محاولة أخيرة من دي ميستورا لتحريك العملية السياسية

الرباط - أجرى ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، محادثات مع كاتبة الدولة بوزارة الخارجية السلوفينية ميليتا غابريتش، في العاصمة ليوبليانا، وذلك قبل شهر من إحاطته نصف السنوية المرتقبة في أبريل القادم أمام أنظار مجلس الأمن الدولي.
ويأتي هذا الاجتماع في سياق المشاورات التي يجريها المبعوث الأممي إلى الصحراء المغربية مع الأطراف والفاعلين الدوليين المعنيين بهذا الملف، وتجاوز الوضع الجامد الذي يطبع مساره، ويهدف من خلالها إلى بحث آفاق استئناف العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي متوافق عليه.
وأفادت ميليتا غابريتش، في تغريدة لها على منصة إكس، بأن “اللقاء مع المبعوث الأممي تناول مستجدات النزاع في الصحراء المغربية،” مؤكدة أن “سلوفينيا بصفتها عضوا في مجلس الأمن، تدعم الجهود السياسية التي تبذلها الأمم المتحدة لإيجاد حل للنزاع،”
وشددت على أهمية “استمرار المسار الأممي في ظل التحديات الراهنة التي تعيق تقدم العملية السياسية.”
وحاولت الجزائر جاهدة استمالة سلوفينيا لاتخاذ موقف مساند لجبهة بوليساريو، إذ رفعت صادراتها من الغاز إلى هذا البلد المتواجد في شرق أوروبا، كما لجأت في الأيام الأخيرة إلى فتح سفارة لها في العاصمة ليوبليانا، من أجل الرفع من مستوى العلاقات الدبلوماسية، في حين أن سلوفينيا لم تنْسق وراء موقف مناهض لوحدة المغرب الترابية.
وعقب المحادثات التي أجراها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نائبة الوزير الأول، وزيرة الشؤون الخارجية والأوروبية بجمهورية سلوفينيا تانيا فايون، في يونيو الماضي، أعلنت سلوفينيا عن إشادتها بمخطط الحكم الذاتي المغربي باعتباره “أساسا جيدا للتوصل إلى تسوية نهائية ومتوافق عليها” بشأن النزاع الإقليمي حول قضية الصحراء المغربية، وذلك تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي.
وأكد المحلل السياسي نوفل بوعمري أنه “منذ تعيين دي ميستورا لم يستطع بعث العملية السياسية من حيث انتهت في جنيف 1 وجنيف 2، وشكل المباحثات في الموائد الأربع، وهي محددات أممية واضحة مُحددة لتحرك دي ميستورا ولا يمكن العمل من خارج إطارها، معتمدا نهجا غير واضح في ما يتعلق بالعملية السياسية.”
وأشار لـ”العرب” إلى أن “عدم وضوح دور دي ميستورا يتجلى في الارتباك الذي أبداه من حيث تعاطيه مع مختلف الأطراف خاصة الجزائر،” مؤكدا أن “ما يهم المغرب هو أن تكون الشخصية التي تنال منصب المبعوث الأممي تشتغل وفق القرارات الصادرة عن مجلس وضمن إطارها السياسي العام وليس خارجه، وأن يكون اجتهادها لتقوية هذا الإطار لا نسفه.”
عدم وضوح دور دي ميستورا يتجلى في الارتباك الذي أبداه من حيث تعاطيه مع مختلف الأطراف خاصة الجزائر
ولفت بوعمري إلى أن “استقالة دي ميستورا مرتبطة بالسياق السياسي الحالي للملف، وما تنظر إليه المملكة ليس استقالة دي مستورا أو بقاءه، بل هو مسلسل التسوية السياسية والمسار الذي قطعه وصولاً إلى قراره الأخير، وهو مسار سياسي انتهى بتبني مجلس الأمن للمبادرة المغربية ومعاييرها السياسية وضمنها في نص القرار، ما يجعله ينظر بالأساس إلى هذا التطور أكثر من استمرار المبعوث الأممي من عدمه.”
وقال دي ميستورا في إحاطته السنوية لمجلس الأمن بخصوص مهمته كوسيط أممي في ملف الصحراء، في أكتوبر الماضي، إنه عاد إلى مقترح قدمه المبعوث الأممي السابق جيمس بيكر، ورفضته المملكة المغربية سنة 2002، وإن مشروع التقسيم “سيمكن، من جهة، من إنشاء دولة مستقلة في الجزء الجنوبي، ومن جهة أخرى، سيمكن من دمج بقية الإقليم كجزء من المغرب حيث سيجري الاعتراف بسيادته عليها دوليا.”
وأبرز “الحاجة إلى تعزيز العملية السياسية بشكل بنّاء وبأقصى سرعة،” مضيفا أنه في الاجتماع الأخير “أصر وزير الخارجية ناصر بوريطة مرة أخرى على أن مبادرة الحكم الذاتي لعام 2007 تظل نهائية، وليست نقطة انطلاق العملية،” وأن “هذا يجب أن يكون موضوع المفاوضات بمشاركة جبهة بوليساريو والجزائر وموريتانيا بالإضافة إلى المغرب.”
ويتواصل الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي المغربي الذي تقدم به المغرب مع رفض أي فكرة للحل تخرج عن هذه المبادرة، وهو ما أكده العاهل المغربي الملك محمد السادس في أكتوبر الماضي عند افتتاح السنة التشريعية، حيث أشار إلى “الديناميكية الإيجابية، التي تعرفها مسألة الصحراء المغربية، والتي ترتكز على ترسيخ سيادة المغرب على ترابه، وعلى توسيع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي.”
ويقول مراقبون إن المبعوث الأممي الشخصي الذي عيّن في منصبه في أكتوبر 2021، وقام بعدد من الزيارات إلى المنطقة، لم ينجح في استئناف العملية السياسية، كما لم ينجح حتى الآن في إقناع الجزائر بالعودة إلى طاولة المفاوضات بصيغة الموائد المستديرة التي ترفضها، في محاولة للتهرّب من مسؤوليتها في النزاع المفتعل.