مبادرات حكومية بلا خطة واضحة لنشر الوعي في مصر

تحاول الحكومة المصرية عبر العديد من وزاراتها ومؤسساتها وهيئاتها مواجهة الفكر المتطرف وترسيخ التنوير الذي لا يمكن للمجتمع أن يتقدم إلى الأفضل من دونه، والتنوير لا يتحقق إلا بالقوة الناعمة ألا وهي الثقافة والفنون، وهو ما سعت إليه مصر عبر برامج ثقافية وفنية وفكرية تحاول احتلال الهامش، لكن ذلك يبدو متعثرا.
القاهرة - تعددت المبادرات الحكومية ذات الارتباط المباشر برفع الوعي ونشر الثقافة والتواصل المباشر مع الشباب والأطفال وانطلقت في قرى ونجوع وأقاليم عديدة منذ بدء إجازة نهاية العام الدراسي لغالبية المراحل التعليمية المختلفة.
وتسعى الحكومة المصرية إلى البحث عن فرصة للتعرف على ما يدور في أذهان هؤلاء وشغل أوقات فراغهم لتجنيبهم التعرض لأفكار متطرفة فاتورتها كانت باهظة على الجميع.
ضرورة الانتشار

محمد عبدالباسط: المبادرات الثقافية لا تستطيع الوصول إلى القاعدة الشعبية
لم تعلن الحكومة عن خطة عمل واضحة تسهم في تحقيق أكبر قدر من النتائج الإيجابية وراء مبادراتها، وتعمل البعض من الوزارات والهيئات التابعة لها في جزر شبه منعزلة، وأضحى شعار “رفع الوعي والتنوير” فضفاضًا دون أن يعرف أحد ما المقصود به، وأي من القضايا يستهدف التركيز عليها في هذا التوقيت وما إذا كان ذلك مناسبا للشباب والأطفال من عدمه.
ونشطت وزارات الثقافة والشباب والرياضة والأوقاف والاتصالات إلى جانب مؤسسة الأزهر، وهناك حالة من الاستنفار على مستوى الإدارات المحلية التابعة لكل منها، لكن الأزمة الأكبر تمثلت في ضعف قدرات التواصل مع الفئات المستهدفة، إلى جانب فقدان ثقة شرائح اجتماعية في كل ما تقدمه الحكومة في مناطق ظلت بعيدة عن فكر الدولة سنوات طويلة وافتقرت إلى الحضور الثقافي الرسمي الفاعل فيها.
وأطلقت وزارة الثقافة مبادرة “كشك كتابك” ضمن مشروع “حياة كريمة” الذي تنفذه الحكومة في القرى الفقيرة، وتستهدف افتتاح 333 مكتبة صغيرة داخل المناطق التي يعمل المشروع على تطويرها.
وتنظم الوزارة أمسيات ثقافية في إطار الخطة القومية لتنمية الأسرة المصرية التي يشارك فيها الأطفال بصحبة الآباء والأمهات، وثمة مبادرات أخرى أطلقتها الفترة الماضية أبرزها “سينما الشعب” التي تعد محاولة لتفعيل قصور الثقافة، و”ثقافتك كتابك” لبيع الكتب بأسعار زهيدة في المحافظات المختلفة، و”القوافل الثقافية” وتستهدف توجيه الرعاية الفكرية والتوعية إلى الشباب في مواقعهم كافة.
واستعادت وزارة الشباب الأنشطة الكشفية التي كان تنظيم الإخوان يهتم بها ويستقطب من خلالها الطلاب، وأطلقت العديد من المسابقات الرياضية التي تهدف إلى تحفيز الشباب على الذهاب إلى المراكز التوعوية.
ويتفق العديد من النقاد على أن وجود نشاط ثقافي حكومي أمر إيجابي ولابد من تشجعيه للاستمرار، لكن ذلك بحاجة إلى تحقيق قدر أكبر من الانتشار بين عموم المصريين كي لا يصبح المشروع فارغاً من محتواه، فالوزارات والجهات الحكومية لديها وحدات محلية في المحافظات المختلفة، لكنها خاوية وليست إبداعية وتحولت إلى مقرات يذهب الموظفون لنفض التراب عنها.
ويضرب هؤلاء أمثلة بقصور الثقافة التي تحولت مكتباتها ومسارحها إلى أماكن يتواجد فيها الموظفون من أجل الحفاظ على العهدة، وتقلصت أنشطتها على نحو كبير في حين أن الكثير منها بات مغلقا، كذلك الأمر بالنسبة إلى مراكز الشباب التي شهد بعضها تطويراً على مستوى الشكل لكن لم يعد بإمكانها مناقشة القضايا ذات البعد السياسي والثقافي، ولم تعد منصة تتجمع فيها دوائر العمل المحلي لتنوير الشباب.
طاقات مهدرة

أحمد سالم: يجب التركيز على الجرعات الثقافية المواجهة للتطرف
يقول الكاتب والشاعر محمد عبدالباسط عيد لـ”العرب” إن السياق العام الذي تأتي فيه المبادرات الحكومية لا يشجع على نجاحها، حيث لا ترتبط بالتكنولوجيا التي يقضي الشباب جزءا كبيرا من وقتهم معها، كما أن إحداث وعي مدني بحاجة إلى تغيير مناخ الحريات الحالي حتى يتمكن القائمون عليها من تدشين حوارات مفتوحة حول قضايا شائكة عديدة لا يمكن التطرق إليها في ظل الأجواء الراهنة.
ويضيف في تصريح لـ”العرب” أن إبداء الرأي والانفتاح على قناعات الشباب بحاجة إلى بناء قانوني ومؤسساتي، وليس من الممكن أن السياق العام الذي تأتي فيه المبادرات الحكومية لا يشجع على أن تنجح جهة تنفيذية دون مؤسسات محلية وقيادات شعبية تدعم ثقة الشباب فيما تقدمه إليهم من أفكار.
ويتابع “هي طريقة راسخة في كافة المجتمعات التي تسعى إلى كسب ثقة شبابها ولن نقوم بإعادة اختراع العجلة مجدداً، وإن غياب الأطر المؤسسية الثقافية المحلية يؤدي إلى وجود مكتبات وفعاليات لا ينجذب إليها الشباب ويتعاملون معها بمزيد من التوجس”.
ويوضح عيد أن أزمة المبادرات الثقافية تكمن في كونها لا تستطيع الوصول إلى القاعدة الشعبية، والأمر لا يرتبط فقط بوجود مشكلات على مستوى البنية المعرفية لتلك المبادرات أو القائمين عليها، لكن هناك معضلة ترتبط بعدم شعور المواطنين بجدوى التعليم وضعف المؤسسات التعليمية التي كانت سببًا في أن يتحول التعليم لدى قطاعات واسعة إلى مجرد شهادة تحقق بعدها الاجتماعي المطلوب.
وتشكل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في المناطق النائية حاجزاً أمام قدرة المبادرات الثقافية والمعرفية على تحقيق آثارها، إذ أن الأسر الراعية للصغار ليس لديها رفاهية الوقت من أجل الحفاظ على انتظام أبنائهم في المبادرات والمسابقات المختلفة، ويظل الشاغل الأول بالنسبة إليهم كيفية توفير قوت يومهم، بالتالي فالحديث إليهم انطلاقًا من شعار الوعي لا يحقق المردود الإيجابي وقد يأتي بنتائج عكسية.
ويترتب على ذلك وجود طاقات عديدة مهدورة، تحديداً إذا كانت المبادرات ذات البعد التوعوي ينقصها التخطيط الجيد الذي يضمن نجاحها ويمنح فرصة جديدة للتنظيمات الإسلامية التي دائما ما تلعب على وتر توجيه الانتقادات للحكومة واستغلال عاطفة المواطنين الذين ينظرون إلى الدوائر الحكومية باعتبارها مؤسسات فاسدة وتعد سببًا رئيسيًا فيما آلت إليه أوضاعهم الثقافية، وهي مسألة يحاول مشروع حياة كريمة الذي ترعاه الرئاسة المصرية بشكل مباشر معالجتها بهدف تحسين جودة الحياة عموما للمواطنين.
وتحاول الحكومة تفعيل أدوار مؤسساتها الدينية من أجل سد الثغرات التي نفذ منها تنظيم الإخوان وبينها توظيف المساجد أو ما يسمى بـ”الزوايا” الصغيرة للهيمنة على عقول المواطنين انطلاقًا من البعد الديني.
333
مكتبة صغيرة سيتم افتتاحها بمناطق داخلية ضمن مشروع لوزارة الثقافة
غطاء تكافلي
تعمل على وأد الأفكار المتطرفة دون امتلاك خطاب تجديدي يمكن أن يقدم صورة نقدية لما ارتكنت عليه جماعات الإسلام السياسي خلال السنوات الماضية.
ودشن الأزهر عودة “الكتاتيب” مرة أخرى لتحفيظ القرآن والتعاليم الدينية للأطفال في القرى والنجوع بعد، وبدأت مؤخرا أولى دورات “رواق الأزهر” الذي يستهدف تحويل المعاهد الدينية إلى مقرات لتحفيظ القرآن وتنظيم عدد من الأنشطة الأخرى للطلاب في المراحل الدراسية المختلفة خلال الإجازة الصيفية.
وتوسعت وزارة الأوقاف في أنشطتها داخل المساجد وأنشأت ما أطلقت عليه “المدارس القرآنية” ومكاتب تحفيظ القرآن للصغار والكبار وأعادت الدروس الدينية التي توقفت منذ انتشار جائحة كورونا.
ويؤكد أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا بشمال القاهرة أحمد سالم أن الحكومة بمفردها لن تستطيع تحقيق تقدم ملموس على مستوى نجاح مبادراتها التعليمية والتثقيفية المختلفة، وعليها إعادة النظر في تعاونها مع الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني باعتبار أن لديها أذرعا فاعلة في تلك المناطق في حين أنه لا وجود لتشكيلات ثقافية محلية تسد الفراغ الذي تركه تنظيم الإخوان.
ويشير في تصريح لـ”العرب” إلى أن عودة الكتاتيب أمر إيجابي على مستوى جذب الصغار إلى هيئات دينية حكومية بدلاً من تركهم عرضة للجماعات المتطرفة، إلى جانب أنها شكلت وجدان العديد من المواطنين الذين يثقون فيها، ما يسهم في سحب التأثير الثقافي من تنظيم الإخوان.
ويلفت إلى أن المبادرات التوعوية لابد أن تكون مصحوبة بغطاء تكافلي يضمن تقديم مساعدات للأسر الفقيرة والأرامل والمطلقات، الأمر الذي يتطلب مشاركة فاعلة من رجال الأعمال واستعادة المشروعات الخيرية التي كانت حاضرة في حقب زمنية سابقة، مع أهمية تركيز المبادرات على الجرعات الثقافية لمواجهة التطرف الفكري.