ما بعد الصورة رؤية بصرية نعيد قراءاتها بالفيديو آرت

يقوم فن الفيديو آرت على فلسفة عميقة داخل الصورة تحولها إلى فكرة ومفاهيم بصرية ورموز تترسخ في الذهن وتحيل المتلقي إلى أبعاد أخرى من الفهم والتأويل والاستنباط، ما يجعل من هذا الفن المعاصر مساحة حيوية للتلقي والتفاعل، ويفتح آفاقا واسعة تتجاوز الاستهلاك. وهذا ما نجده في تجربة الفنان التشكيلي المصري إيهاب عزيز.
بين الرمز والعلامة وبين التاريخ والانتماء والهوية والتكنولوجيا البصرية الجديدة يحمل الفنان البصري والتشكيلي المصري المقيم في ألمانيا إيهاب عزيز رؤاه أبعد في عمق البحث الدائم عن أجوبة لأسئلته وعن اقتناع جمالي وفني بأجوبته.
من خلال الفن فتوغرافيا وفيديو يقدّم في تصوّراته البصرية فلسفة تحملها حركة الصورة وانعكاسها بين الصمت والصخب وأحيانا بين نقيضها الحسيّ المندفع نحو التمازجات والأخيلة.
رحلة البحث
استطاع عزيز أن يعبّر عن رؤاه ويعبر نحوها في تجريبه التركيبي والحسي والانفعالي بالفيديو آرت، هذا المحمل الذي احتوى عوالمه وبحثه المستمر في ماورائيات الصورة مستفيدا من شرقيّته المعتّقة بالحضارة وبالعمق الإنساني وثقافته المزدوجة المشبعة بالفلسفة الألمانية وتفاصيل التعامل مع الماهيات الحسية في الطبيعة وحدود الزمكان ولغة التحاور البصرية في مراقصات فكرية بين الحدود المادية والتحرّر المنعتق في الفضاءات، حيث استطاع أن يخلق عوالم مجرّدة وتصورات سريالية وحكايات سحرية اجتمعت في وميض له إيقاع متنوع.
يعتبر الفنان أن الفيديو آرت رحلة بصرية أو كتاب مفتوح على الفضاءات بلا حدود، كتاب لم تقرأ سطوره بعد، إلا من خلال الاقتناع بالجوانب السردية في تفاصله الغامضة التي تراقص الضوء بالظلال في مرح حكيم أو حكمة تعيد تأويل الوجود.
رحلة الفنان عبارة عن بحث مستمر يتكامل فيه المفهوم مع المعنى الوثيق بين العلامة والرمز بين الوجود المنشود والواقع الموجود في تكاثفات الزمن والحركة وفي ديناميكية وجدها في تداخلات التحريك التي تقوم بها الكاميرا عند اندماجها وتفاعلها مع المحتوى المُنفذ في بناء لغة التواصل البصرية بينها.
طرح متنوع
إن التعبير البصري الذي يخوضه عزيز يحمل تطورات مفهومية لها علاماتها المنطوقة بالرمزية والمحكية حسيّا، تصقل الرؤية الفنية التي يؤمن بها وتنطلق عبرها مهاراته التعبيرية في تفكيك تفاصيلها الجمالية بأساليب فنية، إذ تبدو الصورة في الفيديو آرت حسب التجريب الذي يقدّمه إيهاب عزيز مواكبة للحركة والتقنيات الرقمية التي تفرز معها رؤى الصورة ومداها البليغ في تكوين المفهوم.
يقترن التجلي البصري معه في تكوينات تعود إلى الميثيولوجيا القديمة التي تستنطق حاضرها، وما يرشح من حكايا في الحضارة الفرعونية القديمة في علامات وتطبيقات وتلونات فنية وتعبيرية تماهى معها الفنان ويتجاذب بها المحتوى بين الطرح والعرض والتساؤل والاندماج مع العناصر التي يخلقها، يبتكرها، ويحاكيها في محتواه البصري ليوظّفها ويشكّلها كعلامات تعيد سرد الفكرة للمتلقي الذي لا يشعر بالفرق بين التكوين الفني والومضة البصرية إلا في عمق التوقيع الموقّت للصورة.
تنساب صور عزيز مع تفاصيلها التي تعبّر عن العلاقة الجدلية في فكرة الأزمنة والأمكنة والحركة وتسارع إيقاع الحياة وثنائية الهوية والانتماء وفكرة الشرق وتداخل الصدمات الثقافية بين الشرق والغرب في محتواها البصري، فهو لا يتناولها كفكرة فلسفية ولكن كفكرة إنسانية وثقافية ويومية، فهو لا يفصل نفسه عن الأرض وعن البيئة وعن الطبيعة والحياة ولا عن الإنسانية، إذ يعبّر عن الكل بالخصوصية وعن الخصوصية انطلاقا من ذلك الكل الكامل المتكامل.
يحاول إيهاب عزيز خلق تنوع في أنماط الطرح الخاصة بالفيديو آرت فهو يخضعها لرؤية ترتكز على الإنشاء والوسائط والأنيمايشن حيث يرتّبها ويوجّهها نحو الفكرة التي تميّزه في طرحه المتفرّد، فكأنه يحاور ذاته بها أو يستعيد تفكيك الرمز منها نحو بعد آخر يستعرضه ويقدّمه في تلونات مختلفة وبدقة عالية، مرة يقدّمها بلا ألوان ومرة يلوّنها في جزئيات يختارها بعناية.