مالي تتسلم مروحيات من روسيا متجاهلة الانزعاج الفرنسي

يمثل استلام مالي خلال اليومين الماضيين لأربع مروحيات من روسيا رسالة واضحة مفادها أن باماكو تتجاهل انزعاج باريس من التعاون مع موسكو، ما يهدد بالمزيد من التوتر بين فرنسا ومالي خاصة بعد أن شن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هجوما حادا على رئيس الوزراء المالي المؤقت شوغيل كوكالا مايغا.
باماكو – عكس استلام مالي ليل الخميس لمروحيات روسية تجاهلا للانزعاج الفرنسي من التقارب والتعاون بين موسكو وباماكو ما يهدد بمزيد من التوتر مع فرنسا التي شن رئيسها إيمانويل ماكرون هجوما حادا على رئيس الوزراء المالي وباماكو.
وتسلم وزير الدفاع في مالي الكولونيل ساديو كامارا أربع مروحيات عسكرية من روسيا، مشيداً بـ”مصداقية وجدية” هذا الشريك “الذي لطالما استجاب لنا”.
وتأتي عملية التسليم هذه في ظل أجواء متوترة تشهدها العلاقات مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة والشريك التاريخي، والتي تشعر بالقلق من احتمال استعانة مالي بخدمات مجموعة فاغنر الأمنية الخاصة الروسية.
ومنذ البداية أبدت فرنسا رفضها التام للاستعانة بمرتزقة فاغنر في مالي، وعملت على حشد مواقف إقليمية مناهضة كذلك للحضور الروسي في الساحل.
وقال الكولونيل ساديو كامارا في فيديو “نحن هنا هذا المساء لاستلام أربع مروحيات من طراز مي – 171 وأسلحة وذخيرة. وقد تبرعت روسيا بالأسلحة والذخيرة. وتم شراء المروحيات الأربع الجديدة كما تلاحظون جميعها من ميزانية البلاد”.
وأشار وزير الدفاع إلى أن ذلك جاء “تطبيقاً لعقد تم توقيعه في ديسمبر 2020، ودخل حيز التنفيذ في يونيو 2021″، مؤكدا أن “السرعة القصوى في تنفيذ هذا العقد تظهر مصداقية وجدية هذا الشريك الذي لطالما استجاب لحاجاتنا في إطار تبادل المنفعة” بين الجانبين.
والخميس اعتبر ماكرون تصريحات رئيس الوزراء المالي المؤقت شوغيل كوكالا مايغا والتي أدلى بها في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتّحدة في الخامس والعشرين من سبتمبر أنها “غير مقبولة”.
وقال مايغا في خطابه إنّ إعلان ماكرون إعادة تنظيم الوجود العسكري الفرنسي في مالي هو “نوع من التخلّي عن مالي في منتصف الطريق”.
وعلى هامش مأدبة عشاء أقيمت في قصر الإليزيه بمناسبة اختتام موسم “أفريقيا 2020”، قال ماكرون لإذاعة فرنسا الدولية (آر.أف.آي) “إنّه مخز ويشكّل إهانة لما هي ليست حتّى بحكومة”، معتبراً أن “شرعية الحكومة المالية” المشكلة عقب “انقلابين” في أغسطس 2020 ومايو 2021 هي “باطلة ديمقراطياً”.
وبعد ثماني سنوات على التدخل العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، أعلن ماكرون في يونيو تقليص الوجود العسكري في المنطقة وتركيز الجهود على عمليات مكافحة الإرهاب ومؤازرة الجيوش المحلية في المعارك في إطار تحالف دولي يضم دولاً أوروبية.
ويُفترض أن يتمّ تخفيض عديد القوات الفرنسية في منطقة الساحل من أكثر من خمسة آلاف عنصر حالياً إلى 2500 أو ثلاثة آلاف بحلول 2023، في نهاية عملية إعادة تنظيم بدأت في الأسابيع الأخيرة وتشمل خصوصاً إغلاق المواقع العسكرية الفرنسية في كيدال وتيساليت وتمبوكتو في شمال مالي.
وفي وقت سابق لم يتردد المجلس العسكري في مالي في التأكيد على تمسكه بتوقيع اتفاق مع مجموعة فاغنر الروسية، وهو ما جوبه برفض من باريس التي راهنت على مواقف دول مجاورة لمالي ترفض الحضور الروسي في منطقة الساحل.
وحذر وزير خارجية تشاد شريف محمد زين في وقت سابق من أن أيّ “تدخل خارجي، بغض النظر عن مصدره، يمثل مشكلة خطيرة جدا على استقرار بلدي وأمنه”، وذلك ردا على سؤال حول مجموعة فاغنر، مؤكدا أن كل التدابير ستتخذ “لضمان” حماية تشاد.
ورأى مراقبون في موقف تشاد رغبة فرنسية لتحصين منطقة الساحل والصحراء ضد أيّ تدخلات خارجية تتناقض مع مصالح باريس وتحالفاتها في منطقة تعتبرها ملعبا خاصا لا يجوز لأيّ كان التحرك فيه دون إذنها.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن محدودية الضغوط التي يمكن أن تمارسها باريس لمنع فاغنر من دخول مالي والتوسع لاحقا في الساحل والصحراء، تدفعها إلى تحريض قادة المنطقة الأصليين ليعلنوا معارضتهم لوجود مجموعة سبق أن زاحمت مصالح فرنسا في أفريقيا الوسطى.
ورغم أن فاغنر تظهر في الصورة كمجموعة أمنية خاصة مثل غيرها من المجموعات الأمنية المعروفة، إلا أن طبيعتها المزدوجة العسكرية والاقتصادية ستجعلها أكثر ولاء والتزاما تجاه روسيا.
وهذا سر مخاوف فرنسا التي تعتقد أن موسكو هي من تضبط تحرك المجموعة من وراء ستار منذ تدخلها في أوكرانيا وسوريا وليبيا وأفريقيا الوسطى والآن في مالي وفقا لمراقبين.
ويتيح التبرؤ الرسمي الروسي من المجموعة لقادة فاغنر وجنودها التحرك بحرية في غياب الضغوط الدبلوماسية على أنشطتها وكذلك غياب المساءلة القانونية على التهم الموجهة إليها من أكثر من جهة، بينها وزير خارجية تشاد الذي اتهمها بتدريب المقاتلين المعارضين الذين شاركوا في اغتيال الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي إتنو في أبريل الماضي.
وعرفت المجموعة بتمركزها في المناطق الاقتصادية الحيوية، ففي ليبيا تمركزت المجموعة في الهلال النفطي، كما دعّمت قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر لكونه قد نجح في ضم حقول النفط المختلفة تحت سلطته. وفي أفريقيا الوسطى سيطرت المجموعة على المناطق المنتجة للمعادن.