ما هي حظوظ المبادرة الجزائرية في النيجر

دور الجزائر في النيجر وقبلها في مالي كان يمكن أن يكون أكبر من دور مجموعة إيكواس ومن دول الجوار في جنوب الساحل لو بنيت الخيارات الجزائرية على العمق الإستراتيجي الحقيقي.
الجمعة 2023/09/01
الأزمات التي تربط الجزائر بمحيطها الخارجي تعيق نيل ثقة اللاعبين الفاعلين في أزمة النيجر

أطلقت الجزائر مبادرتها السياسية لحل الأزمة في النيجر، وسط تساؤلات حول حظوظ النجاح في إخراج البلد المجاور والفقير من نفق الانسداد، والأصل ليس غريبا على الجزائر في مسار الوساطات الإقليمية والدولية، لكن النجاح في مثل هذه المهام لا يبنى على السير الدبلوماسية أو الماضي، وإنما على معطيات آنية تتصل بالحاضر والثقل الراهن.

وفي خضم هذا الزخم من الأفكار والتصورات الإقليمية والدولية، رمت الجزائر بكرتها في ملعب يضج باللاعبين، لكن العبرة ليست في إطلاق المبادرة بل في المخارج التي ستنتهي إليها، خاصة وأن أعصاب الجزائريين لم تعد تحتمل المزيد من المجازفات بصورة البلاد وسمعتها، بعد مسلسل من الإخفاقات خلال السنوات الأخيرة.

النيجر ودول الجوار هي العمق الإستراتيجي للجزائر، وآلاف الكيلومترات من الحدود البرية والمصالح الإستراتيجية تضع الجزائر في صدارة المطالبين بفعل شيء للبلد الجار، لكن ماذا أعدت وكيف استعدت لذلك، لنيل ثقة أطراف الصراع أولا، ثم الإقناع بمبادرتها ثانيا.

◙ انقلاب الغابون جاء ليعزز موجة الانقلابات العسكرية في أفريقيا، ويستدعي قراءة جديدة للتحولات المتسارعة في القارة، ويشتت الاهتمام والجهود والتركيز، ومعها مبادرة الجزائر

ويكون عدم تفردها بخارطة الطريق، وفسح المجال أمام الفاعلين محليا ودوليا للمشاركة في المبادرة، مع الحفاظ على أصل التصور، ورقة تضع الجميع داخل النيجر وفي دول الجوار وفي المجموعة الدولية أمام الأمر الواقع لإثبات نواياهم لمساعدة هذا البلد على الخروج من أزمته، وهو تكتيك تحميل المسؤولية للكل والظهور في ثوب عراب الحل السلمي في المنطقة.

لكن ورقة الحياد التي شكلت طيلة العقود الماضية مفتاح النجاح الذي حققته الدبلوماسية في العديد من الملفات والتوترات، لم تعد متاحة خلال السنوات الأخيرة، بسبب أدائها الاستعراضي وارتمائها في أحضان قوى إقليمية ودولية هي في الطرف النقيض من المنظومة الدولية، بدل أن تبقى متمسكة بمسافتها المتساوية في مختلف الأزمات، ولم تنخرط إلا في القضايا التي تتماهى مع عقيدتها السياسية والقومية. 

ولم يعد بين الانحياز والحياد في القاموس الجزائري إلا مسافة صفرية، فحشرت في زاوية ضيقة وباتت تصنف ضمن تحالف معين، مقابل الابتعاد عن بعدها التقليدي، فرغم تأكيد الرئيس عبدالمجيد تبون، أكثر من مرة على أن “بلاده صديقة الجميع”، إلا أن التناغم المتزايد مع رأسي القطب الشرقي لم يعد ينطلي على شركاء تاريخيين في المحيط القومي والأوروبي.

تحدث رئيس الدبلوماسية أحمد عطاف، في مؤتمره الصحفي الذي خصصه للكشف عن مبادرة بلاده لإرساء حل سلمي وسياسي في النيجر، عن ترتيبات واتصالات وتحضيرات متعددة، لكنه لم يكشف عن أولى ردود الفعل للسلطة العسكرية في نيامي على الوثيقة، وحتى المجلس الحاكم بشقيه العسكري والمدني ترك لنفسه كل الوقت للرد على خطة الجزائر، ولم يصدر عنه أيّ شيء إلى حد الآن.

برر مقربون من السلطة في الجزائر ظهور الأعلام الجزائرية لدى موالين للانقلاب في النيجر، باستلهام هؤلاء للتجربة الجزائرية في التخلص من الهيمنة الفرنسية، لكنهم لم يذكروا إن كان هؤلاء النيجريون يتذكرون نضالات الجزائريين في حرب التحرير ضد الفرنسيين، أم الأمر يتعلق بما يتردد عن الفتور الجزائري – الفرنسي في الآونة الأخيرة.

◙ في خضم هذا الزخم من الأفكار والتصورات الإقليمية والدولية، رمت الجزائر بكرتها في ملعب يضج باللاعبين

ولم يستطيع المقربون من السلطة إثبات عكس ما تردد من أن ظهور الأعلام الجزائرية إلى جانب الروسية في بعض شوارع نيامي هو احتفاء للموالين للانقلاب بالقوى التي تدعم الحكام الجدد في البلاد، وهذا كاف للتشكيك في مبدأ الحياد المفترض في أيّ طرف يريد حل أزمة ما بين متخاصمين.

دور الجزائر في النيجر وقبلها في مالي كان يمكن أن يكون أكبر وأثقل من مجموعة إيكواس ومن دول الجوار في جنوب الساحل، لو بنيت الخيارات الجزائرية على العمق الإستراتيجي الحقيقي، فتكون بذلك هي البلد الأول المطلوب لحلحلة أزمات المنطقة بدل أن تقترح هي مبادراتها على الآخرين.

وزير الخارجية الجزائري بدا محرجا أحيانا ومرتبكا في أحيان أخرى، ولذلك أمامه وأمام جهازه الدبلوماسي جهد كبير لجلب الإقناع لمبادرة بلاده، فأول الشكوك بدأ من جزائريين بسطاء طالبوه عبر شبكات التواصل الاجتماعي بحل مشاكل البلاد قبل حل مشاكل الآخرين، وهي رسالة واضحة وصريحة حول أن أيّ نجاح دبلوماسي خارجي يستند إلى نجاح وانسجام للجبهة الداخلية، وهو ما لا يتوفر في الجزائر حاليا.

وكان لوجاهة المبادرة الجزائرية وشرعيتها لحل أزمة النيجر أن تأتي بعد مراجعة ضرورية لمسار دبلوماسي أفضى إلى تراجع لافت للدور الجزائري، بداية من انسلال الملف الليبي من بين أيديها، بسبب انحيازها لطرف على حساب آخر.

◙ النيجر ودول الجوار هي العمق الإستراتيجي للجزائر، وآلاف الكيلومترات من الحدود البرية والمصالح الإستراتيجية تضع الجزائر في صدارة المطالبين بفعل شيء للبلد الجار

ولما أرادت تحميل العمل العربي المشترك تصورات تفوق الواقع اضطرت إلى التنازل عن دعوتها لإعادة سوريا إلى مكانها في الجامعة العربية، لأنها حاولت تجاوز معطيات ميدانية وتجاهلت فتور علاقاتها مع أطراف فاعلة في المجموعة، وهو ما تأكد لها بعدما تقررت الخطوة المذكورة بعد أشهر قليلة في القمة العربية التي احتضنتها المملكة العربية السعودية، وغاب عنها رئيس القمة، الرئيس تبون، وغُيّب عن تحضيراتها المفصلية.

من عوامل نجاح أيّ وساطة هي تمتع الوسيط بخاصية الحياد، وبالدور الايجابي له في حد معين من العلاقات الإقليمية والدولية، والأزمات التي تربط الجزائر بمحيطها القومي والإقليمي والجغرافي تعيق نيل ثقة اللاعبين الفاعلين في أزمة النيجر، فهي على فتور أو قطيعة أو تذبذب، ومنهم من تحتاج مواقفهم في المسألة، خاصة بالنسبة إلى نقطة المؤتمر الدولي لتنمية دول الساحل.

لقد أضاف وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف شروطا لقبول العضوية في مجموعة بريكس، وذكر “الهيبة والوزن والدور في العلاقات الدولية”، وهو إهانة للجزائر حتى ولم تكن مقصودة في تصريحه، لأنها تؤكد أن دبلوماسية الاستعراض والمجاملات لا مكان لها في قاموس الكبار، بدليل أن وضع كل بيضها في سلال موسكو وبكين وجوهانسبرغ  لم يشفع لها للانضمام إلى المجموعة.

وجاء انقلاب الغابون ليعزز موجة الانقلابات العسكرية في أفريقيا، ويستدعي قراءة جديدة للتحولات المتسارعة في القارة، ويشتت الاهتمام والجهود والتركيز، ومعها مبادرة الجزائر، لأن الحاجة إلى الحل لم تعد خاصة بالنيجر لوحدها بل بأفريقيا برمتها.

8