محاولة نقل الأحقية في حضانة الأطفال من الأم إلى الأب تفجر جدلا واسعا في العراق

أثارت محاولة نقل الأحقية في حضانة الطفل من الأم إلى الأب بعد بلوغه سن السابعة، بخلاف القانون الساري الذي يمنح الأم هذا الحق إلى غاية بلوغ الطفل سن 15 عاما، سجالا واسعا في العراق باعتبار أن إبعاد الطفل عن والدته له تبعات نفسية كبيرة. وعرفت محاولة تعديل المادة الـ57 من قانون الأحوال الشخصية العراقي رفضا من النساء والمنظمات الحقوقية المدافعة عنهن.
بغداد – فجّر مقترح لتعديل قانون الأحوال الشخصية جدلاً واسع النطاق في العراق وأثار انتقادات واسعة لمحاولة نقل الأحقية في حضانة الأطفال من الأم إلى الأب.
وأثارت التعديلات المقترحة في مجلس النواب العراقي بشأن القانون المذكور سجالا واسعا وغضبا عارما اجتاحا العراق رغم أن البرلمان طرحه للقراءة الأولى فقط.
وشكلت المادة 57 من القانون الجديد المقترح نقطة الخلاف في الشارع العراقي كونها تمنح الأب حق حضانة الطفل بعد بلوغه سن السابعة، في حين يمنح القانون النافذ حاليا الأم حق حضانة الطفل إلى حين بلوغه سن الخامسة عشرة، في وقت تخصص فيه للأب ساعات لرؤية الطفل في المحاكم أو أماكن أخرى.
وفي مطلع يوليو الجاري أجرى البرلمان العراقي قراءة أولى (مناقشة أولية) لمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959.
وتركز الجدل على المادة 57 من القانون، والتي من شأنها نقل الأحقية في حضانة الطفل من الأم إلى الأب بعد بلوغه سن السابعة، بخلاف القانون الساري الذي يمنح الأم هذا الحق إلى غاية بلوغ الطفل سن 15 عاما.
وفتحت التعديلات المقترحة أبواب السجال في العراق، وأثارت غضب النساء والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة في البلاد، كما شهدت البصرة أقصى جنوبي البلاد الأسبوع الماضي احتجاج العشرات من النساء على التعديلات المقترحة.
وقال علي البياتي عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق (رسمية مرتبطة بالبرلمان) إن “التعديلات المقترحة تجبر الأم بعدم الزواج خلال فترة حضانة الطفل، وهذا الموضوع يعد مخالفة شرعية”.
واعتبر البياتي في حديثه إلى الأناضول أن التعديلات المقترحة “ظالمة للأم والنساء العراقيات، وبالتالي فإنها غير منصفة”.

علي البياتي: التعديلات المقترحة ظالمة للنساء العراقيات ولحقهن في الأمومة
وقال إن “تفضيل جد المحضون على الأم تجاوز على حقوق الجميع كون إبعاد الطفل عن والدته له تبعات نفسية كبيرة”.
وتنص المادة 57 من القانون الساري على أن الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون من ذلك.
ويشترط القانون أن “تكون الحاضنة بالغة عاقلة أمينة قادرة على تربية المحضون وصيانته، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، وتقرر المحكمة في هذه الحالة أحقية الأم أو الأب في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون”.
كما تنص فقرات المادة المذكورة على أنه “إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من العمر، يكون له حق الاختيار في الإقامة مع من يشاء من أبويه أو أحد أقاربه إلى حين إكماله الثامنة عشرة من العمر إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار”.
أما التعديلات المقترحة على المادة، فتنص على أن تكون الأم المطلقة أحق بحضانة الولد حتى يتم السابعة ويشترط عدم زواجها لأخذ الحضانة.
وبذلك فإن الأصل يصبح حرمان الأم من الأحقية في حضانة أبنائها عندما يتمون السابعة من العمر، وحرمانها من الأحقية في الحضانة مباشرة إذا تزوجت مرة أخرى. لكن لا يشترط في الأب عدم الزواج لنيل حضانة الأبناء.
كما تنص التعديلات على أن الجد من جهة الأب له الأحقية في الحضانة من الأم، في حال توفي الأب أو انتفت لديه شروط الحضانة.
واعتبرت الناشطة في مجال حقوق المرأة لمياء العامري، بأن التعديلات المقترحة “إهانة حقيقية للمرأة العراقية وتعسف كبير تجاه الطفل المحضون”.
وقالت العامري للأناضول إن “مسؤولية الاعتناء بالأطفال هي جزء لا يتجزأ من مسؤولية المرأة، خصوصاً أن الآباء دائماً ما يكونون منشغلين في العمل وغيرها من الأمور الحياتية”.
وأشارت إلى أن “هناك رفضا شعبيا كبيرا تجاه تمرير التعديلات في البرلمان، وأن هناك وقفات جادة وغاضبة تنظم في العراق من أجل الضغط على البرلمان لمنع تشريع القانون”.
ورأى خبير الشؤون القانونية المحامي العراقي أحمد العبادي أن السعي لتعديل قانون الأحوال الشخصية يعود إلى “سوء تطبيق القانون الساري”.
ويعتقد العبادي في حديث إلى الأناضول أن “قانون الأحوال الحالي منصف، كون جميع القوانين العراقية المشرعة قديماً مدروسة بشكل كبير ومتوافقة مع الشريعة الإسلامية على جميع المستويات، وتتوافق مع المذهبين الحنفي (سني) والجعفري (شيعي)”.
وأضاف “لا بد من أن تعطي الجهات المسؤولة (السلطة التشريعية) الأولوية للطفل وتؤمن حقوقه بعيداً من النزاعات بين الزوجين”.
وتوقع الخبير العراقي “عدم تمرير التعديلات المقترحة في البرلمان بالصيغة الحالية، لأنه يواجه الكثير من الضغوط الشعبية، خصوصاً الفقرة التي تخص حضانة الطفل بعد الطلاق”.
في المقابل يحرم قانون الأحوال الشخصية الساري الرجال من التمتع برؤية وصحبة أبنائهم في ظروف طبيعية وتكوين علاقة صحية معهم.
تفضيل جد المحضون على الأم تجاوز لحقوق الجميع كون إبعاد الطفل عن والدته له تبعات نفسية كبيرة
وعندما يكون الطفل في حضانة الأم بعد الطلاق؛ لا يسمح للأب برؤية أبنائه إلا في المحكمة لساعات محدودة كل فترة.
وتأتي مساعي تعديل القانون لتغيير هذا البند ومنح الأب مزيداً من الحقوق في إقامة علاقات طبيعية مع أبنائه بعد الطلاق، إلا أن التعديلات المقترحة تقلب الكفة لصالح الأب على حساب الأم.
وقال رياض المسعودي النائب في البرلمان عن تحالف “سائرون” (54 من أصل 329 مقعداً) إن هناك مطالبات عدة من الرجال لتعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية.
وأضاف لـ”الأناضول” أن البرلمان سيواصل مناقشة التعديلات المقترحة لغاية الوصول إلى صيغة ترضي جميع الأطراف قبل طرحها على التصويت.
ورأى الناشط المدني العراقي أحمد كريم أن “قانون الأحوال الشخصية الساري أصبح مرجعاً قانونياً لجميع المذاهب الإسلامية في العراق، وبالتالي لا يمكن تعديله وفق مزاج البرلمان”.
وأضاف كريم لـ”الأناضول” أن “القانون الحالي يحتاج إلى تعديلات بسيطة بخصوص فقرة الحضانة، مثل السماح للأب بزيارة المحضون في أي وقت أو أخذه في نزهة، وحتى مبيته معه لأيام عدة”.