مبادرة عقيلة صالح بفتح باب العودة أمام مهجري شرق ليبيا تصطدم بغياب الثقة ومصالح المتنفذين

تشهد العاصمة الليبية طرابلس منذ أيام حراكا سياسيا يقوده ممثلون لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح مع مهجري المنطقة الشرقية الذين غادروا مدنهم أثناء وبعد المعارك التي قادها الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر ضد مجالس الشورى وميليشيات الإسلام السياسي والجماعات المتشددة في بنغازي ودرنة وأجدابيا وغيرها.
وعقد وفد صالح بقيادة رئيس لجنة المصالحة ميلود الأسود عددا من اللقاءات مع شخصيات متنفذة ومهجرة من المنطقة الشرقية إلى طرابلس ومصراتة، لبحث وتدارس الملفات العالقة وتحديد شروط ومتطلبات طي صفحة الماضي، بما يسمح للمهجرين بالعودة إلى مناطقهم، لكن أغلب المواقف كانت تصب في اتجاه رفض المبادرة نظرا لما تصفه بعض الأطراف بفقدان الثقة وضبابية وغموض البنود المطروحة للنقاش.
واعتبر رئيس مجلس أعيان وحكماء بنغازي في المنطقة الغربية علي ساطي أن هناك شبابا يقبعون في السجون بسبب قانون عقيلة صالح، وقال إن اللقاء الذي جمعه بعضو مجلس النواب والمفوض المختص بملف المصالحة الوطنية ميلود الأسود تم بناء على اجتماع سابق ، مشيرا إلى أن ستة من المنطقة الشرقية حضروا هذا اللقاء، هم عضوان من أجدابيا، وعضوان من بنغازي، وعضوان من درنة، وقد سلموا للأسود قائمة ببعض المطالب حتى تتبين لهم صحة نوايا البرلمان وجديته في التعامل مع هذا الملف.
وتابع ساطي أن القانون رقم 33 لسنة 2014 هو الذي بموجبه قاتل بعض الشباب ضد ما يعرف بـعملية الكرامة، مؤكدا أن الشباب القابعين في سجن قرنادة لا يزالون يتعرضون للتعذيب الممنهج.
عدد من خطباء المساجد دعا الجمعة الماضية المهجرين إلى عدم القبول بمشروع المصالحة ورفضه رفضا باتا
وفي يناير الماضي أعلن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أن المجلس أطلق مشروع المصالحة الوطنية من خلال قانون العدالة الانتقالية لتندرج في سياق كشف الحقيقة إلى إثبات الضرر، وصولاً إلى العدالة، ثم جبره بتعويض المتضررين ماديا ومعنويا، وتخلص في النهاية إلى مصالحة وطنية حقيقية عادلة.
وقال خلال جلسة حوارية مع الفريق السياسي للمركز الإعلامي لرئيس المجلس إن ملامح العدالة الانتقالية تنشئ لهذا الغرض هيئة وصندوقا ماليا داعما يخفف عن الميزانية العامة أعباء عملها ولجانها، وتتمكن من صرف التعويضات لمستحقيها ممن تعرضوا لانتهاكات ترتب عليها إضرار بهم.
وقوبل مشروع صالح للمصالحة برفض أغلب القيادات السياسية والميدانية في صفوف المهجرين، وخاصة من أنصار رئيس دار الإفتاء الصادق الغرياني المعزول من قبل مجلس النواب منذ نوفمبر 2014، ومن المحسوبين على جماعة الإخوان وتنظيم القاعدة والمقربين من رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة.
وقام عدد من خطباء المساجد الجمعة الماضية بدعوة المهجرين إلى عدم القبول بمشروع المصالحة ورفضه رفضا باتا، انطلاقا من مقولة إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
في يناير الماضي أعلن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أن المجلس أطلق مشروع المصالحة الوطنية من خلال قانون العدالة الانتقالية لتندرج في سياق كشف الحقيقة إلى إثبات الضرر
وأكدت اللجنة التسييرية لبلدية بنغازي في المهجر أن برنامج المصالحة الوطنية يمثل خيارا إستراتيجيا لا رجعة فيه، مشددة على أنه لا يجوز لأي جهة أو فرد احتكاره أو استغلاله لأجندات خاصة.
وأعربت اللجنة عن رفضها للتحركات والاجتماعات التي يقودها رئيس لجنة العدالة والمصالحة الوطنية بمجلس نواب طبرق في طرابلس، ووصفتها بأنها تفتقر للشرعية القانونية وتتجاوز الاتفاق السياسي الليبي.
وأشارت إلى أن المجلس الرئاسي هو الجهة المخوّلة بقيادة ملف المصالحة، داعية المجلس وحكومة الوحدة الوطنية إلى اتخاذ الإجراءات القانونية لوقف تلك التجاوزات.
وأكدت رابطة أهالي الأسرى والمعتقلين والمفقودين لمدينة بنغازي أن بعض الأطراف السياسية في ليبيا تحاول استغلال ملف المصالحة الوطنية لتحقيق مكاسب سياسية خاصة، مشيرة إلى أن ذلك يعيق تحقيق العدالة، وقالت في بيان مرئي إنها الجهة الوحيدة المخولة بالتفاوض مع أسرى مهجري بنغازي التابعين لخليفة حفتر، خاصة في كل ما يتعلق بملف المصالحة الوطنية.
وأبرزت الرابطة أن “المصالحة الوطنية لا تتم إلا بإغلاق ملف معاناة وظلم أبنائنا الأسرى والمعتقلين والمفقودين منذ أكثر من 10 سنوات في سجون المنطقة الشرقية، في ظل الانتهاكات الجسيمة والظروف اللاإنسانية التي يتعرضون لها،” مؤكدة على وجوب إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين ومعرفة مصير المفقودين قبل أي مصالحة، “وإذا كانت هناك مفاوضات لإتمام هذا الأمر، فنحن جاهزون للتفاوض والحوار، وأي مبادرة أو اتفاقات خارج الرابطة غير معنيين بها، فنحن الجهة الوحيدة المكلفة بالحوار والتفاوض والاتفاق.”
وقال أصحاب البيان بعد اجتماع مع مبعوثي مجلس النواب “هؤلاء لا يملكون ضمانًا واحدا لحماية المهجرين، بل يسوقونهم إلى المجهول، ويعرضونهم للخطف والقتل والتنكيل،” مردفين أن قضية المهجرين لا تتعلق بمناصب أو مكاسب مادية، بل بإزهاق الأرواح وهدم البيوت، والزج بمعارضي حفتر في السجون.
وفي السابع من يناير الماضي أقر مجلس النواب بالأغلبية قانون المصالحة الوطنية، وصوّت بالأغلبية على تعديل قانون رقم (2) لسنة 2017 في مادته الأولى التي قضت بتعديل نص المادة (25) من قانون رقم (7) لسنة 2010 ويكون نصها كالآتي “لا يسقط حق الدولة في المطالبة بما هو مستحق لها بمقتضى أحكام هذا القانون بمضي هذه المدة، ويسري حكم هذه المادة على كل تقادم لم يكتمل.”
وقال الناطق السابق باسم عملية الكرامة محمد حجازي إن العناصر الأساسية للمصالحة الوطنية تكمن في جبر الضرر، والاعتراف بالجرم، ومحاسبة الجناة، ثم أخذ الحق العام، والمجني عليه هو الذي يملك حق العفو، وكيف للجاني أن يعفو عن المجني عليه، ويحذر مهجري المنطقة الشرقية من التماهي مع مشروع المصالحة، واصفا إياه بالفخ.
ورأى عضو مجلس الدولة الاستشاري منصور الحصادي أن “من يرغب في الانخراط في المصالحة الوطنية، يجب أن يعمل وفق قاعدة: لا غالب ولا مغلوب.”
وأضاف أن “المصالحة واجب وطني، ويجب تحديد المطالب بروح من التسامح والتنازل،” مضيفا “نحن بحاجة إلى من يساهم في إنقاذ القافلة، لا من يساهم في نحر الإبل.”