محمد صبرا قانوني يرى أن السوريين أجبروا على الإيمان بوطن هو ثمرة للمؤامرات

الأحد 2014/12/14
محمد صبرا من النزوح عن الجولان إلى أحزمة الفقر إلى حلم الجمهورية

كانت لديهم جنتهم في الجولان، حملوا معهم تلك النفوس لا غير، وحملوا معها مع الزمن الرغبة بالثورة والتمرّد على من شرّدهم واضطهدهم وأهان إنسانيتهم عشرات السنين، فلم تكن سوى الثقافة والعمل السياسي تحت الأرض مجالاً لتلك الطاقات، وكان من بينهم مخضرمون وشباب مروا على الزمن السوري، فكان منهم المبدعون مثل المخرج السينمائي حاتم علي ومنهم الكتّاب والشعراء والحقوقيون مثل أحمد عوض وعمادالدين رشيد وموفق قات ومحمد ملص ووائل سعدالدين والطبيب والشاعر إياد شاهين الذي قتله جنود الأسد بعد اختطافه في العام 2013.

محمد صبرا، أحد هؤلاء الذين ولدوا في الجولان المحتل، في ستينات القرن العشرين، ليترك كما يقول شجرته التي عليه أن ينتظر تحتها “غودو الجولاني”، أسلمه الاحتلال لأهله، ليعيش في مخيمات البؤس حول دمشق، متصارعاً مع ألمه حين يسمع انتماءات السوريين، يقول: “حرموني من اسمي، من انتمائي لبقعة جغرافية بعينها وكأنهم أسقطوا عني الجغرافيا بعد أن أخرجني الاحتلال منها، ابن حلب يقولون عنه (حلبي) وابن دمشق (دمشقي) وابن الدير (ديري) وابن حماة (حموي) جميعهم لهم أسماء ونسبة ينسبون إليها إلا أنا، أصر أهلي على إطلاق تسمية (النازح) عليّ وهي التسمية البغيضة التي أطلقها مجلس الأمن علينا جميعاً نحن أهل الجولان”.


بانتظار المدرعات السورية


انتظر الجولانيون وصول الجيش الممانع لتحرير الأرض أكثر من أربعين عاماً، دون أن يصل أحد، كتب صبرا: “انتظرت المدرعات تقف أمام بيتي في الخشنية، هناك في جولاني الجميل انتظرت المدرعات تقودني بفخر لتقول لي خذ اسمك وشجرتك والبس ظلك المسلوب، انتظرت طويلا، وأخيرا رأيت المدرعة أمامي رأيتها تقف على عتبة باب بيتي المؤقت في حجيرة في السيدة زينب، خرجت إلى الباب، وربما جاءت المدرعة لتأخذني إلى الخشنية، لكن صوتا صرخ بي بغضب لم أفهمه (فوت جوّا يا حيوان).. لم تأت المدرعة من أجلي إذن”.

كانت تلك المدرعات قد جاءت لتقصف الشعب السوري الذي ثار على الظلم والاضطهاد، في الربيع الدامي للعام 2011.


من أحزمة الفقر إلى القانون الدولي


درس محمد صبرا القانون في الجامعة العربية في بيروت، وتابع دراساته العليا في القانون العام، وعمل محامياً في دمشق، حيث أسس تجمعاً تحت عنوان “المحامون الملتزمون”، أثناء ذلك كان قد انتسب إلى الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) المعارض ثم غادره في العام 1994 بسبب اختلاف الرؤية، ومع ثورة الشعب، شارك في مظاهرات السوريين، فلاحقته أجهزة المخابرات الجوية السورية، فخرج من بلاده مرة ثانية، في نزوح جديد، أواخر العام 2012، اعتقلت وقتلت أجهزة الأمن عدداً من أفراد أسرته تحت التعذيب، خرج كما يقول من أجل وضع رؤية سياسية تحاول أن تكون طريقاً للحلول السياسية في سوريا، بالتزامن مع النضال الشعبي المتواصل، فساهم في تأسيس المجالس المحلية السورية، ووضع لها اللوائح الإدارية والمالية ولوائح العمل المؤقتة الناظمة لعملها، وعمل مستشاراً قانونياً لدى رئاسة الحكومة السورية المؤقتة، واستقال في فبراير من هذا العام 2014، ليتم استدعاؤه للمشاركة في وفد المعارضة السورية إلى محادثات جنيف2 في سويسرا، حين تولى الملف القانوني ولا زال مسؤولاً عنه.

يقول صبرا : "نحن الشعب الوحيد في العالم الذي يعتبر دولته ثمرة استعمارية، لأن كل مناهج التعليم، وكل وسائل الإعلام، تقول إن سوريا هذه هي نتاج مؤامرات واتفاقات دولية ، ومطلوب منك كسوري أن تحمل هويتك كثمرة لكل تلك المؤامرات"


الجمهورية الجديدة


وبالتوازي أسس صبرا مع الطبيب المعارض حازم نهار ومجموعة من المثقفين “حزب الجمهورية” السوري، الذي يقول عنه: “الوقت الآن هو وقت ضرورة الأحزاب، من أجل ملء الفراغ الفكري، أمام تلك المنظومة الفكرية التي أجبر الشعب السوري على تبنيها، طيلة خمسين عاماً، تم غسل دماغه فيها حول قضايا محددة، ولما انهارت هذه المنظومة بقي الشعب السوري بحالة فراغ نعتقد أن التيارات ستعوّضه، تجمعات سياسية أو أحزاب فكرية، مثل حزبنا”.

ويضيف صبرا: “حزب الجمهورية لا يكتفي فقط بتقديم فكرة نقية مخترعة، وإنما هو انعكاس لمنظومة الحلول التي نادى بها الشعب السوري الذي حسم خياراته بشكل نهائي و قرر أن يصنع حياته”.

كعضو مشارك في مباحثاتها يصف صبرا الأجواء التي دارت في جنيف، بطريقة مختلفة، لا يتطرق فيها إلى الحديث عن وفد النظام، فما وقف عنده كان الموقف الدولي، يقول: “منذ منتصف العام 2012.


ما حدث قبل جنيف 2


ويضيف صبرا: "كان واضحاً بأن الدول العظمى والولايات المتحدة لا يبحثون عن حل حقيقي لما يحدث في سوريا، منذ ظهور وثيقة جنيف1 بصياغتها تلك والتي كانت تعبيراً عن حالة من محاولات التوافق السياسي بين رؤى دولية مختلفة أكثر منها حاجات سورية مختلفة، روسيا والولايات المتحدة، الولايات المتحدة لم تخدع أحداً، ولم تكذب علينا كسوريين، كانت واضحة منذ البداية بسلّم خياراتها بالنسبة إلى الحالة السورية، للأسف هناك من فهم من الأميركان، ما يريد أن يفهمه، واشنطن حدّدت منذ العام 2012، ما تراه هاماً في سوريا، وكان على الشكل التالي، أولاً السلاح الكيميائي، ثانياً أمن إسرائيل، ثالثاً مكافحة الإرهاب ورابعاً تحقيق الانتقال السياسي.

المتغير الذي حدث في العام 2013 هو أن أميركا بدأت بتفكيرها البراغماتي بتوظيف موقفها في سوريا ومن خلال الحدث السوري، في العمل على إعادة توصيف وتوزيع أحجام النفوذ في دول الإقليم، الايراني والسعودي والتركي.

وفي العام 2013 وفي شهر آذار، أصدر معهد هرتزيليا في إسرائيل، تقريره الذي قال فيه: “(إن بشار الأسد قد استكمل جميع الاستعدادات لاستخدام السلاح الكيميائي) وحضر هذه الدورة ممثل أميركي بشكل معلن، وكانت له مداخلة مهمة، فالعالم كان يعرف أن بشار الأسد كان سيستخدم السلاح الكيميائي، والأسد لم يستخدم الكيميائي على سبيل الخطأ، بل إنه ضرب بالسلاح الكيميائي كي يقوم بتسليمه، وجاء القرار 2118 في أيلول 2013 ليتضمن عقد شراكة ممثلاً في الولايات المتحدة وبين نظام بشار الأسد، يتيح للأسد البقاء حتى منتصف العام 2014، وعلى ضوء هذا كان على واشنطن أن تحاول الظهور كمن يبحث عن حل”.

يرى صبرا أن ما تقوم به روسيا اليوم هو محاولة انخراط في العملية السياسية في المنطقة، وهو برأيه "مهم ويجب ان نقرأه، لأن الروس شعروا في الفترة الاخيرة، أنهم بدأوا يخسرون من خلال اصطفافهم مع نظام الاسد"


دور إسرائيل في سوريا اليوم


يعتقد صبرا أنه من المؤكد أن إسرائيل كانت قد تدخلت وتتدخل في ما يحدث في سوريا اليوم مستثمرة قوتها السياسية ونفوذها في العالم، “كان الرأي الإسرائيلي في الحدث مهمّاً حين رفعت شعار (الشيطان الذي نعرفه أفضل من الشياطين التي نتعرّف إليها)، كانوا يقولون إنهم قد يضطرون إلى التدخل، وفي العام 2012 كان عنوان مؤتمر هرتزيليا لافاتاً (في عين العاصفة) يتحدث عن إسرائيل التي تحيطها مصر وليبيا وسوريا، هناك عالم يتغير ويعاد تشكيله، إسرائيل مرتبكة ولا تعرف ماذا سيأتي بعد”.


لعنة الجغرافيا وشمس موسكو


قيل إن النفط السوري هو موقع سوريا الاستراتيجي، ولم يكن هذا مجافياً للحقيقة، فلطالما انتفعت أو تضررت السياسة في سوريا بسبب الموقع الجغرافي الحساس، يقول صبرا عن هذا: “يجب أن ندرك أهمية موقع سوريا الاستراتيجي، أرنولد تيونبي تحدث عن منطقتين استراتيجيتين هامتين في العالم، منطقتي تصادم حضارات وثقافات وشعوب، وهما ترسمان حدود القوى العظمى باستمرار، منطقة نهري سيحون وجيحون، وسوريا، هذا الموقع الجيوسياسي لسوريا، هو الرصيد الاستراتيجي وهو المأزق الاستراتيجي في الوقت ذاته، ومن المهم أن نقرأه بشكل صحيح، هذا أولاً، ثانياً، ماذا نستطيع فعلاً أن نقدم للعالم حتى نكون شركاء في إعادة سلّم القيم الإنسانية، ماذا علينا أن نفعل كسوريين والإنسان السوري يحمل عبء هذا الموقع الجغرافي؟ وهو يقع في عين منطقة قادرة على إنتاج القيم والمفاهيم، ولكن خلال الفترات الماضية، عمل النظام وعلى مدى العقود الماضية، على إلغاء ما يسمى بمفهوم الدولة الوطنية، فنحن الشعب الوحيد في العالم الذي يعتبر دولته ثمرة استعمارية، لأن كل مناهج التعليم، وكل وسائل الإعلام، تقول إن سوريا هذه نتاج مؤامرات دولية واتفاقات، ومطلوب منك كسوري أن تحمل هويتك كثمرة لكل تلك المؤامرات”.

ذهب رئيس الائتلاف الأسبق معاذ الخطيب إلى موسكو وعاد، وقال إن الشمس قد تشرق من موسكو، ونرى اليوم المبادرة الروسية الغامضة التي يروّج لها عبر جولات مكوكية معاون وزير الخارجية بغدانوف، لكن محمد صبرا يرى أن ما تقوم به روسيا هو محاولة انخراط في العملية السياسية في المنطقة، وهو برأيه “مهم ويجب أن نقرأه، الروس شعروا في الفترة الأخيرة، أنهم بدأوا يخسرون من خلال اصطفافهم مع نظام الأسد، قد تكون محاورتهم مفيدة، إذا كان هذا الدخول ضمن الثوابت التي نحددها نحن والمتمثلة في حماية الكيان السوري، وحماية الشعب السوري من التشظي وصياغة عقد اجتماعي جديد”.


المبادرة المصرية


تردّد أن مصر لديها دور قادم في الملف السوري، وقد تكون ملامح هذا المشروع في قادم الأيام أكثر وضوحاً، يقول صبرا: “قيل كثيراً عن هذا، ولكن لا أرى خطة عمل، المصريون يحاولون العودة أيضاً إلى ساحة التأثير السياسي في المنطقة، هم يحاولون أن يفهموا طبيعة المشهد، لم يتقدموا بأي مشروع حتى الآن”.

تولى محمد صبرا الملف القانوني في وفد المعارضة السورية إلى مباحثات جنيف 2 ولكنه يصف ما حدث بأن الدول الكبرى تركت الوفدين يتحاوران عبر المبعوث الدولي دون أن تمارس أية ضغوط عليهما من أجل التوصل إلى اتفاق


المعارضة السورية


تعيش المعارضة السورية أسوأ مراحل عملها اليوم، بسبب الانقسام الدولي ومواقف الداعمين، والخلل البنيوي الكبير الذي يضرب عمق عملها الجماعي ذهنية وتنظيماً، وكذلك حجم المسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتقها والتي لا يمكن القيام بها في الظروف الراهنة، يقول صبرا: “الأجسام التي يتم إنتاجها يتم إنتاجها وفق عقلية المعارضة، المعارضة تكون في مجتمع مستقر.

في الحالة السورية الشعوب تحتاج إلى قيادة ثورية ولا تحتاج إلى معارضة، الجميع تصرفوا كمعارضة وليس كقادة ثورة، لم يكن لدينا في أي يوم من الأيام قيادة ثورية حقيقية، القيادة الثورية هي القادرة على صناعة الحلم، مارتن لوثر قال كلمة واحدة : “لديّ حلم” واستطاع أن يجعل من حلمه حلماً للبيض والسود، القيادة ليست أن تبيعنا الوهم، المعارضة السورية لم تستطع إنتاج خطاب عقلاني حقيقي قادر على أن يصنع الغد، ولم تتبن سلوكاً قيمياً وأخلاقياً مفارقاً يشكل نقيضاً لسلوك النظام، كان خطابها خطابا استقطابياً كما هو خطاب النظام وهذا ما جعلها تمثّل جزءاً ولا تمثل الكل، مع أن الثورة هي لكل السوريين ولا توجد ثورة يشارك بها كل الشعب، فكان يجب على المعارضة أن تنتج خطاباً وطنياً جامعا يستغرق كل السوريين دون استثناء لا أن يكون خطابها هكذا، كما قسم النظام الشعب الى معارض وموال، قامت المعارضة بتقسيم الشعب إلى شبّيحة وإرهابيين”.


خطة دي مستورا


يقول محمد صبرا إن الخطة التي أعلن عنها المبعوث الدولي دي مستورا، ليست مبادرة جديدة، فقد “طرحت علينا في جنيف، وكانت خطة روسية قدمت للنظام وطرحها النظام بنفسه، تحت عنوان تجميد النزاع في حلب، وتم رفض هذه المبادرة، لأن المعارضة في جنيف تمسكت بأن يكون وقف إطلاق النار شاملاً وفق القرار 2242 الذي يعدّ ملزما.

مبادرة دي مستورا هي نسف لقرارات مجلس الأمن، وتجاوز لها، وتحمل في طياتها بعداً خطيراً جداً، أصدر الائتلاف بياناً أعلن فيه موافقته على مبادرة دي مستورا، والأسوأ من ذلك، والذي يصل إلى حدّ ليس الخطأ وإنما الخطيئة، بأنه ربط مبادرة دي مستورا بالقرارين 2165 و2170، المتعلقين بإدخال المساعدات العابرة للحدود، ومكافحة الإرهاب، وعندما نقبل بهذا، فإن العالم يكون قد حوّل القضية السورية، من قضية انتقال ديمقراطي إلى قضية إنسانية وقضية مكافحة للإرهاب، لم يضرب سوريا زلزال، ولم يصبها إعصار، السوريون خرجوا ضد الاستبداد، ولا يمكن حل القضية السورية بإطالة أمد الاستبداد”.

8