محمد شكري: عشر سنوات على الرحيل ومازال مقيما بيننا

الدار البيضاء – خلّد الوسط الثقافي المغربي، في الدورة العشرين لمعرض الكتاب بالدار البيضاء، ذكرى مرور عقد من الزمن على رحيل أشهر كاتب مغربي، وأكثرهم إثارة للجدل. إنه محمد شكري، صاحب السيرة الذاتية الروائية “الخبز الحافي”، وذلك من خلال ندوة موسومة بـ”محمد شكري: عشر سنوات على الرحيل”.
محمد شكري يسجّل حضوره في معرض الدار البيضاء، بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيله، حيث جلس خياله إلى ثلّة من أرقى وأبهى أصدقائه، وهم محمد برادة وإبراهيم الخطيب، إضافة إلى المترجمة رجاء بومدين، التي تريد بدورها، استعادة محمد شكري في الساحة الأدبية الناطقة بالإسبانية، من خلال إعادة ترجمة أعماله إلى لغة سيرفانتيس، كما ترجمت إليها، من قبل، وإلى نحو 30 لغة، منها الروسية والتركية والعبرية.
كاتب كوني
|
الناقد المغربي إبراهيم الخطيب، حفر في مرحلة ما قبل شكري الكاتب، وما قبل ظهور “الخبز الحافي” وغيرها، ذلك أن الأصل في عالمية شكري هو تعرفه على الكاتب الأميركي الكبير بول بولز، الذي عاش في طنجة، واكتشف شكري، وحرضه على الكتابة، إن صح التعبير، وكان هو من ترجم “الخبز الحافي” إلى الأنكليزية. ويرى الخطيب أن الكتاب الذي ألفه شكري بعنوان “بول بولز وعزلة طنجة” إنما جاء بمثابة شهادة اعتراف، وهو كتاب متميز عن السير الغيرية التي كتبها شكري، ومن ضمنها سيرة “جان جونيه”، و”تينيسي وليامز″. فقد كان شكري -يقول الخطيب- صديقا مقربا من بول بولز، فلم يضطرّ إلى مجاملته، ولم يتورّع في مساءلته ومداهمته بالكثير من الأسئلة حول الأدب ممارسة وتأملا وتفكيرا.
المترجمة المغربية رجاء بومدين عادت إلى ما سجله محمد برادة بخصوص سطوة “الخبز الحافي” حول تجربة الكتابة عند شكري، حين أكدت أن شكري إنما كان ضحية شهرة الخبز الحافي في الآفاق ورواجها في الأسواق، ووعدت ضيوف المعرض، في النهاية، بأنها قريبة من إصدار ترجمة أعمال محمد شكري، من جديد، إلى الإسبانية، بعد صدور الكثير من الطبعات، لمختلف أعماله، في عدد من النسخ، وفي غياب الورثة، أمام صمت ناشر شكري المعروف روبيرتو دي هولندا.
بقايا شكري
كانت “العرب” قد وقفت على تراث الراحل محمد شكري، بعدما نقل شقيقه عبدالعزيز التمسماني كل ممتلكات أخيه محمد شكري، التي كانت في إقامة شكري بمدينة طنجة، إلى محل في مدينة مرتيل، المطلة على البحر الأبيض المتوسط (66 كلم شرق مدينة طنجة) في منطقة الشمال المغربي.
أولى الوثائق التي عثرنا عليها، ضمن ممتلكات وتراث محمد شكري هي جواز سفره، وعليه اسمه الحقيقي “محمد التمسماني”، من مواليد 1935، في قبيلة بني شيكر.
عندما انتقل الطفل محمد، رفقة الأب والأم، من منطقة الريف، خلال سنوات المجاعة، صوب مدينة تطوان، كما يحكي ذلك في سيرته “الخبز الحافي”، خلال أربعينات القرن الماضي، ظل يناديه أبناء تطوان، كما كانوا ينادون أباه “السي الشكري”، نسبة إلى قبيلة “بني شيكر”، يقول أصدقاء شكري، ممن التقت بهم “العرب” في مدينة تطوان. كما أن سنوات المجاعة العجاف هي المرجع الحقيقي والعميق السحيق لـ”الخبز الحافي”، الذي كان أعز ما يطلب في تلك المرحلة.
|
تراث مغربي
ضمن رسائل شكري، وقفت “العرب” على رسالة تعود إلى شهر يناير من سنة 1981، قادمة من فرنسا، بخط وتوقيع الروائي المغربي الطاهر بن جلون، يقترح فيها على شكري تغيير عنوان النسخة العربية لروايته السيرية “الخبز الحافي”، بعدما اقترح شكري على الطاهر بن جلون ترجمة العنوان الفرنسي Le pain nu بعبارة “من أجل الخبز وحده”، فكان الطاهر بن جلون هو صاحب عنوان “الخبز الحافي”، كما يؤكد بن جلون ذلك، في لقاء مع “العرب” دائما.
واليوم، بعدما تمّ الإعلان عن تأسيس مؤسسة محمد شكري، في صيف السنة الماضية بمدينة طنجة، دون أن تظهر إلى الوجود، حيث لا تزال تضمّ أعضاء دون أن تضمّ تراث شكري، وحلمه في وجود مؤسسة تحمل اسمه وتحوي إرثه وفنه وعلمه، وبعد احتفاء المغاربة بمرور عشر سنوات على رحيل صاحب “الخبز الحافي”، ورائد الرواية الشطارية في العالم العربي، والكاتب الأكثر جرأة وإثارة للجدل والمداد والبلاد والعباد…، رغم ذلك، فإن كل تراث شكري المشار إليه، إلى جانب لوحة نادرة للتشكيلي المغربي الراحل محمد الدريسي، ولوحة زيتية لقائد ثورة الريف محمد بن عبدالكريم الخطابي، كل ذلك لا يزال بحوزة ورثة شكري، حيث لم يقنعهم أيّ مسؤول عن أدب وثقافة المغرب المعاصر بأن يصبح الإرث الماديّ لمحمد شكري تراثا مشتركا لجميع المغاربة.