متلازمة ما بعد كوفيد: تهديد لحياة المصابين وإطالة في عمر الوباء

أدت حملات التطعيم وتوزيع اللقاحات المضادة لفايروس كورونا في عدد من الدول إلى حالة من التفاؤل العالمي بقرب نهاية الوباء، لكنّ مجموعة من خبراء الصحة يحذرون من عقبة لا تقل أهمية عن الوباء ألا وهي كوفيد طويل الأمد الذي يتطلب قدرا مماثلا من الاهتمام العاجل من قبل الأوساط العلمية والطبية للحد من تأثيراته على المصابين واستنزاف الجهود الصحية والموارد المالية.
لندن- يواجه الملايين من الأشخاص المتعافين من كورونا أعراضا مرضية طويلة الأمد تجعل شفاءهم بشكل تام وعودتهم إلى نسق حياتهم الطبيعي من الأمور البعيدة المنال، فبعد مضى أسابيع وحتى أشهر طويلة من التعافي، لا يزال العديد من المرضى يعانون من مشاكل صحية مستمرة.
وفي مؤشر إلى مدى الغموض المحيط بهذه المسألة، لم يتم إعطاء اسم حقيقي لهذه الظاهرة التي يشار إليها باسم “كوفيد طويل الأمد”.
وتتحدث منظمة الصحة العالمية عن “متلازمة ما بعد كوفيد – 19″أو”كوفيد – 19 الطويل الأمد”، في وثيقة عرضت فيها مؤخرا توصياتها الجديدة. والعبارة الأكثر استخداما هي “كوفيد طويل الأمد”.
وبينما يحاول الباحثون فهم ما يسمى بـ”كوفيد طويل الأمد” ومدى تأثيره على المتعافين من الفايروس، تفتح أعداد متزايدة من العيادات المتخصصة أبوابها للتعامل مع المرضى الأكثر تضررا من المشاكل الصحية طويلة الأمد.
وتتطلب المشاكل الصحية المستمرة بسبب الإصابة بكوفيد – 19 قدرا مماثلا من الاهتمام العاجل بالمصابين ما يزيد في استنزاف الجهود الصحية والموارد الاقتصادية، ويعمق أزمات الوباء ويطيل أمد بقائه إلى أجل غير مسمى.
وأكد الفرع الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية أن مرض “كوفيد طويل الأمد” يؤثر بشكل غامض على عدد كبير من مرضى الوباء ويجب أن يمنح “أهمية قصوى” من جميع السلطات الصحية في كل أنحاء العالم.
وقال مدير المنظمة الإقليمي لأوروبا هانس كلوغه في مؤتمر صحافي “إنها أولوية واضحة لمنظمة الصحة العالمية ويجب أن تكون كذلك لكل السلطات الصحية”.
وأشار إلى أن تقارير الأعراض طويلة الأمد وردت بعد وقت قصير من اكتشاف الإصابة بالوباء، مضيفا أن بعض المرضى “قوبلوا بعدم التصديق أو قلة الفهم”. وأوضح أن هؤلاء المرضى “في حاجة إلى الاستماع إليهم إذا أردنا فهم التبعات طويلة الأمد وتعافيهم من كوفيد – 19”.
وتأتي هذه الدعوة في وقت تركز السلطات الصحية خصوصا على حملات التحصين من أجل محاولة كبح انتشار الوباء ومواجهة التهديد الذي تطرحه النسختان البريطانية والجنوب أفريقية من فايروس كورونا، وهما اللتان تقفان وراء موجة جديدة من الإصابات.
أعراض المرض
يعاني معظم المصابين بـ”متلازمة ما بعد كوفيد” من التعب وضيق التنفس وآلام الصدر وآلام المفاصل والاضطرابات المعرفية و”ضباب الدماغ”، وهي أعراض تستمر لمدة أربعة أسابيع أو أكثر بعد الإصابة بفايروس كوفيد – 19 ويمكن أن تتراوح شدتها من الإزعاج إلى العجز تماما عن ممارسة الحياة الطبعية.
كما واجه البعض خللا في وظائف الأعضاء تشمل القلب والرئتين والدماغ بشكل خاص، حتى بين أولئك الذين لم تظهر عليهم أعراض ملحوظة خلال مرحلة الإصابة الحادة بالفايروس.
ويثبت ذلك أن كوفيد – 19 ليس مجرد إنفلونزا كما يقول الذي ينكرون وجود الوباء، لكنه يخالف أيضا رأي الذين يدعون إلى عزل الأشخاص ذوي البنية الهشة فقط، من أجل احتواء تفشي الوباء.
وعلى الرغم من أن معظم أعراض كوفيد – 19 الطويلة الأمد لا تبدو مهددة للحياة، إلا أن دراسة جديدة نُشرت في مجلة “نيتشر” الطبية وجدت أن المصابين يواجهون خطر الوفاة بنسبة تصل إلى 59 في المئة في غضون ستة أشهر من جراء العدوى بالفايروس، أي حوالي ثماني وفيات إضافية لكل ألف مريض بكوفيد – 19، مما يزيد من خسائر الوباء الخفية.
مدى انتشار الأعراض
لم يدرس الباحثون حالات كافية من المصابين بفايروس كوفيد – 19 خلال فترة زمنية كافية، لقياس التأثيرات طويلة المدى أو ما يسميه الأطباء بمتلازمة ما بعد الشفاء من كورونا لمعرفة نسبة المرضى الذين سيعانون منها، أو إلى متى ستستمر تلك الأعراض، ومع ذلك أصبح هناك انتشار للعيادات المتخصصة حول العالم التي يقبل عليها الكثيرون لمساعدة الناجين على التعامل مع التليف الرئوي وتلف القلب المزمن والتعب والحالات الأخرى.
وقدر مكتب الإحصاءات الوطنية في المملكة المتحدة في ديسمبر 2020 أنه من بين الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بفايروس كورونا تظهر الأعراض على حوالي خمس المصابين لمدة خمسة أسابيع أو أكثر، ولدى حوالي عُشر المصابين لمدة 12 أسبوعًا أو أكثر، ويمكن أن تكون النتائج أسوأ بالنسبة لأولئك الذين دخلوا المستشفى بسبب الإصابة الحادة بكوفيد – 19.
ووجدت دراسة أخرى أجريت في بريطانيا أن 7 من كل 10 مرضى لم يتعافوا تمامًا بعد خمسة أشهر من الخروج. وقد تتأثر المخاطر أيضًا بمدى خطورة المرض والعمر والجنس والعرق والدخل والظروف الطبية الأساسية.
وذكرت دراسة صغيرة أجرتها جامعة واشنطن أن مدة استمرار أعراض كوفيد – 19 يمكن أن تصل إلى تسعة أشهر. ووجدت دراسة أجريت على عينة أكبر، وشملت ما يقرب من 240 ألف مريض بكوفيد – 19 أن واحدًا من كل ثلاثة تلقى تشخيصًا عصبيًا أو نفسيًا في غضون ستة أشهر من الإصابة.
من المسؤول؟
ليس بالضرورة أن تكون الإصابة بكوفيد – 19 هي المسؤولة عن هذه الأعراض طويلة الأمد، فقد يحدث بعضها عن طريق الصدفة أو قد ينجم عن التوتر والقلق الناجمين عن الوباء.
وقارنت دراسة أجريت على العاملين في مجال الرعاية الصحية في مستشفى سويدي الأعراض المستمرة بين أولئك الذين تعافوا من كوفيد – 19 المعتدل قبل ثمانية أشهر على الأقل، وأولئك الذين لم يصابوا بفايروس كورونا. وأبلغ ثمانية في المئة من بين المصابين عن استمرار الأعراض التي تسببت لهم في اضطرابات متوسطة إلى ملحوظة في حياتهم العملية، مقارنة بأربعة في المئة في المجموعة غير المصابة.
وأدت حالات عدم اليقين في بعض الأحيان إلى ما وصفه بعض المرضى بعدم أخذ خبراء الصحة والأطباء لشكواهم من هذه الأعراض على محمل الجد، خاصة إذا كانت المريضة امرأة.
الآثار الأوسع
يقول بعض الباحثين إن الوباء قد يحفز مجموعة من المشاكل طويلة الأمد مثل متلازمة التعب المزمن والخرف ومرض باركنسون والسكري والضعف الكلوي. كما لوحظ ارتفاع في علاجات الاكتئاب والقلق والألم القلق والجرعات الزائدة من المواد الأفيونية.
وأبلغت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها عن زيادة في وفيات الجرعات الأفيونية الزائدة في عام 2020. وكشف انخفاض ساعات العمل التي أبلِغ عنها في 69 في المئة من المرضى إلى أن الوباء يؤثر على إنتاجية العمال. ويمكن أن يكون لجزء صغير من الوهن طويل الأمد عواقب اجتماعية واقتصادية هائلة، وهذه المشاكل قد تتضخم أكثر إذا استمرت الأزمة لسنوات أو عقود.
متلازمة الفايروسات
تحدث ما يسمى بمتلازمات ما بعد الفايروس عند الإصابة بأنواع مختلفة من الأمراض الفايروسية، بما في ذلك نزلات البرد والأنفلونزا وفايروس نقص المناعة البشرية والحصبة والتهاب الكبد والسكري المرتبط بسارس كوف 2. وحددت دراسة كندية 21 من العاملين في مجال الرعاية الصحية من تورنتو الذين ظهرت عليهم أعراض ما بعد الفايروس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات بعد الإصابة بالسارس في 2003 ولم يتمكنوا من العودة إلى عملهم.
ووجدت دراسة أجريت على 55 مريضًا نُشرت في عام 2010 أن بعض الأشخاص الذين نقلوا إلى المستشفى بسبب السارس في هونغ كونغ عانوا من ضعف وظائف الرئة لأكثر من عامين. ومع ذلك، لا يزال من غير المعروف ما إذا كانت آثار السارس تنطبق على كوفيد – 19.
الإجراءات المتخذة
في الولايات المتحدة، قدم الكونغرس 1.15 مليار دولار كتمويل على مدى أربع سنوات للمعاهد الوطنية للصحة لدعم البحث في آثار كوفيد – 19 طويلة المدى. وتأمل سلسلة الدراسات الإجابة على أسئلة مثل الأسباب البيولوجية الكامنة وكيفية معالجتها والوقاية منها.
ويضغط بعض الباحثين على الحكومات لتركيز الانتباه على معدلات العدوى والتطعيم وعلى احتمال تلف الأعضاء على المدى الطويل. وعلى سبيل المثال، أظهر الباحثون أن سارس كوف 2 يمكن أن يصيب أنسجة البنكرياس المنتجة للأنسولين، مما قد يؤدي إلى الإصابة بمرض السكري الذي يستمر في بعض الحالات بعد الإصابة الحادة بالفايروس. ودفع ذلك جامعة موناش الأسترالية وكلية كينغز في لندن إلى إنشاء سجل عالمي لدراسة مرض السكري الناتج عن الوباء.