مجلس الأمن يطالب بإخراج المرتزقة لإنجاح المرحلة الانتقالية في ليبيا

واشنطن – طالب مجلس الأمن الدولي بضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا دون المزيد من التأخير، في خطوة تعكس إجماعا دوليا على أنه لا إمكانية لإنجاح المرحلة الانتقالية وتحقيق تقدم سياسي ملموس في البلد الذي أنهكه الصراع دون تحقيق اختراقات أمنية وإغلاق ملف الميليشيات.
وجاء في الإعلان الذي تبناه مجلس الأمن بالإجماع الجمعة أن المجلس يدعو جميع الأطراف إلى التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 23 أكتوبر الماضي ويحض الدول الأعضاء على احترام الاتفاق ودعم تنفيذه بالكامل.
وحسب إحصائيات الأمم المتحدة لا يزال هناك زهاء 20 ألف جندي ومرتزق في ليبيا إلى حدود نهاية العام 2020، ولم تتم حتى الآن ملاحظة أي حركة انسحاب.
ويشير النص أيضا إلى أن “مجلس الأمن يدعو إلى الاحترام الكامل من جانب جميع الدول الأعضاء لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، طبقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
ويُنتهك هذا الحظر المفروض منذ عام 2011 بشكل منتظم منذ سنوات وفقا لخبراء الأمم المتحدة المكلفين بمراقبته. ومن المتوقع صدور تقريرهم السنوي في الأيام المقبلة.
وندد الخبراء في مرات سابقة خصوصا بوجود مرتزقة روس وقوات تركية وجماعات مسلحة تضم سوريين وتشاديين وسودانيين في ليبيا.
ويضيف الإعلان أن مجلس الأمن يقر بالحاجة إلى التخطيط لنزع سلاح الجماعات المسلحة وتسريحها وإعادة إدماجها، وإصلاح قطاع الأمن وإنشاء هيكل أمني شامل بقيادة مدنية لجميع أنحاء ليبيا.
وتهدد الميليشيات المنتشرة بأرجاء البلاد المرحلة الانتقالية أمام مخاوف من عودة التوترات الأمنية.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن ضاحية تاجوراء الواقعة على بُعد نحو 18 كيلومترا شرق العاصمة طرابلس شهدت تراشقا بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وإغلاقا للطرقات الرئيسية ومنها الطريق الساحلي الذي يربط تاجوراء بطرابلس الخميس. وأوضحت أن تلك الاشتباكات اندلعت في أعقاب إقدام ميليشيا “الضمان” على خطف قائد ميليشيا “أسود تاجوراء” عبدالرحيم سالم وعدد من أفراد كتيبته بهدف مقايضتهم بآخرين محتجزين لدى میلیشیا “أسود تاجوراء”، وذلك في تصعيد أمني كشف عن حجم التحديات التي تنتظر الدبيبة وحكومته في مناطق غرب البلاد التي لا تزال تخضع لسيطرة الميليشيات.
ولطمأنة الشارع الليبي المتعطش للأمن والاستقرار، شدّد رئيس المجلس الرئاسي الليبي الجديد محمد المنفي الجمعة على أن “المجلس سيبذل كل الجهود الممكنة لطي صفحة الماضي والانطلاق في مسيرة السلام لبناء الدولة الديمقراطية التي تحفظ فيها الحقوق والحريات”.
وقال المنفي في كلمة نشرها المكتب الإعلامي لرئيس المجلس على صفحته في فيسبوك إنه “في ظل المهام الموكلة للمجلس سنعمل على تعزيز السلم وإفساح المجال لدعم مسار لجنة 5 + 5 العسكرية، بغية توحيد المؤسسات العسكرية على أسس مهنية ووطنية خالصة”.
ولا تزال اللجنة العسكرية 5 + 5 ومقرها مدينة سرت تُكابد من أجل تنفيذ التفاهمات التي تم التوصل إليها، حيث اتفقت مؤخرا على البدء في نزع الألغام تمهيدا لفتح الطريق الساحلي الذي يربط شرق البلاد بغربها، لكن يبقى ملف المرتزقة أحد أبرز الملفات التي تراوح مكانها بالنسبة إلى اللجنة.
وفي أعقاب انتخابه رئيسا للحكومة المؤقتة لم يتطرق عبدالحميد الدبيبة إلى ملف المرتزقة والميليشيات، مكتفيا بالتعهد بـ”العمل على دعم دور المرأة، وإتاحة الفرصة للشباب للإسهام في بناء مؤسسات الدولة ومدها بالدماء والكفاءات الجديدة”، مشددا على أن حكومته “حريصة على الإيفاء بالتزاماتها” في إشارة إلى الاستحقاق الانتخابي المقرر في ديسمبر المقبل.
ويعتقد متابعون أن التفاهمات الأخيرة في الأزمة الليبية التي جرت في ملتقى الحوار السياسي الليبي والتي تُوجت بانتخاب مجلس رئاسي جديد وحكومة مؤقتة سيقودان المرحلة الانتقالية حتى تنظيم انتخابات عامة في ديسمبر القادم، لن تُنهي التدخلات الأجنبية العسكرية، حيث تريد تركيا جني ثمار مغامرتها العسكرية في البلد الغني بالنفط في شكل عقود مهمّة في مجال الطاقة والبناء والتسليح.
وكانت تركيا قد تدخلت مباشرة في ليبيا من خلال دعم حكومة الوفاق بالمرتزقة السوريين والعرب والعتاد العسكري في مواجهة الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر في معركته ضد الإرهاب.
وبينما تقرّ أنقرة بدعمها لحكومة الوفاق عسكريا، تنفي موسكو تقديمها أي دعم لقوات الجيش.
وأرسلت تركيا طائرات مسيّرة ومدربين ومستشارين عسكريين إلى ليبيا بموجب اتفاق عسكري موقع مع حكومة الوفاق. كما أرسلت مرتزقة سوريين بحسب خبراء الأمم المتحدة.
وفي 22 ديسمبر الماضي مدد البرلمان التركي الإذن بنشر هؤلاء الجنود لمدة 18 شهرا.
وتؤكد تركيا أن قواتها المنتشرة في ليبيا ستظل هناك ما دام الاتفاق الثنائي العسكري قائما بين أنقرة وطرابلس، وما دامت حكومة الوفاق ترغب في ذلك.
وفيما تواترت الدعوات الدولية إلى ضرورة انسحاب المرتزقة وإنهاء التدخلات الأجنبية في ليبيا، يتساءل المراقبون عن مدى استجابة أنقرة للدعوات الأممية وعن القرارات التي ستتخذ في حال أصرت تركيا على إبقاء قواتها ومرتزقتها في ليبيا خاصة وأن تصريحات المسؤولين الأتراك الأخيرة بعيدة عن نوايا الانسحاب وهم متمسكون بأطماعهم داخل ليبيا.
ويتوقع المراقبون أن تواجه تركيا غضبا دوليا في حال أصرت على البقاء في ليبيا خاصة وأن الأمم المتحدة هددت مرارا الدول المتدخلة في ليبيا بفرض عقوبات عليها في حال رفضت سحب قواتها.
ويؤكد هؤلاء أن نجاح المسار السياسي في البلاد يبقى رهين وقف التدخلات الأجنبية والتركية على وجه الخصوص، في ظل إصرار أنقرة على تأجيج الخلافات بين الفرقاء، ووسط مخاوف حقيقية من أن تعمل تركيا على تأجيج الوضع في الفترة المقبلة عبر تحريض المرتزقة للقيام ببعض الانتهاكات لوقف إطلاق النار.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصل إليه طرفا النزاع في 23 أكتوبر، يتعيّن على القوات الأجنبية والمرتزقة مغادرة البلاد خلال الأشهر الثلاثة التي تلت توقيع الاتفاق أي بحلول 23 يناير، لكن لم تنسحب أي قوات من المرتزقة في ليبيا رغم تخطي المهلة المنصوص عليها في الاتفاق.