ما على تبون، ليس كالذي على منافسيه

عبدالمجيد تبون هو ركام من الخبرة الإدارية والحكومية والرئاسية والسياسية، تدرج في مختلف المناصب والمسؤوليات ولا يمكن مقارنته بمنافسيه ولا اعتبار فوزه المحتوم انتصارًا له ولمؤيديه.
الاثنين 2024/08/26
رئيس الأمر الواقع

يتذكر الكثير من الجزائريين كيف حوّل الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة حرج انسحاب منافسيه الستة من الاستحقاق الرئاسي عشية يوم الاقتراع في ربيع العام 1999، والشكوك التي حامت حينها حول انحياز الجيش والإدارة، إلى نصر سياسي على خصومه بعد أشهر قليلة، عندما حشد الشارع في استفتاء الوئام المدني من أجل وقف حمام الدم آنذاك، وأعطى الانطباع أن فوزه في الانتخابات لم يكن صدفة بل كان خيارًا شعبيًا. والآن، شيء ما يجمع الحادثة بما يتردد حول حسم الانتخابات الرئاسية لصالح المرشح عبدالمجيد تبون، المطالب هو الآخر بقلب الطاولة على مناوئيه إذا أراد دحض روايتهم وإثبات شرعيته السياسية والشعبية.

لا التوقيت ولا السياق يتشابهان بين استحقاقي 1999 و2024، إلا ما يتردد حول المناخ السياسي السائد. فإذا كان آنذاك المجال مفتوحًا أمام كبار الشخصيات والرموز على غرار الراحل حسين آيت أحمد، وأحمد طالب الإبراهيمي، ومولود حمروش، وعبدالله جاب الله، ومقداد سيفي، ويوسف الخطيب، وهم قامات كبيرة في السياسة والنضال والإدارة والتسيير، فإن المنافسة اقتصرت الآن على ثلاثة مرشحين، أولهم الرئيس الأوفر حظًا، والآخران سيتنافسان على المرتبة الثانية والثالثة على حد تعبير عبدالقادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني الداعمة له.

◄ الجزائريون يعلمون أن تبون هو الرئيس القديم الجديد في الثامن من سبتمبر القادم، وتبون يعلم أنه يمسك بشيك على بياض لخمس سنوات أخرى

غالبية منافسي بوتفليقة عام 1999 بإمكانهم تسيير دولتين وأكثر في آن واحد وليس دولة واحدة فقط، قياسًا برصيدهم النضالي وشبكة علاقاتهم وخبرتهم الميدانية ووعائهم الشعبي. لكن الرجل الذي يعلم أنه يفوق نابليون بونابرت بسنتمترين اثنين، حوّل صدمة الانسحاب والشرعية المشكوك فيها إلى تزكية شعبية في أول استحقاق (استفتاء الوئام المدني) وظفه لتنفيذ برنامجه ولتأكيد شرعيته السياسية والشعبية. لكن منافسي تبون، أعلى منصب شغلاه هو نائب في البرلمان، وما عدا ذلك هما منافسان من الوزن الخفيف جدًا، قياسًا بخبرتهما السياسية وشعبية حزبيهما والظروف المحيطة بالاستحقاق أصلاً، بينما يظهر المرشح تبون أمامهما بعيدًا جدًا عنهما، فالرجل خبر الإدارة والحكومة والرئاسة والسياسة، وفي رصيده خمس سنوات قضاها في قصر المرادية.

في منطق المنافسة في أي مجال، الطموح إلى التتويج يمر عبر القدرة على مواجهة الخصوم مهما كانت قوتهم ودرجتهم، وليس التحايل لعدم الاصطدام بهم، وأن النصر لا يكون ذا طعم إلا بإزاحة كل الخصوم سواء كانوا أقوياء أو ضعفاء. ولذلك فإن أهم ما يؤخذ على هذه الانتخابات هو غياب المنافسة القوية التي تفرز منتصرًا أقوى بإمكانه مواجهة التحديات التي تنتظره.

أنصار تبون ومؤيدوه في القوى السياسية والأهلية، مزهوون بالفوز المحتوم في سباق يجري برجل عرجاء، وكل واحد منهم يريد التجديد له في قصر المرادية. لكن لم يتساءل هؤلاء، أمام من سيكون الفوز المحتوم والنصر المبين؟ أمام يوسف أوشيش (41 عامًا)، لا أحد يعلم الصدفة التي أوصلته إلى قيادة أعرق أحزاب المعارضة في البلاد (جبهة القوى الاشتراكية)، وأمام عبدالعالي حساني شريف، الذي بدأ مشواره السياسي في حركة مجتمع السلم بالانتماء إلى فرقة إنشادية، حسب شهادة رفيقه في الحركة والوزير السابق عبدالقادر سماري.

عبدالمجيد تبون هو ركام من الخبرة الإدارية والحكومية والرئاسية والسياسية، تدرج في مختلف المناصب والمسؤوليات، لا يمكن مقارنته بمنافسيه ولا اعتبار فوزه المحتوم انتصارًا له ولمؤيديه، إلا إذا خاض أي اختبار أو استحقاق آخر يؤكد فيه شرعيته وأحقيته بالحسم المبكر، ويحوّل الفتور وعدم الاهتمام السائد إلى محفز حقيقي يستقطب فيه جزائريي الهامش قبل الدائرين والسابحين في فلكه من الانتهازيين والوصوليين.

◄ منافسا تبون، أعلى منصب شغلاه هو نائب في البرلمان، وما عدا ذلك هما منافسان من الوزن الخفيف جدًا، قياسًا بخبرتهما السياسية وشعبية حزبيهما

المرشح الأوفر حظًا، الماسك بشيك على بياض، مطالب بأن يؤكد للجزائريين قبل أنصاره ومريديه أنه ليس رئيس الأمر الواقع، وأن سياق الولاية الأولى لا يمكن أن يستمر معه في الولاية الثانية. ولذلك فهو مدعو إلى التأكيد على أن فوزه المحتوم ليس لأنه كان ضد منافسين من الوزن الخفيف، بل لأحقية يتوجب إثباتها في أقرب وقت تنسي الجزائريين استحقاقا رئاسيا باهتا، وتفتح لهم الآفاق مع مسار مثير بقيادة تبون.

لا أحد يعلم أسباب ودواعي اكتفاء الرئيس المترشح بخرجات محدودة أمام الجزائريين في ذروة الحملة الانتخابية، بينما يقطع منافساه الجزائر طولًا وعرضًا من أجل استمالة الناخبين إليهما، في حين يضطلع رموزه ومؤيدوه في الطبقة الحزبية والمجتمع المدني بالحملة الانتخابية، فأصاب البعض وخاب البعض الآخر، لدرجة الدعوة إلى سحبه من الحملة الدعائية، كما حدث مع عبدالقادر بن قرينة، الذي نزل بالخطاب السياسي إلى مستوى الإساءة والاستفزاز غير المحمود العواقب.

لا يلام يوسف أوشيش ولا عبدالعالي حساني شريف على شكل ومحتوى الخطاب الذي يرددانه في الشارع الجزائري، والذي يبدو أنه لا علاقة له بالمنافسة على رئاسة الجمهورية، وإنما يمكن أن يكون في مستوى حزبي برلماني أو أقل. بينما يلام الرئيس المترشح على الخطاب المتداول إلى حد الآن، والذي لم تظهر معالمه ولا خطته، إلا اجترار أفكار عامة على لسان مؤيديه.

الجزائريون يعلمون أن تبون هو الرئيس القديم الجديد في الثامن من سبتمبر القادم، وتبون يعلم أنه يمسك بشيك على بياض لخمس سنوات أخرى. لكن ما تنتظره الجزائر هو أعلى وأعقد من مجرد انطباعات لدى الطرفين، فهي تنتظر دمًا جديدًا يعيد الحركة للأوصال الفاترة، وإجابات صريحة ودقيقة حول المسائل والملفات المتراكمة في الأمن والحدود والمصالح الإستراتيجية وأولويات التنمية وإصلاح مؤسسات الدولة، وقبل كل شيء استعادة المواطن ثقته في دولته كي لا يفر منها على قوارب “الحرقة”.

8