محاولات مصرية لتحويل أعباء التوريد إلى فرص استثمارية

تسعى مصر لكبح فاتورة الاستيراد بتوطين صناعات خاصة بمنتجات دوائية وغذائية ومستلزمات هندسية وكيميائية ومواد بناء، بهدف الحدّ من استنزاف العملة الصعبة، وبناء رصيد يحفز نشاط الاقتصاد وينميه ويحسن درجة التصنيف الائتماني للبلد.
القاهرة - تروج الهيئة العامة للتنمية الصناعية في مصر للعشرات من الفرص الاستثمارية في القطاع الصناعي بهدف سد فجوة استيرادية تصل قيمتها إلى حوالي 30 مليار دولار، في سياق خطة حكومية لإنعاش الاقتصاد والحفاظ على الاحتياطات النقدية.
وأعلنت الهيئة في بيان نشرته على صفحتها على فيسبوك الأحد عن 152 فرصة استثمارية بالقطاع الصناعي. وقالت إنه تم إطلاقها “بعد إجراء دراسة تحليلية للواردات”، وهو ما يعني توفير جزء كبير من الدولارات المستخدمة حاليا في استيراد تلك المنتجات.
وقامت الهيئة بمشاركة قائمة الفرص مع اتحاد الصناعات وجمعيات المستثمرين وهيئة الاستثمار واتحاد الغرف التجارية ومكاتب التمثيل التجاري، من أجل الترويج لهذه الفرص والبدء في تنفيذها.
وكشف محمد عبدالكريم، رئيس الهيئة، عن تزامن الإعلان عن الفرص الاستثمارية مع إطلاق المرحلة الخامسة من خارطة الاستثمار الصناعي للأراضي الصناعية.
وكانت القاهرة قد أطلقت المرحلة الرابعة في يناير الماضي وتتضمن المرحلة إتاحة 1051 فرصة استثمارية صناعية في 11 محافظة من بين 27 محافظة بمختلف القطاعات، مع إمكانية التقدم للحجز إلكترونيا من أي مكان.
وأشار عبدالكريم إلى فتح باب التقديم بداية من الأربعاء المقبل على 790 قطعة أرض صناعية مرفقة بمساحة إجمالية تصل إلى 1.7 مليون متر مربع في 14 محافظة.
وأوضح أنه تم إعداد الفرص الاستثمارية بما يراعي زيادة القيمة المضافة في الصناعة المحلية سواء في منتجات تامة الصنع أو مدخلات إنتاج، ويتم إعطاء أولوية للمنتجات التي لديها فرص للنمو والتصدير.
ويدرك المسؤولون المصريون أن القطاع الصناعي يعد قاطرة للاقتصاد لما يملكه من إمكانيات هائلة للنمو وتوفير فرص العمل.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد ارتفعت قيمة الواردات المصرية العام الماضي إلى 94.5 مليار دولار مقارنة مع 89.2 مليار دولار في العام السابق، بسبب مخلفات الحرب في شرق أوروبا التي زادت من التكاليف.
وزادت فاتورة استيراد أكبر بلد عربي من حيث تعداد السكان من 5 مليارات دولار شهريا إلى 8 مليارات دولار، وذلك بسبب ارتفاع أسعار السلع والشحن والطاقة.
وبدأت وزارة التجارة والصناعة ترويج الفرص الاستثمارية المتاحة أمام المستثمرين المحليين والأجانب ضمن خطة توفير بدائل محلية "صناعة مصرية" للمنتجات المستوردة.
وقبل أشهر قررت الوزارة تحسين إدارة المناطق الصناعية بتشكيل لجنة مكونة من الهيئة الصناعية ومركز تحديث الصناعة والمحليات والبرلمان لزيارة المناطق الصناعية للوقوف على التحديات التي تواجه المستثمرين والعمل على إيجاد حلول جذرية لها.
وبحسب البيان، أكدت الهيئة أن الفرص الاستثمارية جاهزة للتنفيذ الفوري، وهي مطروحة الآن على موقعها الإلكتروني.
وتعمل القاهرة على جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية الباحثة عن مقاصد استثمارية خارج الحدود بتكثيف الترويج عمليا للمشاريع المتعلقة بها، وعقد لقاءات مع مستثمرين لتعريفهم بالفرص الواعدة بقطاع اللوجستيات كخطوة عملية لتوطين سلاسل الإمداد.
ووضعت السلطات رهانا كبيرا على الاستثمارات الأجنبية، وأخذت خطوات عملية في مجال تدشين عدد من المناطق اللوجستية في أنحاء البلاد كي تتمكن من توطين سلاسل الإمداد عبر الرهان على شركات عالمية متعددة.
وتعاني البلاد منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية مطلع العام الماضي من أزمة نقص العملات الأجنبية، ما تسبب في انخفاض قيمة الجنيه رسميا بأكثر من 50 في المئة أمام الدولار بعد تحريك سعر الصرف الرسمي لثلاث مرات منذ مارس 2022.
وانعكس تراجع العملة المحلية على قيمة أسعار السلع الواردة من الخارج ليرتفع معدل التضخم إلى 40 في المئة تقريباً خلال العام الأخير، وهو ما دعا الحكومة إلى التفكير في توفير بدائل محلية للسلع المستوردة.
وذكرت وكالة موديز إنفستورز سيرفس مؤخرا أنها تراجع التصنيف الائتماني لمصر، حيث تضع التقدم في أجندة الحكومة الإصلاحية على إحدى كفّتي ميزانها، مقابل مؤشرات تزايد ضعف سيولة النقد الأجنبي في البلاد على الكفة الأخرى.
وبدأت وكالة التصنيف قبل ثلاثة أشهر بمراجعة خفض التصنيف الائتماني لديون الدولة القابع حاليا عند مستوى بي 3، أي أقل بست درجات من تصنيف الدرجة الاستثمارية، وهي الدرجة نفسها التي حصلت عليها أنغولا وتركيا ونيكاراغوا.
وبعد خفض وكالة موديز في فبراير الماضي، كان هذا التصنيف هو الأدنى على مقياس وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى حول العالم.
واعتبر وزير المالية محمد معيط أن قرار موديز باستمرار وضع التصنيف الائتماني السيادي لمصر والنظرة المستقبلية تحت "المراجعة السلبية" لمدة ثلاثة أشهر إضافية، يعكس "نظرتها المتوازنة للخطوات والإجراءات الإصلاحية الأخيرة المتخذة".
وقال معيط الجمعة الماضي إن "الحكومة تعمل على تحقيق المزيد من الإصلاحات والإجراءات الهيكلية خلال الأشهر المقبلة للتعامل مع التحديات الراهنة، التي تواجه الاقتصاد المصري بصفة عامة".
وأشار إلى إقرار تعديلات قانونية تسمح بإلغاء الإعفاءات الضريبية والجمركية على الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية للجهات والشركات المملوكة للدولة، الأمر الذي يؤدي إلى تعزيز المنافسة العادلة بالسوق المصرية.
وإضافة إلى ذلك تشرع القاهرة في تنفيذ برنامج "الطروحات" بقيمة 1.9 مليار دولار بما يساعد على زيادة تدفقات النقد الأجنبي، ويوفر جزءا من التمويل الأجنبي المطلوب لتغطية احتياجات الاقتصاد، مع تحقيق فائض أولي ونمو الإيرادات الضريبية.
والأسبوع الماضي قلَّص بنك سيتي غروب نظرته المتفائلة للسندات المصرية بسبب مخاوف بشأن بطء تقدّم الدولة التي تعاني من ضائقة مالية في بيع الأصول الحكومية.
ووفق وكالة بلومبرغ، قال محللون إستراتيجيون في البنك إنهم خفّضوا توصيتهم بـ”زيادة المراكز” في الديون المصرية، مشيرين إلى أن خطة الخصخصة في البلاد "تتخلف بشكل متزايد عن الأهداف".
وكتب المحللون الإستراتيجيون، بمن فيهم إريك أولوم ولويس كوستا، في مذكرة "لا تزال المخاطر الذاتية مرتفعة في مصر وتتزايد احتمالية تأخر تنفيذ اتفاق صندوق النقد الدولي، لأن وتيرة الخصخصة تبدو غير كافية لتلبية معايير الأداء الكمية".
وتعتبر الديون الدولارية لمصر من بين الأسوأ أداء في الأسواق الناشئة الشهر الحالي، حيث خسرت نحو 3 في المئة.
وقال صندوق النقد مؤخرا إنه ينتظر رؤية صفقات خصخصة لأصول حكومية ومرونة حقيقية في العملة المصرية، قبل إجراء مراجعته الأولى لبرنامج الإنقاذ الذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار.