محاربة الفساد شعار يتنافس عليه المرشحون للرئاسة في موريتانيا

الحكومة لا تزال بعيدة عن الإيفاء بتعهداتها بشأن محاربة الفساد، وهو ما دفع مرشحي المعارضة للتسويق إلى أن مكافحة الفساد ستكون أولوية بالنسبة إليهم.
الأربعاء 2024/06/19
ولد الغزواني يتعهد بتعقب الفساد والفاسدين

تصدر شعار مكافحة الفساد حملات المرشحين لرئاسيات موريتانيا باعتباره الأكثر جذبا للناخبين، في بلد يشهد مستويات فساد مرتفعة، بحسب المؤشرات الدولية.

ووعد الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، والذي يأمل في ولاية ثانية، بزيادة الصرامة في مكافحة الفساد، وعدم التسامح مع تبديد المال العام.

وقال في خطاب خلال مهرجان انتخابي في مدينة كيفه، إن المأمورية الماضية أظهرت لنا حاجة المؤسسات الخاصة إلى مكافحة الفساد للتقوية وزيادة طاقمها البشري، حتى تتمكن من أداء عملها.

بيرام الداه اعبيدي: سأردع اللصوص وأكلة مال الشعب في حال فوزي في الانتخابات
بيرام الداه اعبيدي: سأردع اللصوص وأكلة مال الشعب في حال فوزي في الانتخابات

وعبّر ولد الغزواني عن ثقته بأن الشباب الموريتانيين سيلبّون النداء الذي وجهه لهم في رسالة ترشحه لمأمورية ثانية، “وسيمكننا من اجتثاث الفساد وتحصين البلد من أجل مستقبل واعد وآمن” .

وتعهد خلال مشاركته في الحلقة الثانية من برنامج “حوار الأخبار” التلفزيوني بأن المأمورية الثانية ستكون للشباب، ومحاربة الفساد لا تعني غيابه في المأمورية الأولى، حيث “كانت الأولوية للشباب والصرامة في مكافحة الفساد حاضرتين كتوجه وإرادة قوية في المأمورية الأولى”.

وأضاف ولد الغزواني أن “مغزى تأكيد ذلك في برنامج المأمورية الثانية هو ترسيخ محورية هذين التوجهين اللذين سيكونان هما ديدن المأمورية التي أَعِدُ أن تكون كلها، وبعمق وقوة ودقة للشباب وضد الفساد”.

وتعاني موريتانيا منذ عقود من الفساد الذي يضرب جميع قطاعاتها، وسبق وأن حذرت وثيقة سرية لصندوق النقد الدولي نشرت العام الماضي من تفشي الفساد في البلد الواقع في شمال أفريقيا، واعتبرت الوثيقة أن الإطار القانوني والتنظيمي لمكافحة الفساد غير كاف لمعالجة مخاطر الفساد القائمة، كما أن جهود مكافحة الفساد لا تستند لإستراتيجية فعالة أو آليات واضحة لتنسيق أنشطة مكافحة الظاهرة.

وفي دفاعه عن سياساته في مجال محاربة الفساد خلال مأموريته الأولى، أشار ولد الغزواني الى محكمة الحسابات كمؤسسة دستورية مستقلة.

وقال إن محكمة الحسابات دأبت خلال السنوات الأخيرة على إدخال الكثير من الإصلاحات، التي ساهمت في تحسين أدائها وحكامتها، ومنها على سبيل المثال “الشفافية وولوج المجتمع المدني للمعلومات الموثوقة عن السياسات العمومية بما فيها الميزانية (النفقات، المداخيل، المسؤوليات، العقود المهمة)، ونشر التقارير المتعلقة بقوانين التسوية وملحقاتها”، ومن ذلك “نشر التقرير السنوي للمحكمة بالنسبة إلى السنوات 2019، 2020، 2021، ونشر تقرير التدقيق حول مكافحة جائحة كورونا، ومساءلة الجهاز التنفيذي من طرف هيئات الرقابة بالمحكمة”.

ولد سيدي المختار: لن نساوم في ثروات البلد وسنجبر كل من نهب أموالا عمومية لإعادتها إلى خزينة الدولة
ولد سيدي المختار: لن نساوم في ثروات البلد وسنجبر كل من نهب أموالا عمومية لإعادتها إلى خزينة الدولة

وفي أكتوبر الماضي، قال ولد الغزواني إنه لا ينفي وجود ظاهرة الفساد في البلاد لسببين؛ أولهما استحالة ذلك في أيّ بلد من العالم، والثاني أنه ليس ممن يهتمون بخطابات ديماغوجية تغطي على الحقائق، مردفا أن ما ينفيه هو تفاقمها وزيادة انتشارها في السنوات الأربع الأخيرة.

وفي فبراير 2023 أعلنت الحكومة المصادقة على الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الرشوة ممتدة على الفترة ما بين عامي 2023 و2030، ومؤسسة على تقييم لوضعية مكافحة الفساد في موريتانيا منذ عام 2010، وعلى الأنشطة التي تم الشروع فيها منذ عام 2019 تاريخ وصول الرئيس الغزواني إلى الحكم.

وتعتبر الحكومة أنها اعتمدت آليات منذ عام 2019 تتضمن الصدور المنتظم لتقارير محكمة الحسابات، وتقييم منظومة الصفقات العمومية، ونشر قائمة الصفقات المبرمة بالتراضي، وأداء اليمين من قبل الأشخاص المسؤولين عن الصفقات العمومية.

وتهدف الحكومة من خلال هذه الإستراتيجية إلى مكافحة الفساد واستعادة الشفافية وتطوير النزاهة، وخلق بيئة معادية للفساد، وإشراك وتقوية الجهات الفاعلة، وحماية القطاعات الأكثر ضعفا.

لكن خبراء يجمعون على أن الحكومة لا تزال بعيدة عن الإيفاء بتعهداتها لجهة محاربة الظاهرة المتجذرة، وهو ما دفع مرشحي المعارضة للتسويق إلى أن مكافحة الفساد ستكون أولوية بالنسبة إليهم في حال فازوا في الاستحقاق.

وقال المرشح الرئاسي بيرام الداه اعبيدي إنه سيعمل في حال فوزه برئاسة الجمهورية على ردع من وصفهم بـ”اللصوص وأكلة مال الشعب وتوقيفهم عند حدهم وتحرير الشعب منهم”.

ودعا ولد اعبيدي في مهرجان جماهيري نظمه بمدينة سيلبابي كافة الناخبين إلى حماية أصواتهم من التزوير، مشددا على ضرورة مراقبة مراكز الاقتراع و”عدم بيع الضمائر الحية بالمال”.

مامادو بوكار با: موريتانيا تعاني من وضع صعب نتيجة غياب سياسات مدروسة
مامادو بوكار با: موريتانيا تعاني من وضع صعب نتيجة غياب سياسات مدروسة

وأردف ولد اعبيدي أن ترشحه للرئاسيات يأتي بهدف تحقيق العدالة والمساواة في موريتانيا، مؤكدا أنه لم ولن يتوانى عن قول كلمة الحق والوقوف أمام كل فاسد ومعتدٍ، والدفاع عن المظلومين، وفق تعبيره.

وفي ذات السياق، وعد زعيم المعارضة ولد سيدي المختار مرشح حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل” الإخواني، في خطاب افتتاح حملته بـ”إبعاد المفسدين عن الوظائف” قائلا “لن نساوم في ثروات البلد وسنجبر كل من نهب أموالا عمومية لإعادتها إلى خزينة الدولة”، متعهدا بـ”توفير فرص عمل للشباب وإصلاح المنظومة الصحية وتطوير البنى التحية”.

كما حاول ولد سيدي المختار استغلال الجانب الديني وملامسة التدين الفطري لدى الشعب الموريتاني، وذلك من خلال إرساله وعودا بتطبيق الشريعة وإعادة الأمل والمكانة المفقودة لرجال الدين، وترسيخ الهوية الإسلامية، مؤكد أنه سيخصص في حال انتخابه جزءا ثابتا من ميزانية الدولة لتشييد المساجد، مؤكدا على محاربته للفساد في حال تولى حكم البلاد.

من جانبه، اعتبر النائب البرلماني المرشح للانتخابات الرئاسية العيد ولد محمدن أن “النخبة الفاسدة التي تحكم البلاد قبل ولد الغزواني وخلال فترة حكمه، نهبت ثروات البلاد”، وقال إن هذه النخبة هي من “نشرت التفرقة العرقية بين مكونات المجتمع الموريتاني، وحولت المدرسة إلى عامل تفرقة بدل جعلها عامل وحدة”، مشيرا إلى أن موريتانيا تعاني من سيطرة ما وصفها بالنخبة الفاسدة، التي لا تولي أهمية لمصالح المواطنين ولا تدافع عنهم.

وتحدث ولد محمدن عن البطالة التي قال إن “الشباب الموريتانيين الحاملين للشهادات يعانون منها، وتابع أن المواطنين في الشرق الموريتاني تخلت عنهم الدولة وتركتهم يعانون العطش ويبحثون عن المياه في عمق الأراضي المالية، بدل حفر الآبار لهم لسقيهم وسقي مواشيهم، متهما النظام الحالي بعدم الاهتمام بمصالح المواطنين، وتكديس الثروات على حساب مصالحهم، متعهدا بزيادة الميزانية المخصصة لقطاع التعليم لتصل إلى نسبة 30 في المئة، بدل نسبة 10 في المئة المخصصة له حاليا، وإعطاء الأولوية للقطاع الصحي.

العيد ولد محمدن: النخبة الفاسدة التي تحكم البلاد قبل ولد الغزواني وخلال فترة حكمه، نهبت ثروات البلاد
العيد ولد محمدن: النخبة الفاسدة التي تحكم البلاد قبل ولد الغزواني وخلال فترة حكمه، نهبت ثروات البلاد

أما المرشح للرئاسة البروفيسور أوتاما سوماري، فقد انتقد الأوضاع الاقتصادية في البلاد، واصفاً إياها بالصعبة، وأشار إلى أن البلاد تعيش ظروفاً معيشية قاسية، خاصة في القطاع الخدمي، معتبرا أن الفساد وسوء الإدارة هما السبب الرئيسي في ذلك.

وتعهد سوماري باجتثاث الفساد وتحسين الأوضاع في حال فوزه في الانتخابات، مؤكدا على توفير الماء والكهرباء، وإصلاح قطاعي التعليم والصحة، بالإضافة إلى باقي القطاعات الخدمية، مشددا على أن الحالة التي وصلت إليها البلاد تتطلب من الجميع تكثيف الجهود وتوحيد الصفوف من أجل إنقاذ الوطن والمواطن من الفساد والتهميش والظلم.

بدوره، قال المرشح للرئاسيات مامادو بوكار با إنه في حال فوزه في الانتخابات سيحارب الفساد وسوء إدارة الشأن العام.

وتعهد بوكار با، خلال لقاءات مع بعض أنصاره في مقاطعة مقامة بولاية غورغول، بوضع حد لما أسماه “مختلف العوامل التي تقف وراء إحباط الموريتانيين”، خاصة في ما يتعلق بالحصول على الحالة المدنية لبعض المواطنين، والنهوض بالزراعة وتنمية الشباب، مردفا أن موريتانيا تعاني من وضع صعب نتيجة غياب سياسات مدروسة جيدا، داعيا إلى الانخراط بكثافة في “التغيير” الذي يقترحه من أجل تحقيق تطلعاتهم.

وحلت موريتانيا حلت في المركز 130 من أصل 180 بلدا وبرصيد 30/100 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، وبذلك لم تحرز أيّ تقدم في هذا المؤشر مقارنة بسنة 2022، حيث حصلت على نفس الترتيب والتصنيف.

وكان القضاء الموريتاني أصدر في ديسمبر الماضي حكما بسجن الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز خمس سنوات نافذة وحرمانه من حقوقه المدنية بسبب قضايا تتعلق بالفساد.

4