محرومون من صنع ألعابهم بأياديهم

في طفولتي كنتُ لا أتردّد في صنع لعبي بيدي، وكان ذلك فعلا مزدوج الفائدة. تحقيق الاستمتاع أثناء “الصناعة” مع ما يكتنفها من أضرار جانبية تتعلق بتحطيم أشياء كثيرة، والفائدة الثانية في الاستمتاع باللعبة المبتكرة نفسها. لم يكن غريبا وقتها أن يصنع ذلك الطفل عربة من علبة سردين، أو بوقا من علبة طماطم.. قد يتطلب ذلك إفساد آلة أو أداة منزلية أو إناء، وقد يؤدي إلى جرح في الإصبع أو كدمة على الجبين.
الخيال وقتها كان فقيرا كأحوالنا، كانت صور الأشياء الماثلة قليلة في أذهاننا، لا نركز كثيرا مع التلفزيونات التي كانت فقيرة بدورها، من الألوان ومن الصور ومن البرامج. كنا نصنع أدواتنا ولعبنا بأيادينا ونستعملها لعبا وأدوات تفاخر (إن نجح الأمر). لنعود في اليوم الموالي لصنع أدوات أخرى تختلف أو تتطور حسب العمر وحسب التجارب، وحسب المواقف السابقة المتخذة من الأهل.
في طفولتي “كان عندي لكل عصفور حصاه”، وكانت حصص الصيد مشتقة بدورها من شقاوة الأطفال. لم نكن نصطاد للأكل مثل الإنسان القديم، بل كنّا نفعل ذلك للتباهي أو للهروب من البيت أو لاختبار قدراتنا في الطبيعة. كان صيد العصافير لعبة تتجمع فيها القدرة بالمكر والدهاء والخيال مع تنمية القدرات.
عندما أقارن اليوم، لعبي القديمة المبتكرة، بلعب أولادي، وهي لعب جميلة وجاهزة للاستعمال وطريفة، ينتابني شعور مزدوج: الغبن لكوني لم أواكب هذه “الأدوات” اللطيفة التي كان بإمكانها أن تجنبني جرحا في جبيني ما زالت آثاره قابعة إلى اليوم. وانبهار بما توفره اللعبة من مفاجآت، لذلك أنساق في اللعب مع ابنيّ ولا يوقظني إلا صراخ أحدهما بأنه يريد حقه في لعبته.
علبة الطماطم التي كنت أثقبها لأمرر فيها خيطا لتتحول إلى بوق أو مضخم صوت، أو أربطها بعصا لتستحيل أداة تمكنني من المشي مرتفعا عن الأرض، علّي أتدارك قصري، هي لعب لا تصلح لمعايير اليوم ولخيال ابنيّ ولن تشد اهتمامهما.
وأذكر أنني حطمت راديو قديما لمجرد أنني فكرت في استعمال بوقه في أغراض غير محددة مسبقا. حطمت الراديو واستخرجت البوق ووظفته في استعمالات كثيرة، إلى أن استخرجت المغناطيس الذي بداخله، لأستمتع بسحب الأشياء الحديدية وكنت مذهولا بالاكتشاف بقدر صدمتي من العقوبة المترتبة عن تحطيمي الراديو الوحيد في البيت، والذي امتنع عن إصدار صوت عندما شغله شقيقي لسماع إذاعة “صوت الوطن العربي الكبير- صوت اللجان الثورية” التي كانت تبث من ليبيا.
أطفال اليوم لا يصنعون لعبهم، تصلهم جاهزة تصدر أضواء وألوانا وحركات. هذا فضلا عن الألواح الإلكترونية التي يستعيضون بها عن كل شيء، حتى عن والديهم. أطفال اليوم يحتاجون دروسا في تحطيم الأشياء وتشكيل أخرى، ويحتاجون زيادة في معدل الكدمات والجروح الصغيرة المستوجبة عن تواطؤ الخيال مع الصناعة، علّهم يتفادون أعراض اللعب الحديثة، على جمالها وسهولة استعمالها.