متى يموت الأمير؟
لم أنس فيلم التونسي ناصر الخمير "طوق الحمامة المفقود" الذي كنت قد شاهدته في إحدى دور العرض الدمشقية في عام 1991، وكان الفيلم استعادة قصدية ومدهشة لزمن قديم وإشكالي مليء بالتساؤلات والسحر والبلاغة والانهيارات، صوّره ابن حزم الأندلسي في كتابه "طوق الحمامة في الألفة والإيلاف"، وابن حزم هذا هو أكبر علماء الأندلس وأكبر علماء الإسلام تصنيفا وتأليفا بعد الطبري، وقد كان متكلما، أديبا وشاعرا وناقدا محللا ووزيرا سياسيا لبني أمية، سلك طريق نبذ التقليد وتحرير الأتباع، فقامت عليه جماعة من المالكية وعاش منفيا عن وطنه، حتى دفعتني مشاهدة الفيلم إلى البحث في حيّ المسكية قرب بوابة الجامع الأموي عن كتاب ابن حزم فعثرت عليه في طبعة قديمة، أما أحد أبطال ناصر الخمير في شريطه الثمين فكان فتى يتجوّل على طول الزمن وعرضه.
ومن مشاهده العميقة، مشهدٌ يسأل فيه الصغير عجوزا ينسج قطعة قماش: "ماذا تفعل يا جدّي؟ قال العجوز"أنسج كفنا للأمير، قال الفتى: ومتى تنتهي من نسج الكفن يا جدي؟ قال العجوز: عندما يموت الأمير، سأل الفتى: ومتى يموت الأمير يا جدي؟
وظلّت تلك الدائرة المتواصلة ما بين الكفن والأمير والعجوز والنسج وأسئلة الفتى في ذهني طويلا، حتى بدأت الثورة السورية تنسج كفنا للأمير الدموي الذي ورث الشام، وردة العرب، بمن عليها قبل ثلاثة عشر عاما، فأحببت أن أطلّ على الكفن ومن ينسجه، فلم أجد من حكمة عجوز ناصر الخمير شيئا يُذكر، فلا الكفن يُنسج، ولا الأمير يموت، فعلمت أن للتاريخ حكمةً في تدوير الصلات ما بين الخلق، لتنضج الظروف، ويفني الجاهلُ الجاهلَ، فلا تبقى سوى الأجيال الجديدة التي ستعيش على الحب والحرية والجمال.