محاولات أردوغان توظيف القضية الفلسطينية تعمق أزمته مع الأميركيين

أنقرة - أفضت محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتوظيف التصعيد في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس لتحقيق مكاسب سياسية إلى تعميق أزمته مع الولايات المتحدة في ظل الإدارة الجديدة بقيادة جو بايدن.
ونددت الولايات المتحدة بتصريحات أردوغان بشأن “الشعب اليهودي”، معتبرة أنها تدخل في خانة معاداة السامية في أحدث تصعيد مع تركيا التي تعرف العلاقات معها توترا أصلا بسبب العديد من الملفات.
وقال نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مساء الثلاثاء إن “الولايات المتحدة تندد بشدة بتصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الآونة الأخيرة بشأن الشعب اليهودي، باعتبارها تعليقات معادية للسامية”.
وأضاف برايس في بيان له “نحث الرئيس أردوغان والزعماء الأتراك الآخرين على الامتناع عن التصريحات النارية التي يمكن أن تحرض على المزيد من العنف”.
وتابع “اللغة المناهضة للسامية لا محل لها في أي مكان”.
ولم يحدد برايس أي تصريحات أردوغان التي اعتبرتها الولايات المتحدة مناهضة للسامية. ولم ترد وزارة الخارجية الأميركية على طلبات للتوضيح.
وانتقد الرئيس التركي إسرائيل بسبب ضرباتها الجوية على قطاع غزة، ووصفها بأنها “دولة إرهابية” بعد أن أطلقت الشرطة الإسرائيلية الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية على فلسطينيين رشقوها بالحجارة عند المسجد الأقصى في القدس.
ولكن الرئيس التركي الذي دأب على المزايدة بالقضية الفلسطينية لم يقف عند ذلك الحد، حيث هاجم الرئيس الأميركي جو بايدن في وقت سابق في ما بدا وكأنه محاولة لتوظيف تلك القضية من أجل تصفية حساباته مع الولايات المتحدة.
واعتبر أردوغان الاثنين أنّ يدَي نظيره الأميركي بايدن “ملطّختان بالدماء” بسبب دعمه إسرائيل التي تواصل تصعيدها العسكري ضدّ قطاع غزّة.
وخاطب أردوغان بايدن قائلا “تكتب التاريخ بيدَين ملطّختَين بالدماء”، آخذا على الإدارة الأميركية خصوصا أنّها وافقت على بيع أسلحة إضافية للدولة العبرية “التي تشن هجمات غير متكافئة على قطاع غزّة”.
وتابع الرئيس التركي أنّ “الأراضي الفلسطينية هي ضحيّة اضطهاد ومعاناة، وتُسفك فيها الدماء على غرار ما يحصل في مناطق أخرى عدّة خسرت السلام”.
وكذلك وجّه أردوغان انتقادات حادّة لإسرائيل قائلا “إنّهم قتلة لدرجة أنّهم يقتلون أطفالا بعمر خمس وستّ سنوات. لا يُشبعهم إلا سفك الدماء”.
وانفجرت الأوضاع في غزة في العاشر من مايو إثر إطلاق حركة حماس صواريخ من القطاع على إسرائيل بعدما جُرح المئات من الفلسطينيين في مواجهات مع الشرطة الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة.
ونُظّمت تظاهرات في القدس الشرقية احتجاجا على تهديد عائلات فلسطينية بطردها من حي الشيخ جراح لصالح مستوطنين إسرائيليين.
وإزاء المواجهات العنيفة بين حماس وإسرائيل، أعلن بايدن تمسّكه بالدعم الأميركي التقليدي لحق الدولة العبرية في “الدفاع عن نفسها”.
ومنذ أيام يضاعف أردوغان اللقاءات مع مسؤولين وممثلين لدول أجنبية حيث كرر إطلاق تصريحات غاضبة من إسرائيل وهو ما يلقى دعما من حلفائه القوميين الذين عبروا عن تأييدهم لمقترح الرئيس التركي بإرسال قوات حفظ سلام دولية إلى القدس.

لكنّ مراقبين يرون أن تصريحات أردوغان القوية ليست سوى جزء من سياساته في الترويج لصورة تركيا المدافعة عن الفلسطينيين، وذلك خدمة لأجندات أنقرة في التمدد في المنطقة العربية عبر بوابة القضية الفلسطينية التي تعتبر مقدسة لدى العرب والمسلمين.
ورغم أن أردوغان نجح في السنوات الماضية في استقطاب جزء من العرب والمسلمين عبر الملف الفلسطيني، إلا أنه هذه المرة لم يلق خطابه نفس الرواج، خاصة وأن الجيش التركي ارتكب تجاوزات في عدد من الساحات العربية خصوصا شمال سوريا وشمال العراق انتهاكات ضد المدنيين لا تقل بشاعة عن انتهاكات الجيش الإسرائيلي.
كما يُرجع متابعون تلك التصريحات التي أطلقها أردوغان إلى محاولته استمالة القواعد التركية، خاصة مع الفشل الاقتصادي والأزمة الاجتماعية التي تمر بها البلاد.
ويرى مراقبون أن اتهامه من قبل الإدارة الأميركية بمعاداة السامية يعكس تعمق أزمة أردوغان مع واشنطن، خاصة أن العلاقات الأميركية التركية تمر بواحدة من أصعب فتراتها لاسيما بعد اعتراف الأميركيين بإبادة الأرمن مؤخرا.
ووفقا لمراقبين، لا يمكن فصل إعلان بايدن مؤخرا بشأن الإبادة الجماعية للأرمن عن التوتر الحاصل بين أنقرة وواشنطن، سواء تعلق الأمر بإصرار الحكومة التركية على شراء منظومة الدفاع الصاروخي أس-400 أو بالتدخلات التركية في عدد من الساحات، وكذلك في ما يتعلق بمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وكان الرئيس الأميركي حذر مرارا تركيا من مغبة الإصرار على مواقفها، بل وصل الأمر ببايدن إلى وصف أردوغان بالدكتاتور قبل توليه الرئاسة.