ما الذي يعيق توحيد ليبيا: حفتر أم احتكار الإسلاميين للثروة

حكومة الوفاق تسعى إلى شخصنة الأزمة الليبية وتستبعد أي تسوية سياسية مع القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.
الخميس 2020/04/16
النفط في الشرق والعائدات في الغرب

تسعى قيادات حكومة الوفاق إلى شخصنة الأزمة الليبية والترويج بأن حلحلتها رهين رفع الدعم عن قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، إلا أن مراقبين يرون أن الأزمة أعمق من الأشخاص بل هي في علاقة مباشرة بالتقسيم غير العادل للثروات في البلاد واحتكار السلطة، إذ تنتج المناطق الشرقية والجنوبية أغلب ثروات البلاد في حين أن العائدات تنفق على تمويل جبهات القتال في الغرب.

طرابلس – يحمل تمسك حكومة الوفاق بعدم إمكانية التحاور مع القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر مع التأكيد في نفس الوقت على استحالة الحل العسكري للسيطرة على البلاد، دعوة مبطنة لحلفاء حفتر المحليين والدوليين للتخلي عنه أو تقسيم البلاد وهو ما يطرح تساؤلات عما إذا كان قائد الجيش هو من يعيق توحيد البلاد أم احتكار الإسلاميين للسلطة وسيطرتهم على ثروات البلاد.

واستبعد وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا في تصريح لوكالة بلومبرغ «أي تسوية سياسية مع القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر»، داعيا  حلفاء الجيش الليبي الدوليين والمحليين إلى التخلي عن دعمهم للرجل القوي المقيم في الشرق و الذي يشن منذ أبريل 2019 هجومًا لتحرير العاصمة طرابلس من الميلشيات. 

وقال “لا يمكن أن يكون هناك انتصار عسكري كامل في ليبيا، ولكن لا يوجد حل سياسي مع حفتر. ندعو الجميع إلى إعادة حساباتهم”. ويحصر وزير داخلية الوفاق انفراج الأزمة في ليبيا في شخص المشير خليفة حفتر، لكن متابعين للشأن الليبي يرون في تصريحات باشاغا شخصنة للصراع لا أكثر.

ويتساءل هؤلاء “لنفترض جدلا أنه تم استبعاد المشير خليفة حفتر هل ستنتهي الأزمة وهل سيقبل الليبيون تواصل استحواذ تحالف مصراتة والإسلاميين على السلطة وثروات البلاد؟”.

وأكد رئيس حكومة الوفاق فايز السراج في مقابلة نشرت الأربعاء مع صحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية أنه “لن يتفاوض بعد اليوم على حل سياسي”، مضيفا “لن أجلس بعد اليوم إلى طاولة التفاوض مع حفتر”.

فتحي باشاغا: أستبعد تحقيق أي انتصار عسكري كامل في ليبيا
فتحي باشاغا: أستبعد تحقيق أي انتصار عسكري كامل في ليبيا

 وخسر الإسلاميون الانتخابات الليبية سنة 2014 لينقلبوا على نتائجها عبر عملية فجر ليبيا ويعودوا إلى السلطة عبر اتفاق الصخيرات الموقع في المغرب في 2015 برعاية أممية. ومع تزايد الدعوات إلى حل سياسي في ليبيا، تُطرح تساؤلات عدة حول شرعية حكومة الوفاق بعد أربع سنوات من وجودها في العاصمة، خصوصا بعد إقدامها على توقيع اتفاق مع الحكومة التركية، أثار ردود فعل غاضبة داخليا وخارجيا.

وتتمسك الحكومة المحاصرة في طرابلس بشرعيتها المستمدة من اتفاق الصخيرات، على الرغم من إعلان مجلس النواب الليبي إلغاء التصديق عليها مطلع يناير الماضي، وتراجع دول عربية عن الاعتراف بها كحكومة تمثل الشعب الليبي.

وتدرك الأمم المتحدة ودول عظمى جيدا أن الصراع في ليبيا صراع نفوذ على الثروة بدرجة أولى وأن تواصل استحواذ الإخوان وحلفائهم الإسلاميين في طرابلس على مقدرات الليبيين حجز الزاوية في أي حل مستقبلي للأزمة الليبية. وقالت رئيسة بعثة الأممية إلى ليبيا بالوكالة، ستيفاني ويليامز الثلاثاء، إن هناك فايروسا آخر في ليبيا غير كورونا وهو “الفساد والسرقة”، مشددة على حق الشعب في معرفة كيفية إدارة الأموال الليبية وكيفية إنفاقها.

وتحولت ثروات ليبيا الهائلة من نعمة إلى سلاح لاستدامة الفوضى وإطالة عمر الحرب، بعد أن استحوذت الميليشيات في طرابلس على منابعها وعائداتها ما سمح لها بتمويل أنشطتها واستدامة أمد استحواذها على السلطة بدل البحث عن حل سياسي يوقف نزيف الاقتتال، فيما يدفع الشعب الليبي ثمن مراهنة حكومة الوفاق على المجموعات الإرهابية وأمراء الحرب للبقاء في السلطة.

وفي وقت توفر فيه مدن شرق ليبيا وجنوبها أغلب موارد ليبيا المالية، حيث تتركز معظم الآبار النفطية للبلاد هناك، يعاني السكان من الفقر والتهميش وتدهور المرافق الصحية، في حين تغدق الأموال على تسليح الميليشيات واستقدام المقاتلين الأجانب، والهرولة إلى دعم الاقتصاد التركي المتهاوي عبر ضخ وديعة بأربعة مليارات في البنك المركزي التركي.

وتعتمد ليبيا في اقتصادها بشكل أساسي على إيرادات النفط كمصدر رزق وحيد للبلاد التي انزلقت في فوضى عارمة منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي منذ تسع سنوات. وتعرضت المنشآت النفطية لعدة هجمات وأعمال تخريبية، ولكن في منتصف شهر فبراير أغلقت قبائل في المنطقة الشرقية والوسطى الحقول والموانئ النفطية متهمة حكومة الوفاق بإهدار ثروات الشعب على الحروب وجلب المقاتلين الأجانب.

ويعتبر إغلاق الحقول النفطية أخطر ضربة توجه لسلطات طرابلس منذ العام 2011، خصوصا وأنها ناتجة عن حراك شعبي تقوده القبائل المؤثرة في مواقع الإنتاج ، والتي تتهم حكومة السراج والأجهزة الخاضعة لها بتبديد إيرادات النفط في استجلاب المرتزقة وتهريب السلاح وتمويل الميليشيات وأمراء الحرب في محاولتها للتصدي لتقدم الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، الذي يتشكل في أغلبه من أبناء تلك القبائل.

ويتمسك شيوخ القبائل بقرار غلق الحقول والمصارف والموانئ النفطية إلى حين تشكيل حكومة موحدة قادرة على حماية مقدرات الليبيين وضرورة وضع حد للعبث القائم بمؤسسات الدولة المالية، وعلى رأسها مصرف ليبيا المركزي وجهاز الاستثمارات الخارجية.

والاثنين الماضي، قررت حكومة الوفاق التخفيض في رواتب الموظفين الليبيين وهي إجراءات تقشفية كان يرفضها السراج في بداية الأمر إلا أنه أذعن في نهاية المطاف لمطالب حلفائه الإسلاميين الذين يقدمون تواصل الإغداق على جبهات القتال واستجلاب السلاح والمرتزقة على قوت الليبيين. ويأتي القرار في وقت لم يستلم فيه أغلب الموظفين الحكوميين في ليبيا مرتباتهم للثلاثة أشهر الماضية بسبب الخلافات في إدارة الموارد المالية بين رئيس حكومة الوفاق فايز السراج ومحافظ البنك المركزي في طرابلس المدعوم من الإسلاميين، الصديق الكبير.

ويوصف الصديق الكبير بحاكم ليبيا ذي الصلاحيات المطلقة وتحوم حوله الكثير من الاستفهامات خاصة في علاقته بالغرب والإسلاميين الذين يرفضون إقالته من المنصب الذي يتولاه منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي.

ويقول مراقبون إن هدف محافظ المصرف المركزي من إيقاف المرتبات هو خلق ضغط شعبي على القبائل والجيش الليبي لإعادة فتح حقول النفط، إضافة إلى ادّخار الأموال لاستمرار الإنفاق على الحرب.

4