الإنجليزي ضحية إعلام يدعو إلى المدنية ومجتمع لم يتحرر من سيطرة المتطرفين.
الثلاثاء 2021/12/07
توجيه سهام النقد إلى اللاعب لا يخلو من دلالات سياسية

القاهرة- أحدث نجم فريق ليفربول الإنجليزي واللاعب الدولي المصري محمد صلاح جدلا دينيا واسعا عقب حديثه الفضفاض حول شرب الخمور، وهو ما اعتبره البعض دعوة صريحة إلى تعاطيها، لأنه لم يحرم تعاطيها صراحة.

ووجه الإعلامي عمرو أديب مقدم برنامج “الحكاية” على فضائية “إم.بي.سي مصر” التي استضافت صلاح سؤالا له ضمن الحوار الذي أذاعته منصة “شاهد”، ويبث على القناة يومي الأربعاء والخميس المقبلين، حول موقفه عندما يُعرض عليه شرب الكحوليات في إحدى الفعاليات، فأجاب اللاعب مبتسما “لا أتناولها أو لا أنجذب إليها، والمجتمع الغربي لا يجبر أحدا على شيء”.

وأشعلت هذه الإجابة منصات التواصل الاجتماعي لمجرد أنه لم يذكر صراحة أن الدين الإسلامي يحرم شرب الخمور، وانقسمت الآراء بين مستنكرين لكلامه ومدافعين عن رده الحكيم، حتى دخلت دار الإفتاء المصرية على خط الأزمة بإصدار بيان عن موقف الإسلام من الكحوليات بأنواعها لحسم الجدل.

وقالت دار الإفتاء مساء الأحد في منشورين منفصلين، جاء فيهما:

وعكس الموقف حجم التطرف لدى شريحة ليست قليلة في المجتمع المصري بينها جهات رسمية، والاستمرار في تديين كل شيء، ما يوحي بأن الحكومة أخفقت إلى حد كبير في وضع خطة لمواجهة التشدد الذي خلفته التيارات الإسلامية، وفي مقدمتها أفكار الإخوان وشيوخ الجماعة السلفية.

ولم يخل الهجوم على اللاعب محمد صلاح من توظيف أنصار التيار الإسلامي للموقف بمحاولة تجميل صورة اللاعب المصري المعتزل محمد أبوتريكة، المنضم إلى فريق تحليل المباريات على شبكة قنوات “بي.إن سبورت” القطرية والمحسوب على الإخوان، وكان له رأي سلبي قبل أيام بشأن قضية المثلية الجنسية، واحتجت عليه بعض وسائل الإعلام الغربية.

وانتقد أبوتريكة تخصيص جولتين من الدوري الإنجليزي الممتاز للتضامن مع “المثليين”، لافتا في الأستوديو التحليلي إلى أنه يجب أن تكون هناك تربية وتعليم للشباب الصاعد بشأن الشذوذ الجنسي، وهذا الدوري هو الأقوى فنيا “لكن يضم ظواهر لا تناسب عقيدتنا ولا تناسب ديننا”، داعيا “بي.إن سبورت” إلى نقل مباريات الجولتين بدون أستوديو تحليلي.

سعيد صادق: الجدل الديني الحاصل بسبب صلاح لا مبررات منطقية له، وله مآرب سياسية

وقارنت أصوات متشددة موقف صلاح من شرب الخمور الذي وصفته بـ”المتخاذل” بحديث أبوتريكة الذي اعتبرته “ينتصر للدين الإسلامي دون رعونة”، دون اكتراث لكون الإجابة التي أدلى بها لاعب ليفربول تتناسب مع كل الثقافات والأديان والمعتقدات، ولم تخالف الدين إلا من منظور المتطرفين.

يذكر أن محمد صلاح رفض عام 2018  التصوير مع جائزة أفضل لاعب في مباراة مصر والسعودية بالجولة الأخيرة من دور المجموعات لمسابقة كأس العالم، بسبب تقديم الجائزة برعاية إحدى شركات الخمور.

ويرى مراقبون أن توجيه سهام النقد إلى محمد صلاح لا يخلو من دلالات سياسية كونه سبق وتحدث عن نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي بطريقة إيجابية، والسيسي نفسه عندما طلب منه أحد الشباب من ذوي القدرات الخاصة (المعاقون) أن يساعده على لقاء صلاح لأن ذلك حلم حياته، أجابه قائلا “أجيبه لحد عندك”.

وتزامن حديث السيسي عن صلاح بطريقة توحي بأن علاقته به طيبة مع بث حوار اللاعب على منصة شاهد وتطرقه لمسألة شرب الكحوليات، في حين تنظر الكثير من دوائر الحكم إلى أبوتريكة المناصر للتيار الإسلامي بريبة وتضعه في خانة من يخدم خطاب تنظيمات متطرفة وضد مدنية الدولة.

وأكد سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة أن الجدل الديني الحاصل بسبب صلاح لا مبررات منطقية له، وله مآرب سياسية، فلو قام بتحريم المشروبات الكحولية فلن يخدم الإسلام أو يحول دون تناول البعض للخمور، وأغلب الذين تعرضوا له يعرفون جيدا أنها حرام، وليس منطقيا أن يخرج لاعب محترف ليُفتي فيها، لكن مغزى الحرب ضده أنه لا يتبنى خطاب المتطرفين.

ودافعت بعض الأصوات المعتدلة عن صلاح بقولها إن اللاعب ضحية إعلام مصري ما يزال يركز على الإثارة وافتعال الجدل من لا شيء، لأن السؤال عن الخمر ليس في محله باعتبار أن الحوار موجه إلى مجتمع عربي لديه حساسية مفرطة من كل شيء يمس الدين، ويثور ضد ما لا يتناسب مع أفكاره ومعتقداته.

وقال هؤلاء إن صلاح لو كان أجاب بأن شرب الخمور حرام لتم تصنيفه لاعبا متطرفا، باعتبار أن التحريم المطلق لمنتج أو تصرف بعينه يتعارض مع الانفتاح والتحرر الذي تؤمن به المجتمعات الغربية، ومن ناحية أخرى سيكون خدم أغراض المتطرفين الذين يستهويهم تحريم كل ما يتعارض مع أجندتهم الدينية والسياسية.

ولفت سعيد صادق لـ”العرب” إلى أن الموقف برمته عكس أن الدولة المصرية مدنية في القانون لكنها دينية الفكر لعدم وجود خطة واضحة متكاملة لتكريس سيطرة القانون لا الفتوى.

16