مبادرة مغربية لإزالة الحواجز أمام استدامة الواحات

وجهت الأزمة المتعلقة بتغير المناخ والأمن الغذائي بوصلة المسؤولين المغاربة إلى تعقب فرص تنمية الواحات ضمن حل جماعي مشترك مع المجتمع الدولي، بحيث تكون مستدامة في ظل ما تتعرض له من تهديد حقيقي يمكن أن يخل بتوازن هذه النظم البيئية.
الرباط - أكد وزير الفلاحة محمد صديقي خلال ورشة علمية دولية احتضنتها العاصمة الرباط مؤخرا على أهمية الواحات كنظام بيئي فريد، ومجال ذي تراث طبيعي وثقافي وحضري متميز وكونها موطنا لمنتجات زراعية لها خصائصها.
وفي ضوء الوضعية الراهنة ومستقبل النظم الإيكولوجية للواحات مع تأثير التغيرات المناخية، ستعد الورشة ورقة علمية للدفاع عن مبادرة الواحات المستدامة في مؤتمر الأطراف (كوب28) مع اقتراح آليات حوكمة وتعاون مناسبة لتنفيذ أهداف المبادرة.
وقال صديقي في الورشة التي نظمتها الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (فاو) واليونسكو إن “المغرب يولي أهمية خاصة لتنمية الواحات في إطار إستراتيجية الجيل الأخضر 2020 – 2030”.
وشدد على ضرورة اعتماد نهج شامل لتنمية هذه المناطق وضرورة توحيد الجهود لضمان التنمية المستدامة للواحات من أجل تحسين قدرتها على التكيف مع التغيرات المناخية والاستمرار في أداء أدوارها المتعددة للبشرية.
وتهدف الورشة، التي حضرها خبراء ومختصون، والتي استمرت يومين الأسبوع الماضي، إلى الحصول على رأي استشاري من خبراء محليين ودوليين بشأن تفعيل هذه المبادرة.
ويتعلق الأمر أساسا بمسألة الاندماج في التوجهات الدولية الرئيسية المتعلقة بالإدارة المستدامة للنظم الإيكولوجية الزراعية والتأقلم مع التغيرات المناخية، وفرصة للتحضير للاجتماع الوزاري خلال معرض التمور.
وفي كلمته بالمناسبة، رأى صديقي أن الضرورة تقتضي اعتماد نهج شامل لتنمية هذه المناطق وضرورة توحيد الجهود لضمان التنمية المستدامة للواحات من أجل تحسين قدرتها على التكيف مع التغيرات المناخية والاستمرار في أداء أدوارها المتعددة للبشرية.
ومن خلال إستراتيجية الجيل الأخضر يعمل المغرب على إنجاز مشاريع وبرامج تنموية وتدابير هيكلية لتنمية واستدامة هذه المناطق الهشة.
وعلى سبيل المثال شهد قطاع التمور، الذي يغطي مساحة تفوق 60 ألف هكتار، غرس أكثر من 3 ملايين شجرة جديدة وتقوية المنشآت الهيدروفلاحية وإنشاء وحدات لتخزين وتلفيف التمور بمختلف الواحات.
ويقصد بالإعداد الهيدروفلاحي كل العمليات التي تدخل في التجهيز السقوي لمنطقة زراعية معينة من خلال السدود وقنوات ري وضم للأراضي الجافة وتهيئتها.
وتمثل مناطق الواحات وزنا مهما في المغرب بحيث أنها تغطي مساحة تقدر بأكثر من 226.5 ألف كيلومتر مربع، وتشكل رمزا للثقافة المغربية، ومجالا لحماية النظم البيئية المتنوعة، بالإضافة إلى أنها كانت منذ فترة طويلة مراكز للإنتاج الزراعي والتجارة.
وترمي الإستراتيجية التي يشرف عليها العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى تحقيق التنمية الشاملة والمندمجة للأقاليم التي تغطي 40 في المئة من مساحة الدولة.
وعلاوة على ذلك تحقيق التنمية البشرية للمناطق المستهدفة وحوكمة الموارد الاقتصادية والطبيعية والثقافية التي تزخر بها، إضافة إلى حماية المنظومة البيئية.
ومع ندرة الموارد الطبيعية وتسارع التوسع الحضري، تتولد عواقب سلبية على استمرارية واستدامة الواحات المعرضة لخطر الزوال، مما يفسح المجال لظاهرة التصحر.
ولهذا شدد المشاركون في الورشة على ضرورة مأسسة مبادرة الواحة المستدامة كآلية لنهج مقاربة شمولية ومندمجة وتكثيف الجهود بين كافة الأطراف المعنية لتمكين تلك المناطق من أداء أدوارها البيئية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
واعتبر جان سيناهون، ممثل منظمة فاو بالمغرب، أن الواحات تشكل بيئة حساسة لتغير المناخ، وهي أيضا ذات طبيعة خاصة ومعقدة، تستحق اهتماما خاصا.
وقال “من هنا تبرز الحاجة إلى بلورة الأفكار التي من شأنها تسهيل عملية الحفاظ على هذه البيئة وضمان استدامة تنميتها عبر الزمن”.
وتعليقا على ذلك أكد عزيز بن الطالب، رئيس المركز الدولي للواحات والمناطق الجبلية، لـ”العرب” أن هذا الاعتراف الأممي “سيجعل من المغرب مرجعية مغاربية ودولية لصيانة الثروة النباتية وتعزيز كفاءة الاستفادة من مواردها”.
وأوضح أن ذلك سيكون في إطار إدماجها في بلورة مشاريع إيكولوجية وتنموية وسوسيواقتصادية، تدمج السكان المحليين في محيطهم البيئي والثقافي.
وكان المغرب قد أطلق مبادرة “الواحات المستدامة” بتنسيق وتشاور مع كافة الشركاء، خلال الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف (كوب22).
◙ المغرب يعمل من خلال إستراتيجية الجيل الأخضر على إنجاز مشاريع وبرامج تنموية وتدابير هيكلية لتنمية واستدامة هذه المناطق الهشة
وتهدف المبادرة إلى الإقرار بالطابع الفريد للواحات، والعمل على تنفيذ إجراءات منسقة للحفاظ على تراث الواحات في جميع أنحاء العالم، لاسيما التنوع البيولوجي ونظامها البشري، فضلا عن تنمية إمكاناتها الاقتصادية، في إطار تنمية مستدامة.
ويهدف البرنامج في أفق 2030 إلى توسيع مغروسات النخيل بخمسة ملايين شتلة، فضلا عن إعداد وتهيئة الواحات التقليدية حتى تقاوم الإكراهات والضغوطات المستمرة.
وأبرز محمد العلوي، المسؤول عن قطاع العلوم الطبيعية والدقيقة بمكتب اليونسكو، التحديات والتهديدات التي تواجهها الواحات، مؤكدا دعم مؤسسته لهذه المبادرة التي أطلقها المغرب.
وانخرط المغرب في تعزيز صيانة النظم الإيكولوجية الهشة والتي لها دور كبير في التخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري والتصحر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ولتحقيق غاياته قام بتأسيس وكالة تعنى بشجر الأركان وكان لها دور محوري في تأهيل هذا الموروث الطبيعي وتنميته بهدف إيجاد أنشطة مدرة للدخل للسكان، ومن أجل ربطه بالاقتصاد الأخضر، والاقتصاد الاجتماعي التضامني.
وتعمل الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، منذ إحداثها سنة 2010، على مواكبة التنمية في مساحة تمثل 40 في المئة من البلاد، والتي يقطنها نحو 15 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 37 مليون نسمة.
ومن بين مهام هذه الهيئة الحكومية تحسين المؤشرات السوسيواقتصادية بمناطق الواحات ومواكبة النظم البيئية للواحات وشجر الأركان.
وتعد المواكبة التنموية للوكالة بهذه المناطق متابعة شاملة تشمل الولوج للخدمات الأساسية مثل توصيل الكهرباء إلى الأرياف والتزويد بالماء الصالح للشرب وتهيئة الطرق القروية.
وفضلا عن ذلك، المساهمة في قطاعي التعليم والصحة ومواكبة الأنشطة الاقتصادية خاصة في الزراعة والسياحة، كما تتوفر الوكالة على برامج خاصة لكل من المجموعات الإيكولوجية للواحات وشجر الأركان وذلك في إطار عقود برنامج.