محرزية الطويل تستعيد السجل الغنائي التونسي في سوريا

الفنانة التونسية الشابة محرزية الطويل ليست غريبة عن الجمهور السوري، حيث اعتلت سابقا خشبة دار الأوبرا بدمشق وقدمت فيها قبل سنوات حفلات حققت فيها حضورا مميزا، وهي تتحضر خلال يوليو الجاري لتقديم حفل تغني فيه كوكبة من أغاني أم كلثوم، وهو الحفل الذي تعمل عليه بكل دقة وهدوء، لكنها قبل هذا اعتلت مؤخرا الخشبة ذاتها لتقدم عرضا استثنائيا غنّت فيه من سجل الأغنية التونسية بمصاحبة عزفية لآلات شرقية وأخرى غربية.
دمشق- في إطلالة متميزة جديدة، يتوهج الفن التونسي في سماء دمشق، فالجمهور السوري يتذكر زيارات قديمة ومتكررة لفنانين تونسيين منذ أواسط ستينات القرن الماضي، لإحياء حفلات على مسارح دمشق، وأحيانا في حفلات تلفزيونية خاصة، وباتت العديد من الأسماء والأغاني التونسية معروفة ومحببة لدى السوريين مثل: علية التونسية، أحمد حمزة، الهادي الجويني، لطفي بوشناق، لطيفة، صابر الرباعي، ذكرى، صوفية صادق وآخرين، طبعت أغانيهم عميقا في الذائقة السورية. وكثيرا ما ردد السوريون أغاني تونسية مثل “جاري يا حمودة” و“لاموني إلّي غارو مني” و“العين إلي ما تشوفكشي”.
ورغم أن الحضور الفني التونسي لم يكن كثيرا في سوريا، لكنه كان نوعيا، والفن الذي قدمته المغنية التونسية الشابة محرزية الطويل حديثا، نالت به أعلى درجات القبول لدى الجمهور السوري الذي قدّر حقيقة الفن الراقي، وذكّره بما قدمته تلك القامات الفنية الكبيرة الراحلة والمخضرمة على السواء. فمن خلال تعاون فني مثمر بين الفنانة الطويل وشريكين متميزين في العزف على آلتي العود والقيثارة، حققت نجاحا فنيا لافتا في أكبر صرح فني في سوريا، أوبرا دمشق.
وفي نظرة أولى لمشهدية المنصة التي ضمت عازفين على آلات شرقية وأخرى غربية، يتضح أن الحفل يقدم شرطية غريبة وجريئة معا، وهي حالة غير تقليدية أن يتشارك العود مع القيثارة في حفل فني واحد، وهما الآلتان الأساسيتان فيه بمشاركة من الكونترباص والإيقاع، الذي تشكل من آلات شرقية وغربية بدوره.
ولكن دقائق العرض التي قاربت الساعة من الزمن، حملت للجمهور الكثير من الجمال والبراعة التي أكدت مشوار هذه الفرقة التي حققت سابقا في العديد من المهرجانات العربية والدولية نجاحات مهمة.
والتجربة يقدمها عازفان هما محمد سبسبي على آلة العود وطارق صالحية على آلة القيثارة، ولاقت صدى طيبا من خلال العديد من الحفلات التي قدمتها، مما جعلها تترسّخ في ذاكرة الجمهور الموسيقي السوري كإحدى التجارب الموسيقية الهامة. وقد تشارك معهما، إضافة إلى محرزية الطويل المغني السوري القادم من مدينة حماة شادي عبدالكريم وكل من العازفين باسم الجابر على الكونترباص وعفيف دهبر على الإيقاع.
وفي متتاليات رشيقة على آلة القيثارة بدأ الحفل من خلال مقطوعة “سلمى”، ثم تدخّل العود ليقدما موسيقى رشيقة راقية لاقت استحسان الجمهور منذ اللحظات الأولى للحفل، ثم قدم محمد سبسبي مقطوعة ثانية بعنوان “وداع”، والتي وثقت العلاقة بين العازفين على المنصة وجمهور الحاضرين. ثم تلت هذه المقطوعة عزف لأغنية الرحابنة الشهيرة “حبو بعضن” المليئة بالإحساس والعمق، ليتبادل عازفا العود والقيثارة الجمل اللحنية برشاقة كبيرة حينا وهدوء جليل حينا آخر آخذين الجمهور إلى مناطق إبداعية عميقة.
كذلك قدمت الفرقة مقطوعة للموسيقار السوري الراحل محمد عبدالكريم، أمير البزق، صاحب الأغنية الشهيرة “رقة حسنك وسمارك” التي غنتها سابقا المطربة اللبنانية نجاح سلام وذلك من خلال مقطوعة حملت اسم “تانغو نهوند”، التي أحالت جمهور الصالة إلى جو آخر بعيد عن الجو الهادئ نسبيا الذي أسست له الفرقة بالمقطوعات التي عزفتها أولا.
وفي منتصف الحفل، تدخلت المغنية محرزية الطويل، التي صارت ضمن مشروع ثنائي العود والقيثارة طرفا أساسيا ثالثا، فقدمت في ظهورها أغنية “سمرا يا سمرا” للملحن والمطرب التونسي الراحل الهادي الجويني، ثم الأغنية الشهيرة لذات الملحن والمطرب “لاموني إلّي غارو مني” التي يعرفها الجمهور السوري كإحدى الأغنيات الكلاسيكية التي قدمها الفن التونسي عامة، وكان تفاعل الجمهور معها كبيرا، وعقب انتهاء الأغنية صفّق الحضور طويلا متفاعلا مع الأداء الراقي والمتميز الذي قدمته الفنانة التونسية الشابة.
وفي إثبات للمقدرات الفنية الكبيرة لمحرزية الطويل، قدمت ما هو أصعب من خلال ارتجالات غنائية لقصائد من الشعر العربي القديم، بمشاركة الفنان السوري شادي عبدالكريم الذي غنى تاليا موشح “يا غريب الدار” للموسيقار المصري الراحل فؤاد عبدالمجيد.