متحوّرات كورونا: أشد عدوى وأكثر مقاومة وفي ازدياد

باريس – ظهرت متحوّرات إنجليزية وجنوب أفريقية وبرازيلية والآن هندية لفايروس كورونا حول العالم وأدت إلى طرح العديد من الأسئلة.
وتعتبر ثلاث من النسخ المتحورة “مثيرة للقلق” على المستوى العالمي، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية هي تلك التي اكتُشفت لأول مرة في إنجلترا وجنوب أفريقيا وفي اليابان (ولكن لدى مسافرين قادمين من البرازيل، ومن هنا عرفت باسم “المتحورة البرازيلية”.
وكانت هذه المتحورات منتشرة على التوالي في 139 و87 و54 دولة على الأقل، وفقا لمنظمة الصحة العالمية. وهي تنتمي إلى هذه الفئة وفق تعريف منظمة الصحة العالمية نظرا لزيادة قابليتها للانتقال من شخص إلى آخر وضراوتها، ما يؤدي إلى تفاقم الوباء ويزيد من صعوبة السيطرة عليه.
ويختلف عدد المتحورات “المثيرة للقلق” في كل بلد، اعتمادا على الوضع المحلي. فعلى سبيل المثال، تحصي الولايات المتحدة خمسا منها وفقا لتصنيف المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها وهي الثلاث المنتشرة في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى اثنتين رصدتا في البداية في كاليفورنيا.
الفئة التي تليها هي فئة “المتحورات المثيرة للاهتمام”، والتي يفترض أن تخضع للمراقبة نظرا لخصائصها الجينية التي قد تطرح إشكالية.
وفي الوقت الحالي، تصنف منظمة الصحة العالمية سبعا منها على المستوى العالمي، في حين كان عددها ثلاثا في نهاية مارس. وآخر من انضم إلى هذه الفئة الثلاثاء هي المتحورة التي رُصدت في البداية في الهند. وهي تثير مخاوف بسبب التدهور السريع للوضع الصحي في هذا البلد.
واكتُشفت “المتحورات المثيرة للاهتمام” الأخرى في البدء في اسكتلندا والولايات المتحدة والبرازيل وفرنسا (في منطقة بريتاني) أو الفلبين.
وأخيرا وبالإضافة إلى هاتين الفئتين الرئيسيتين، ينتشر العديد من المتحورات الأخرى التي يسعى المجتمع العلمي إلى رصدها وتقييمها.

ويوضح إتيان سيمون لوريار رئيس وحدة الجينوميات التطورية للفايروسات التقهقرية في معهد باستور بباريس، أن “الأسابيع والأشهر القادمة ستخبرنا عما إذا كانت تندرج في فئة المتحورات المثيرة للقلق الشديد والتي تنتشر بسرعة كبيرة، أم أنها ستظل متحورات تنتشر دون أن تثير الكثير من الضوضاء”.
وأيا كان وضعها تصنف كل هذه المتحورات حسب الأسرة أو “السلالة”. واعتمادا على الطفرات التي حصلت فيها، فهي تحتل مكانا محددا في شجرة عائلة فايروس سارس-كوف-2 الأصلي.
ولا يعد ظهور المتحورات مفاجئا بحد ذاته، فهذه عملية طبيعية إذ يكتسب الفايروس طفرات بمرور الوقت لضمان بقائه.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن “جميع الفايروسات، بما في ذلك سارس-كوف-2 تتغير بمرور الوقت، وهذا يؤدي إلى ظهور متحورات جديدة معظمها ليس له تأثير من ناحية الصحة العامة”.
ومن ثم فإن طفرة تُسمى N501Y وهي شائعة في المتحورات الإنجليزية والجنوب أفريقية والبرازيلية هي التي يُشتبه في أنها تجعل الفايروس أكثر قابلية للانتقال. وتحمل المتحورتان الجنوب أفريقية والبرازيلية طفرة أخرى تُسمى E484K يشتبه في أنها تقلل المناعة المكتسبة، إما عن طريق عدوى سابقة (مع زيادة احتمال الإصابة مرة أخرى إذن) وإما عن طريق اللقاحات.
ويثير الأمر إرباكا لدى الناس العاديين خاصة وأن هذه المتحورات تحمل أسماء متخصصة للغاية، عدا عن غياب التنسيق الدولي. فعلى سبيل المثال، تُسمى المتحورة الإنجليزية 501Y.V1 أو VOC202012/01 وتنتمي إلى السلالة B.1.1.7.
ولذلك فإن مسميات المتحورات الإنجليزية أو الجنوب أفريقية أو البرازيلية أو الهندية مفهومة أكبر لغير المتخصصين، لكن العلماء لا يحبذونها، لأنهم يعتبرون أنها تترك وصمة على البلدان التي تنسب إليها.
وهناك إجماع على هذه النقطة في ما يتعلق بـ”المتحورات الثلاث المثيرة للقلق”. لكن هذا لا يعتمد في الوقت الحالي سوى على البيانات الوبائية: يراقب الباحثون مدى سرعة انتشار هذه المتحورات ويستنتجون مدى كونها معدية.
النسخة البريطانية لكورونا صنفت على أنها أكثر فتكا بنسبة 64 في المئة من الفايروس الكلاسيكي
ومن ثم لا يسمح لنا هذا بالحصول على رقم قاطع، لأن النتائج قد تختلف اعتمادا على القيود المفروضة في المناطق المعنية.
وبناء على الدراسات المختلفة، تقدر منظمة الصحة العالمية أن المتحورة الإنجليزية أشد عدوى بنسبة 36 في المئة إلى 75 في المئة. وفي تقرير نُشر في نهاية مارس، استشهدت المنظمة أيضا بدراسة أجريت في البرازيل خلصت إلى أن المتحورة البرازيلية يمكن أن تكون أكثر قابلية للانتقال بمرتين ونصف المرة.
وتحوم شكوك مماثلة حول المتحورة الهندية، هذه المرة بسبب “مزيج من طفرتين معروفتين بالفعل ولكن لم يتم الربط بينهما من قبل”، وفق المجلس العلمي الذي يسدي المشورة للحكومة الفرنسية. وهذه الخاصية يمكن أن تعطيها “قابلية أكبر للانتقال، ولكن لا يزال يتعين إثبات ذلك على المستوى الوبائي”، وفق ما أكد المجلس في تقرير نُشر الاثنين.
ويمكن أخذ عوامل أخرى في الاعتبار في التدهور الملحوظ حاليا في الهند. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يمكن تفسير ذلك جزئيا من خلال “تجمع أعداد كبيرة من الناس أثناء المهرجانات الثقافية والدينية أو الانتخابات”، مع عدم احترام التعليمات الصحية.
وتعمل عدة فرق من الباحثين حول العالم على تحليل الخصائص البيولوجية للمتحورات الرئيسية، أملا في معرفة السبب الذي يجعلها أشد عدوى.
ويقول أوليفييه شوارتز رئيس وحدة الفايروسات والمناعة في معهد باستور ورئيس إحدى هذه الفرق، إن “هناك فرضيات يجب دراستها: ربما يكون الحمل الفايروسي أعلى، أو أن المتحورة يمكن أن تدخل الخلايا بسهولة أكبر أو أنها تتكاثر بسرعة أكبر”.
لكن مثل هذه الأبحاث تستغرق وقتا، وقد لا تكون الإجابات النهائية وشيكة.
وخلصت دراسة نشرت في 10 مارس أن النسخة الإنجليزية أكثر فتكا بنسبة 64 في المئة من فايروس كورونا الكلاسيكي، مؤكدة الملاحظات الأولية التي سجلتها السلطات البريطانية في نهاية شهر يناير.
لكن في منتصف أبريل، أدت أعمال أخرى إلى نتائج مختلفة تظهر أن هذه المتحورة لم تتسبب بأشكال أكثر خطورة من كوفيد – 19، مع أن إحدى هذه الدراسات ركزت على المرضى الذين أدخلوا إلى المستشفى. ومن ثم، فهي لا تسمح لنا بمعرفة ما إذا كانت المتحورة تتسبب بدخول عدد أكبر من المرضى إلى المستشفى من بين جميع المصابين.
وفقا للعديد من الدراسات المختبرية ونتائج الملاحظات الواقعية، لا تؤدي المتحورة الإنجليزية إلى التقليل من فعالية اللقاح بشكل كبير. ومن ناحية أخرى، تظهر دراسات في المختبر أن فعالية اللقاح يمكن أن تتأثر بفعل المتحورتين الجنوب أفريقية والبرازيلية، بسبب الطفرة E484K الشهيرة عليهما.
وتثير المتحورة الهندية مخاوف مماثلة بسبب طفرة قريبة (E484Q)، حتى وإن كانت البيانات المتاحة حاليا ما زالت قليلة. فقد خلصت دراسة أولية نشرت في 23 أبريل إلى أن لقاح كوفاكسين الذي طوره مختبر بهارات بايوتك الهندي أقل فعالية ضد هذه المتحورة منه ضد الفايروس الكلاسيكي، من حيث إنتاج الأجسام المضادة، لكنه يوفر مع ذلك حماية.
ويجدر هنا التنويه إلى أن هذا الأمر ينطبق على المتحورات الأخرى: حتى وإن كانت تجعل اللقاحات أقل فعالية، فهذا لا يعني أن التحصين لا يعود فعالا على الإطلاق.
وما يجدر ذكره أن هذه الدراسات التي تجري في المختبر تركز على استجابة واحدة من الجسم وهي إنتاج الأجسام المضادة، ولكنها لا تقيِّم الجزء الآخر من الاستجابة المناعية التي تُسمى “المناعة الخلوية” (وتأتي من الخلايا الليمفاوية التائية والبائية).
ولكن دراسة أميركية نشرت في 30 مارس تقدم إجابات أولية مطمئنة. وكتبت المعاهد الوطنية الأميركية للصحة على موقعها على الإنترنت أنه “على الرغم من الحاجة إلى دراسات أوسع، تقترح هذه النتائج أن عمل الخلايا الليمفاوية التائية.. لا يتأثر إلى حد كبير بالطفرات الموجودة في المتحورات الثلاث (الإنجليزية والجنوب أفريقية والبرازيلية) ويجب أن يوفر الحماية ضد المتحورات الناشئة”.
وبغض النظر، يعمل المصنعون على إصدارات جديدة من لقاحاتهم مصممة خصيصا للتكيف مع المتحورات.
وهذا التكيف أساسي، لأنه “يحتمل أن تستمر في الظهور متحورات يمكن أن تكون اللقاحات الحالية أقل فعالية ضدها”، كما يشير المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها.