متاعب الحكومة التونسية تتعمق بإضراب عام في الوظيفة العمومية

تونس - يعكس الإضراب المُقرر تنفيذه غدا الخميس، تصعيدا خطيرا لعوامل التوتر السياسي والاجتماعي، التي بدأت تتراكم لترسم مساحة المأزق الراهن، الذي عمّق من أعباء ومتاعب رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، بالنظر إلى حجم الإكراهات التي لا طاقة ولا قدرة لحكومته على تحمّل تبعاتها.
ولم تُفلح اللقاءات الثنائية والاتصالات الجانبية التي تتالت، في إنتاج ما هو خارج السياق المُنتظر، حيث أكد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نورالدين الطبوبي، أن جلسة المفاوضات التي جمعته الثلاثاء برئيس الحكومة، يوسف الشاهد، فشلت في التوصل إلى اتفاق يُلغي الإضراب.
وقال في تصريحات للصحافيين، في أعقاب مفاوضاته مع الشاهد، “لم نتوصل إلى حل لأن القرار لم يعد وطنيا، وقدرُنا أن ننتظر الضوء الأخضر من وراء البحار”.
وأكد في المقابل، أن “إضراب 22 نوفمبر قائم، وقد أغلق باب التفاوض، والخيار اليوم هو تنفيذ الإضراب العام في قطاع الوظيفة العمومية”، مُجددا في نفس الوقت التأكيد على رفضه لما وصفه بـ”حوار الربع ساعة الأخير”، لأن “العبرة ليس في اللقاءات بل في مخرجات التفاوض”.
وأضاف أن “الاتحاد لا يرغب في التوترات من أجل التوترات، ولكن الإضراب، فُرض علينا…، وهو يمثّل ردا على السياسات الخاطئة، وهو مناسبة للذود عن السيادة الوطنية، ولحماية التفاوض، والحوار الاجتماعي من الانتهاكات”.
وقبل ذلك، اعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان رسمي أن الإضراب المُنتظر “يأتي بعد استنفاذ كل فرص الحوار على ندرتها، رغم الاتفاقات السابقة مع الحكومة في أكثر من مناسبة”، وذلك في إشارة إلى فشل المُفاوضات في التوصل إلى اتفاق حول الزيادة في أجور قطاع الوظيفة العمومية.
واتهم في بيانه، الحكومة الحالية بـ”التملّص من التزاماتها، وبضرب الحوار الاجتماعي، ومواجهة الأعوان العموميين، خضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولي، وتنفيذا لخياراتها الليبرالية المعادية لكل نفس اجتماعي ونقابي”.
ولم يكتف بذلك، وإنما ذهب إلى حد القول إن الخيارات السياسية التي وصفها بـ”اللاشعبية واللاوطنية” للحكومة الحالية، وللائتلاف الداعم لها، “عمقت الأزمة الاجتماعية، وزادت من تفقير الموظفين العموميين الذين يمثّلون أحد أهم مكوّنات الطبقة الوسطى في تونس”.
ويُنتظر أن يشمل هذا الإضراب، الذي أقرّته الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل في 21 أكتوبر الماضي، كافة العاملين بالوزارات والإدارات المركزية، والجهوية والمحلية، والمؤسسات الخاضعة لأحكام القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية.
ولا تتوقف متاعب يوسف الشاهد، عند حدود هذا الإضراب، وإنما تتجه نحو المزيد من التفاقم لتُعمّق الأزمة التي تُحيط بحكومته، التي اتسعت، وتنوّعت تضاريسها، بسبب المواقف التي وُصفت بـ”المُتغطرسة” لرئيس حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي التي أثارت عاصفة من الانتقادات لا يُنتظر أن تهدأ قريبا.
وسعى الغنوشي في تلك المواقف التي جاءت بلغة فيها الكثير من الغرور والغطرسة، إلى توجيه رسائل في اتجاهات مُتعددة، تبدأ برئيس الحكومة يوسف الشاهد، وعدد من أعضاء فريقه الوزاري الجديد والسابق، وصولا إلى مختلف أطياف المشهد السياسي، مفادها أن حركته هي التي تُسيطر على الحكومة الحالية، والمشهد العام في البلاد، وهي التي ترسم سقوف العملية السياسية في البلاد. وكشفت تلك المواقف التي عبّر عنها الغنوشي في كلمة ألقاها مساء السبت الماضي، أمام أعضاء الكتلة النيابية لحركته، عن حجم المأزق الذي تدحرج نحوه يوسف الشاهد، الذي بات يصعب عليه التقاط مُقدمات الخيوط التي تُساعده على تفكيك، أو التخفيف من وطأة ارتدادات ذلك المأزق الذي فاقم المشهد العام، وجعله مفتوحا على أخطر السيناريوهات.
وفيما اختار الشاهد، الصمت أمام مواقف الغنوشي التي رسمت صورة مُتعددة الأبعاد في سياق حسابات المعادلة السياسية التي تسعى حركة النهضة إلى فرضها على أبواب الاستحقاقات الانتخابية القادمة، أكد إياد الدهماني، الناطق الرسمي للحكومة أن رئيس الحكومة لم ولن يخضع لتأثير أو ضغط أي كان في ما يتعلق بصلاحياته الدستورية.
واعتبر أن ربط تغيير أعضاء الحكومة بشبهات فساد هو أمر مُجانب للصواب، لافتا إلى أن “الحكومة لن تسمح بأي إساءة لأعضاء الحكومة المغادرين أو التشويش على انطلاق المرحلة الجديدة من العمل الحكومي من أي طرف كان”.