مجلسا النواب والدولة الليبيان يعلنان من المغرب الاتفاق على تجاوز الأزمة السياسية

توصل مجلسا النواب والأعلى للدولة الليبيان الأربعاء إلى اتفاق يضم 8 مواد بينها "إعادة تشكيل السلطة التنفيذية" في البلاد، في حين تباينت ردود أفعال حكومتي طرابلس وبنغازي بين رافض للخطوة ومرحب بها.
أعلن أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبيين المجتمعون في مدينة بوزنيقة المغربية عن التوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة التمهيدية لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهو ما اعتبره مراقبون خطوة مهمة على طريق تحريك المياه الراكدة وحلحلة الأزمة السياسية. ويعتبر هذا الاتفاق أول موقف داخلي معلن في مواجهة مبادرة رئيس بعثة الأمم المتحدة بالوكالة ستيفاني خوري التي أعلنت عنها الاثنين الماضي من خلال إحاطتها أمام مجلس الأمن الدولي.
وبموجب المادة 1 من الاتفاق، ستتم إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا بناءً على المادة 4 من الاتفاق السياسي الليبي المعتمد بقرار مجلس الأمن رقم 2259 لعام 2015، وذلك بهدف إنجاز الاستحقاق الانتخابي وفق القوانين الانتخابية المعتمدة.
وبموجب الاتفاق يتم تشكيل لجنة عمل مشتركة بين المجلسين، مهمتها إعادة تكليف السلطة التنفيذية الجديدة وفقا للمادة 2، وتعمل على التواصل مع البعثة الأممية والأطراف المحلية والدولية، لتنفيذ ما ورد في المادة 1 ومراجعة آلية الاختيار المقترحة في لقاء القاهرة بين المجلسين، وتقديم مقترحات لتعديلها إذا كان ذلك سيسهم في التوافق بين الأطراف، وعلى تقديم مقترحات بشأن الضوابط الكفيلة بضمان عمل الحكومة وفق معايير تدعم الشفافية واللامركزية وتدعم مسار الانتخابات.
وتشير المادة 3 إلى تخصيص الموارد اللازمة لتنفيذ مشروع التعداد الوطني العام، بالإضافة إلى مشروع “انطلاقة” لإعادة تنظيم الرقم الوطني، مما يسهم في إزالة العوائق أمام إجراء الانتخابات. وتنص المادة 4 على تشكيل لجنة عمل مشتركة تهتم بالمسار الاقتصادي والمالي وحوكمة الحكم المحلي، وهي مكلفة بضمان وضع معايير وآليات شفافة للتوزيع العادل للميزانيات والبرامج التنموية بين المحليات، ومعالجة الخلل في الناتج القومي الإجمالي ومراجعة أداء القطاعات الإنتاجية، ودعم كفاءة الهياكل المحلية لتنفيذ مخصصات التنمية، ودعم الشفافية ومكافحة الفساد وتعزيز اللامركزية، ومراجعة التشريعات الاقتصادية والمالية بهدف الإصلاح والتطوير.
وتشير المادة 5 إلى تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة الملف الأمني، تتولى متابعة تنفيذ نتائج الاجتماع المشترك بين لجنتي الدفاع والأمن القومي بالمجلسين الذي عقد في أغسطس 2024، والعمل على إزالة العوائق أمام استكمال مهام اللجنة العسكرية 5+5، وتقديم خطة عمل بالتنسيق مع الجهات المختصة بالأمن القومي لتعزيز الأمن وفرض سيادة الدولة، وكذلك تقديم خطة لتفعيل سيطرة الدولة على الحدود والموانئ والمعابر.
وبحسب المادة 6، سيتم تشكيل لجنة مشتركة لاستكمال عملية إعادة تكليف المناصب السيادية. وستتولى اللجنة إعادة النظر في معايير الترشح لتولي المناصب السيادية، ووضع آلية لتقديم طلبات الترشح وآلية للاختيار، بما يضمن توافق الأطراف السياسية كما هو منصوص عليه في الاتفاق السياسي الليبي. وبموجب الاتفاق يتم تشكيل لجنة مشتركة بين المجلسين في المادة 7 لمتابعة ملف الأموال المهربة وغسيل الأموال، التي ستتولى اقتراح التشريعات ومتابعة تنفيذها.
ووفقا للمادة 8، يجب أن تقدم اللجان تقاريرها النهائية خلال شهر من تاريخ أول اجتماع لها. ومن المقرر أن يكون الاجتماع القادم للمجلسين في مدينة درنة، في نهاية يناير 2025. ودعا رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد إلى وجود رعاية وإشراف دولي على مخرجات حوار أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة في بوزنيقة بالمغرب.
وحسب تغريدة على حسابه الشخصي في موقع إكس الخميس، رحب حماد بما توصل إليه المجتمعون في بوزنيقة، خصوصا في ما يتعلق بإنشاء سلطة تنفيذية جديدة من مجلس رئاسي وحكومة جديدين، وأشار إلى ضرورة مشاركة مجموعة من الجهات في الإشراف على تنفيذ مخرجات بوزنيقة، وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي، إضافة إلى الدول الأخرى الشقيقة والصديقة الداعمة لحل النزاع في ليبيا وإنهاء الانقسام السياسي، وهي مصر والإمارات والمغرب والولايات المتحدة وتركيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا. وقال حماد “تابعنا الخطوات الإيجابية التي بذلها مجلسا النواب والدولة، والتي جسدت المعنى الحقيقي لفكرة أن الحوار لا بد أن يكون ليبيا – ليبيا حتى تتحقق أهدافه بشكل صحيح.”
◙ رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة زعم أن تعدد المتدخلين بالشأن الليبي يحول دون إنهاء المراحل الانتقالية
في المقابل، أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة استمراره في التمسك بمنصبه، وقال خلال فعاليات منتدى الاتصال الحكومي، إن تمديد المراحل الانتقالية أمر مرفوض، وتشكيل أي حكومة جديدة يجب أن يتم عبر برلمان جديد. واعتبر الدبيبة أن أعضاء مجلس النواب الحالي لا يريدون إلا الاستمرار في مناصبهم، وبمساندة بعض الدول.
وتابع “أنا أول المتنازلين للحكومة الجديدة، إذا ما أنجزت القوانين الانتخابية العادلة”، مشيرا إلى أن “الانتخابات الرئاسية مختلف عليها من الأطراف السياسية، وليس من الليبيين”، ومشددا على أنه “ينبغي إنجاز الدستور للذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، أو الوصول إلى قوانين عادلة.” وزعم الدبيبة أن تعدد الأطراف التي تدخلت بالشأن الليبي هو ما يحول دون إنهاء المراحل الانتقالية في ليبيا، والليبيون لم يكونوا منقسمين يوما من الأيام.
وقالت أوساط ليبية مطلعة من العاصمة طرابلس إن الدبيبة يعتمد على ممثلي تيار الإسلام السياسي والمقربين منه داخل مجلس الدولة للعمل على عرقلة الاتفاق تحت إدارة مباشرة لمحمد تكالة الذي لا يزال يتنازع رئاسة المجلس مع الرئيس المنتخب خالد المشري. وأوضح عضو مجلس النواب عصام الجهاني أن “حوار بوزنيقة في المغرب بين أعضاء من مجلسي النواب والدولة يعد تحريكا للمياه الراكدة”، مشيرا إلى أنه “لذلك هو حوار إيجابي.”
وقال “نحن لا ننتظر الأمم المتحدة حتى تعطينا التعليمات بعقد اجتماعات لأن المشكلة والحلول ليبية صرفة، والجميع يريد الانتخابات ونحن كمجلس نواب ندعم وبكل قوة المسار الانتخابي”، لافتا إلى أن “مشاريع إعادة الإعمار التي تشهدها المنطقة الشرقية والوسطى تعد مثالا حيّا عن الإنجاز والاستقرار، والمسودة التي تم نشرها خلال اجتماع بوزنيقة لم تكن نهائية وربما تكون تأسيسا لما هو قادم، وإحاطة المبعوثة الأممية بالإنابة لم يكن فيها جديد.”
وخلال مؤتمر صحفي بمدينة بوزنيقة مساء الأربعاء، قالت عضو مجلس النواب الليبي سارة السويح إن انطلاقا من الإعلان الدستوري وتعديلاته، والاتفاق السياسي، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، فضلا عن اتفاق المرحلة التمهيدية الموقع بين الأطراف الليبية في جنيف، واستنادا إلى القوانين الانتخابية المنجزة من قبل لجنة 6+6، واعتمادا على الوثيقة الصادرة عن لقاء القاهرة بين أعضاء المجلسين، تم الاتفاق على إنجاز الاستحقاق الانتخابي وفق القوانين الانتخابية، وإعادة تشكيل السلطة التنفيذية تأسيسا على المادة 4 من الاتفاق السياسي الليبي المعتمد بقرار مجلس الأمن رقم 2259 لسنة 2015، وتقدمت بجزيل الشكر ووافر الامتنان والاحترام والتقدير للمملكة المغربية ملكا وشعبا وحكومة على رعايتها للحوار الليبي – الليبي، من أجل التوصل إلى حل توافقي بين الأطراف الليبية. وأشارت إلى أن الاجتماع التشاوري بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في بوزنيقة، خلال الفترة ما بين الثامن عشر والتاسع عشر من ديسمبر الجاري، لم يكن إلا مرحلة من هذا المسار.
وأبرز عضو مجلس الدولة عادل كرموس أن لقاء أعضاء مجلسي النواب والدولة في بوزنيقة المغربية يأتي في إطار جهود استكمال لقاءات تونس والقاهرة ومخرجاتها، وقال إن “توحيد السلطة التنفيذية يتصدر أجندة اجتماع بوزنيقة التشاوري للوصول إلى انتخابات متزامنة، وأن جهود المجلسين تكللت بالنجاح في لقاء المغرب نتيجة اتفاق الأعضاء”، مردفا “توصلنا إلى اتفاقات عدة في ما يخص السلطة التنفيذية والمناصب السيادية ومكافحة الفساد وتهريب الأموال والإدارة المحلية، وجرى تشكيل لجان مشتركة في الملفات المذكورة لوضع خطة طريق وستعرض على المجلسين لاعتمادها، والبدء في تنفيذها فور اعتمادها.”
وبحسب المراقبين، فإن اتفاق بوزنيقة الذي تم برعاية المملكة المغربية يعتبر فرصة نادرة لحلحلة الأزمة واستعادة القوى الوطنية الليبية مبادرة الحل بدل الاستمرار في الخضوع للعبة الابتزاز والتجاذبات الدولية لاسيما مع اتساع دائرة الصراع الإقليمي والدولي والنفوذ في المنطقة.