مجتمع من المطلقات والأرامل اخترن الحياة دون الجنس الآخر

التجوال في قرية السماحة المصرية يكشف سوء الأبنية الخدماتية، ويُظهر الفضاءات وكأنها مهجورة وغير صالحة للآدميين.
السبت 2018/03/03
محاولة للحفاظ على أسر تعيش دون عائلها

أسوان (مصر) – تهدف قرية السماحة التابعة لمحافظة أسوان جنوب مصر إلى الحفاظ على الأسر التي تعيش دون عائلها من التشرد والجوع والضياع، وتتم متابعة السيدات من وقت لآخر، خصوصا أن النساء في الصعيد قد يتزوجن زواجا قبليا دون أوراق رسمية، ما يخلق صعوبة في سحب الأرض من السيدة التي تتزوج بهذه الطريقة.

وفي جولة على أرض الواقع، اقتربت “العرب” من هذا المجتمع النسائي، الذي تعيش فيه كل سيدة، مطلقة أو أرملة، وفق شروط وضعتها وزارة الزراعة قبل تأسيس القرية عام 1998، وتقضي تلك الشروط بمنح كل واحدة منهن ستة أفدنة زراعية  وبيتا تسكن فيه مع أطفالها، من دون وجود رجل.

وظهور الجنس الآخر في حياة أي منهن، يجبرها على أن تترك القرية وتتخلى عما تمتلكه لمستفيدة أخرى، وإذا كبر أحد أبنائها وقرر الزواج فعليه الرحيل، أما الأفدنة الستة فلا بد من استغلالها في زراعة كافة المحاصيل، عدا قصب السكر المتواجد بكثرة في محافظة أسوان، وهو منهج تسير عليه نحو 303 سيدات ممن اخترن هذه الحياة.

تعتبر قرية السماحة التابعة لمحافظة أسوان جنوب مصر، إحدى قريتين خصصتهما وزارة الزراعة للأرامل والمطلقات، ضمن مشروعين أقيما لاستصلاح الأراضي، أولهما عرف باسم ‘وادي الصعيد’، أما المشروع الثاني فهو ‘مشروع النوبارية’ المقام بمحافظة البحيرة في دلتا مصر

وبمجرد أن تطأ قدماك طريق القرية الترابي، يخطف بصرك منظر الحقول المزروعة بمحاصيل الكركدية والحنة اللتين تشتهر بهما أسوان، وتطالعك وجوه السيدات ببشرتهن السمراء وملامحهن الطيبة في ملابسهن الريفية البسيطة، ينكفئن على أعمالهن في الحقول، فواحدة تنظف محصولها من الحشائش الضارة، وأخرى تقص بآلة حادة تسمى “المحش” نبات البرسيم كي تقدمه وجبة غذائية للبهائم التي ترعاها.

وفي قرية النساء، سيدة ستينية تدعى الحاجة فايزة حسن، وكنيتها أم أحمد، والابتسامة لم تفارق وجهها البشوش وهي ترفع المياه من إحدى الترع المحفورة وسط الحقول، وما أن يمتلئ الدلو حتى تضعه أمام الجاموسة لتشرب منه، فهي تتعامل معها كأنها رفيق في رحلة الزرع والحرث.

وبدأت أم أحمد حديثها مع “العرب” قائلة إنها أتت إلى هذا المكان بصحبة أطفالها الخمسة، وكان أصغرهم يبلغ من العمر نحو أربعة أعوام، ومثلت القرية بالنسبة للعجوز الأمل بعد أن مات زوجها وبقيت بلا عائل، وأشارت إلى أن حال المكان تبدل للأسوأ الآن.

وشكت من ندرة مياه الشرب التي باتت غير متوفرة، ويقوم قاطنو القرية بشرائها، كما أنهم يتناوبون ري المحاصيل، بسبب توافر مياه الري ثلاثة أيام فقط كل أسبوع، ما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه الجوفية وبوار الكثير من الأراضي.

ويكشف التجوال في القرية سوء الأبنية الخدماتية مثل الوحدة الصحية ومركز الشباب، وظهرت هذه الأماكن وكأنها مهجورة غير صالحة للآدميين، بل أصبحت مأوى لحيوانات المزرعة بعد أن انكسر زجاج نوافذها وفقدت أجزاء من جدرانها.

وبسبب هذا المناخ ومع تقدم الحاجة فايزة في العمر اضطرت إلى تأجير أرضها، لأنه لم يعد أحد يساعدها في العمل بعد أن فارقها الأبناء بسبب الزواج أو الالتحاق بالجامعة، فضلا عن أن ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات الكيميائية يفوق طاقتها المادية.

وكشفت عن معاناتها قائلة: في بداية استلام الأرض أكد المسؤولون أن نظام الري سيكون بالرش الذي يحتاج إلى وفرة المياه بغزارة، لكن تبدل الحال وذهبت الوعود واكتشفت أن أقرب مضخة للمياه التي تعتمد عليها في الرش وري الأرض، تبعد نحو تسعة كيلومترات عن الأرض.

وأشارت إلى تعرضها وزميلاتها في بادئ الأمر لسرقة كافة المعدات الزراعية، ما كبد نساء القرية أموالا إضافية لشراء ماكينات ري بديلة. ولا تقيم بعض النساء في قرية السماحة إقامة كاملة لعدم وجود مدارس لتعليم أبنائهن، ما يضطرهن للبقاء في القرى المأهولة بالسكان والتي تبعد نحو ساعة بالسيارة ذهابا وعودة، وبالتالي فهن يقضين النهار في الزراعة، ثم يعدن إلى قراهن التي تركن فيها أطفالهن مساء، والمشكلة أن عدم وجود المدارس جعل الكثير من النساء يحرمن أولادهن من التعليم.

ولفتت أم أمنية (سيدة خمسينية) إلى أنها اضطرت إلى ترك أبنائها في قرية أخرى تبعد نحو 40 كيلومترا، من أجل الحاقهم بالتعليم، وتأتي إلى القرية في الصباح الباكر عقب ذهاب الأبناء إلى المدرسة، وبعد يوم شاق من العمل تعود إليهم عند الغروب.

واختارت اللجوء إلى قرية النساء بعد انفصالها عن زوجها قبل 12 عاما، لا سيما مع توافر كافة شروط إقامتها، وبدأت تأسيس بيتها بأثاث بسيط  للغاية، لدرجة أنها افترشت وأطفالها الحصير، ومثلها مثل كافة نساء القرية عملت أم أمنية في زراعة المحاصيل، خاصة محصولي القمح والبرسيم.

Thumbnail

ولم تختلف الشكاوى من أحوال القرية من سيدة لأخرى، واتفقن جميعهن على ندرة المياه وعدم تمهيد الطرق المؤدية إلى القرية، ما يجعل هناك صعوبة في نقل الأسمدة والمبيدات اللازمة للعناية بالمحاصيل من القرى المحيطة.

إحدى سيدات القرية، وتدعى سناء، أتت إلى هذا المكان منذ عشرة أعوام بعد أن توفي زوجها، قالت لـ”العرب” إن أخطر المشكلات التي تواجههن هو عدم وجود مستشفى، لافتة إلى إصابة الكثيرات من لدغ الثعابين والعقارب، بينما يتعرض الأطفال للإصابة بالحمى، ولا مفر من قطع مشوار يبلغ نحو ثلاثين كيلومترا للوصول إلى أقرب مستشفى، واستئجار سيارة بنحو ثلاثة دولارات.

ولم تخف كل هذه المشكلات عن مسؤول مشروع وادي الصعايدة حمدي الكاشف، وأكد لـ”العرب” أنه يسعى جاهدا لتذليلها، مفسرا مشكلة مياه الري بأنها تعود إلى أن هيئة استصلاح الأراضي اختارت من البداية طريقة الري الحديثة للأراضي، التي لا تصلح للقرية بسبب عدم وفرة المياه، لذا تحتاج النساء إلى ماكينات رفع تكبدهن مصاريف كثيرة في الوقود والصيانة.

وأضاف الكاشف أن القرية التي تقارب مساحتها ألفي فدان، كانت في سنواتها الأولى أفضل بكثير من حالها الآن، بسبب تلقيها مساعدات مادية وعينية من جهات حكومية ومنظمات دولية.

وكان برنامج العون الغذائي يمنح النساء قروضا ميسرة تسدد على فترات طويلة، إضافة إلى قرض عبارة عن 5 أغنام وكبش، وكذلك تزويدهن بجرار زراعي لحرث الأرض وماكينة ري لرفع المياه من الترعة إلى الحقول الزراعية، حيث لفت الكاشف إلى أن انقطاع التمويلات تسبب في تردي أحوال القرية.

21