متحف أميركي ينتصر للنساء في صراع التوازن بين الرسامين

المشرفون على متحف بالتيمور يسعون إلى إعادة تنظيم عدد كبير من قاعات العرض لإبراز قيمة النساء بصورة أفضل مع قبول الأعمال الموقعة من رجال على شكل هبات.
الثلاثاء 2020/02/11
أعمال موقعة من نساء

بالتيمور- كيف يمكن معالجة الخلل في التوازن بين النساء والرجال في الفنون؟ لمقاربة هذه الإشكالية، اتخذ أحد أهم المتاحف الأميركية مبادرة جريئة تقضي بحصر الأعمال التي سيستحوذ عليها سنة 2020 في إنتاجات فنية موقعة من قبل نساء.

ويضم متحف “بالتيمور ميوزيم أوف آرت” (بي.أم.أي) بولاية ميريلاند المتاخمة للعاصمة الفيدرالية الأميركية، أكبر مجموعة عامة لأعمال الفنان الفرنسي الشهير هنري ماتيس في العالم.

وفي نهاية 2019، أثار بيان ضجة كبيرة حول المتحف الذي تصدر اسمه كبرى الوسائل الإعلامية الوطنية، إذ أعلن معهد بالتيمور تعهده بـ“شراء أعمال موقعة من نساء حصرا” في 2020.

يقول مدير المتحف كريستوف بدفورد، “أظن أنه قرار راديكالي يحصل في الوقت المناسب في 2020”. وذلك لأن الولايات المتحدة تحتفل هذه السنة بالذكرى المئوية الأولى لإقرار التعديل التاسع عشر في الدستور والذي يكفل حق النساء في التصويت.

وقد شكلت هذه الذكرى مناسبة لمتحف بالتيمور لإجراء وقفة ضميرية في هذا الموضوع، فمن أصل أكثر من 95 ألف قطعة موجودة في المتحف، وحدها 4 في المئة موقعة من نساء بحسب بدفورد الذي يوضح مع ذلك، “نحن مؤسسة قام تاريخها -بشكل أساسي- على نساء قائدات”، إذ أن أول شخص أدار المتحف كان امرأة.

معهد بالتيمور يتعهد بـ"شراء أعمال موقعة من نساء حصرا"
معهد بالتيمور يتعهد بـ"شراء أعمال موقعة من نساء حصرا"

وسيخصص متحف بالتيمور تاليا هذه السنة ما يقرب من 2.5 مليون دولار للاستحواذ على أعمال نساء.

وهو يسعى إلى إعادة تنظيم عدد كبير من قاعات العرض داخله لإبراز قيمة النساء بصورة أفضل، كما سينظم عشرين معرضا لفنانات، لكنه سيستمر في قبول الأعمال الموقعة من رجال على شكل هبات.

وليس التفاوت في التمثيل بين الرجال والنساء حالة خاصة في متحف بالتيمور، إذ أن الهوة شاسعة في مجمل مجموعات المتاحف، وتنظيم معارض لفنانات شهيرات -من أمثال إليزابيت فيجيه لوبران، وفريدا كالهو، ولويز بورجوا- هما الاستثناء. وأولئك رسامات سجلن حضورهن في تاريخ الفن التشكيلي بقوة.

إليزابيت فيجيه لوبران، فنانة فرنسية سطع نجمها خلال القرن الثامن عشر كفنانة رسمية في بلاط ملك فرنسا لويس السادس عشر، تميزت لوحاتها بالتقشف وتجميل الصورة، خصوصا عندما يتعلق الأمر برسم بورتريهات النسوة، ولكن دون أن تحيد كثيرا عن الأصل، فأحدثت بذلك ثورة في العالم النسوي خلال تلك الفترة وحررت أجساد النساء لتكشف عن جمالهن الطبيعي.

واشتهرت  المكسيكية فريدا كالهو برسم البورتريهات،  وبفضل طريقة حياتها الحرة تحولت فريدا كاهلو (1907 – 1954) إلى أيقونة من أيقونات التمرد على الصعيد العالمي، وأصبحت صورتها اليوم واحدة من أكثر الصور استعمالا في مجال الفنون الجماهيرية.

وتعد الرسامة والنحاتة لويز بورجوا واحدة من أكثر الفنانين تأثيرًا وريادةً في القرن العشرين.. ولدت في فرنسا (1911 – 2010)، وقد ساهم رفضها التركيز على نمط أو موضوع واحد فقط، وكذلك تطرقها إلى موضوعات تتعلق بالجنس البشري والجسد، في ربطها بالأجيال الشابة من الفنانين. وبدأت بورجوا في الظهور على المستوى العالمي في أواخر الثمانينات.

معهد بالتيمور يقرر عرض أعمال لرسامات سجلن حضورهن في تاريخ الفن التشكيلي بقوة
معهد بالتيمور يقرر عرض أعمال لرسامات سجلن حضورهن في تاريخ الفن التشكيلي بقوة

وبيّنت دراسة نشرتها في 2019 مجلة “بلوس وان” أن 87 في المئة من الفنانين الذين توجد أعمالهم في 18 متحفا أميركيا كبيرا هم رجال.

وبين 2008 و2018، من أصل 260.470 عملا استحوذ عليه 26 متحفا أميركيا كبيرا، حمل 29.247 عملا فقط توقيع نساء أي ما نسبته 11 في المئة، بحسب دراسة لمجموعة “آرتنت” ومدونة “إين آذر ووردز” الصوتية.

هذا الأمر ناجم عن تمييز متعمد وغير مقصود عمره قرون عدة، بحسب كريستوفر بدفورد الذي يشير إلى أنه “لن يكون لدينا يوما أي متحف منصف حقيقة إلا في حال التنديد بهذه العادة وإيجاد وسيلة للتصدي لها”. وقد حظيت مبادرة متحف “بي.أم.أي” بإشادة كثيرين رأوا فيها “فكرة سديدة”، إلا أن ذلك لم يحل دون طرح تساؤلات.

تقول تيري هندرسون منظمة المعارض المقيمة في بالتيمور، إنها تنظر بحذر إلى وصف “راديكالي” الذي أطلقه المتحف على هذه المبادرة. وتضيف، “ألاحظ أن منظمات ومؤسسات تستخدم كلمة راديكالي كمصطلح رائج دون وضع برنامج أو بذل جهد يكون راديكاليا بالفعل”.

وتقول، “حسب علمي، فإن سنة من عمليات الاستحواذ (…) لا يمكنها إصلاح الخلل في عالم الفنون والمتاحف”، قد يكون ذلك “خطوة أولى لكنها خطوة صغرى”.

ويوافقها كريستوفر بدفورد الرأي، قائلا إن مبادرة متحف بالتيمور “ليست إلا البداية”. ويوضح، “آمل أن يكون قرارنا باكورة قرارات أخرى مشابهة (…) إنه عمل يرمي إلى إيقاظ الضمائر. من شأنه التعجيل في حركة لا متناهية في هذا الاتجاه”.

20