محاولا التغلب على عزلته: الغرياني يدعو إلى طرد البعثة الأممية

يواجه رئيس دار الإفتاء في طرابلس الصادق الغرياني حالة من العزلة التي يحاول تجاوزها بابتزاز المجتمع الدولي من خلال جملة من المواقف المتشددة كانت آخرها المطالبة بطرد البعثة الأممية من ليبيا.
وزعم الغرياني المعتمد من قبل سلطات غرب ليبيا والمعزول من قبل مجلس النواب منذ العام 2014، أن المجتمع الدولي استعمر ليبيا وفرض عليها الوصاية بموجب اتفاق الصخيرات، وبتواطؤ من المخابرات الدولية والمخابرات المغربية، وفق قوله.
وقال في برنامجه الأسبوعي بقناة “التناصح” التي يملكها ويديرها نجله سهيل الغرياني: “كنا أعزاء في 2013، وكان السفراء يتوددون لزيارة دار الإفتاء وكنا نرفض ونملي عليهم شروطنا، كأن تأتي السفيرة بالجلباب وغطاء الرأس وبعد موافقة وزارة الخارجية”.
وتابع الغرياني قائلا: “حين طمعنا في المناصب وقبلنا بمؤامرة الصخيرات، صارت البلاد مستعمرة وتحت وصاية المجتمع الدولي ولا تعيينات إلا بموافقة المجتمع الدولي وعقيلة صالح”.
الغرياني اختار أن يقود حملات ممنهجة ضد الدول العربية المعتدلة، وضد روسيا والولايات المتحدة والبعثة الأممية، وكل الحكومات التي تتناقض توجهاتها ومواقفها السياسية مع مواقفه وقراءاته للأحداث
وكان اتفاق الصخيرات قد تم التوقيع عليه في ديسمبر 2015 بهدف إخراج البلاد من بؤرة الحرب الأهلية التي قادها تنظيم “فجر ليبيا” الإرهابي ضد مؤسسات الدولة في سياق انقلاب الإخوان على نتائج انتخابات 2014 البرلمانية.
وأكد الغرياني أنه يجب على الليبيين طرد البعثة الأممية، لكن للأسف لا توجد لديهم إرادة، وفق تقديره، وأضاف أنه حتى عندما ذهب بعض الناس للوقوف في وقفة احتجاجية أمام مقر البعثة الأممية لم يتجاوز عددهم 40 أو 50 شخصا، معتبرا أن كل الأضرار التي لحقت بالبلاد كانت بسبب البعثة الأممية والمجتمع الدولي، مضيفا ” إنهم يضعوننا تحت أحذيتهم ويملون علينا شروطهم، ويسلطون علينا كل من يخرب صفنا وينتقم منا”.
ولم يقف الغرياني عند هذ الحد، وإنما رأى أن البعثة الأممية والمجتمع الدولي شركاء في ما وصفه بالغزو الروسي، ويخططون لنهب أموال الليبيين، وقال: “إنه لا يوجد أي إنسان يستطيع الوصول لماله لأن السيولة منتهية، حتى أنا لا أستطيع أن أصل لمرتبي أو مالي”، متهما المصرف المركزي بأنه “يتبع هذه السياسة منذ شهور طويلة، وفرض ضرائب تذهب لجيوب المجرمين في المنطقة الشرقية، حفتر وأولاده”، وفق تعبيره.
واعتبر الغرياني أن هذه السياسة كلها تسببت في ارتفاع الأسعار والغلاء على الليبيين، وهذه كلها إملاءات أجنبية أتت بعد الصخيرات التي سلمت ليبيا للمجتمع الدولي والأمريكان والسفراء، وفق زعمه، لافتا إلى أنه يجب طرد البعثة الأممية من البلاد لأنه لا يمكن لليبيا أن تستقل وتلك البعثة موجودة توسوس وتدبر وتخطط”.
وفي يناير الماضي، طالب مفتي عام ليبيا الشيخ الصادق الغرياني المقيم بالعاصمة طرابلس، بمقاطعة الإدارة الأميركية، وقال إن هذه المقاطعة يجب أن تشمل العلاقات الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية بين الولايات المتحدة والدول الإسلامية من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، واصفا ذلك بأنه واجب فرضه الله تعالى على المسلمين.
وفي أبريل الماضي، وصف الغرياني الوجود العسكري في بلاده بأنه “احتلال من دولة كافرة ملحدة تجب مقاومته والجهاد ضده”.
وطالب الليبيين الذين يمتلكون السلاح باغتيال من وصفهم بـ”الروس الملاحدة” في الشوارع، ومضايقتهم وعدم التعامل التجاري معهم بالبيع والشراء في مناطق سيطرة القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر في جنوب ليبيا وشرقها، واعتبارهم أعداء وغزوا أجنبيا يجب أن يخرج من ليبيا، مردفا أن “الذين يملكون السلاح في ليبيا عليهم أن يضعوا أيديهم على الزناد وأن يعلنوا الجهاد على هؤلاء المجرمين ولا يسلموا بلادهم لأعدائهم”.
الغرياني فشل في مناسبات عدة في تحريك الشارع الليبي، وأثبت أن صوته بلا صدى، وأن أغلب الليبيين يتهمونه بالتورط في سفك دماء الليبيين
وادعى الغرياني أن عددا من البواخر وصلت إلى ليبيا تحمل مئات آلاف الأطنان من المعدات والسلاح قادمة من سوريا لدعم الفيلق الروسي الأفريقي الذي قال إن قاعدته الرئيسية ستكون في ليبيا وفق اتفاق بين موسكو وحفتر الذي منح الروس معسكرات في جنوب ليبيا ووسطها.
ويرى مراقبون، أن الغرياني اختار أن يقود حملات ممنهجة ضد الدول العربية المعتدلة مثل مصر والسعودية والإمارات، وضد روسيا والولايات المتحدة والبعثة الأممية، وكل الحكومات التي تتناقض توجهاتها ومواقفها السياسية مع مواقفه وقراءاته للأحداث والتي عادة ما ينطلق فيها من مرجعيات دينية تكفيرية.
وفي نوفمبر 2014 قرر مجلس النواب الليبي الغرياني، من منصب مفتي الديار، كما قرر إلغاء دار الإفتاء وإحالة اختصاصاتها واختصاصات المفتي لهيئة الأوقاف في الحكومة المؤقتة.
وترأس الصادق الغرياني دار الإفتاء الليبية بقرار من المجلس الوطني الانتقالي إبان ثورة فبراير عام 2011. وكان الصادق الغرياني قد أثارت مواقفه جدلا واسعا في الأوساط الليبية طوال الأعوام الأربعة الماضية، بسبب تحيزه لأطراف إسلامية متشددة في ليبيا.
واتهم الغرياني بدعم المجموعات السلفية المتشددة أعوام 2011 وبداية 2012 وإسنادها بفتاوى تجيز نبش القبور والأضرحة التي أثارت استياء شعبيا واسعا، قبل أن يتحول إلى موالاة تيار الإخوان المسلمين والتقرب إلى الجماعة الإسلامية المقاتلة المقربة من تنظيم القاعدة.
وكان قد تم تصنيف الغرياني في قائمة الإرهاب الصادرة عن مجلس النواب وفي قائمة أخرى صادرة عن المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والبحرين، كما أنه ممنوع من دخول عدد من الدول العربية من بيها المملكة العربية السعودية التي طالما ناصبها العداء بسبب مواقفها المناهضة لمشروع الإسلام السياسي.
وبحسب المراقبين، فإن الغرياني قد فشل في مناسبات عدة في تحريك الشارع الليبي، وأثبت أن صوته بلا صدى، وأن أغلب الليبيين يتهمونه بالتورط في سفك دماء الليبيين منذ العام 2011 وخلال الحروب الأهلية المتلاحقة حيث اختار الوقوف إلى جانب الجماعات الإرهابية، ثم كان من أكبر المساندين للتدخل العسكري التركي ولنقل آلاف المرتزقة السوريين إلى غرب ليبيا، ووقف بكل قوة في وجه كل محاولات تحقيق المصالحة الوطنية وتوحيد المؤسسة العسكرية.