"ماكو".. فيلم يتتبّع حادث غرق العبّارة سالم إكسبريس

تدور غالبية أحداث الفيلم السينمائي المصري الجديد “ماكو” تحت الماء، معتمدا على البطولة الجماعية في إطار تشويقي حول ثمانية أشخاص يمتلكون شركة إنتاج، قرّروا السفر إلى البحر الأحمر لإنتاج فيلم تسجيلي عن غرق العبّارة المصرية “سالم إكسبريس” لتتوالى الأحداث في أجواء من الإثارة والتشويق.
القاهرة – تحتاج المغامرة السينمائية جرأة فنية عالية، ويحتاج التصوير تحت الماء مؤهلات معينة كي يخرج العمل بالصورة اللائقة إلى الجمهور، ويتطلب الوقوف في الصفوف الأولى توفير إمكانيات تتضمّن توليفة غير مترهّلة للنجاح، وقد توافرت الكثير من هذه العوامل في الفيلم المصري “ماكو” الذي انطلق عرضه في القاعات السينمائية مؤخرا، ولفت أنظار النقاد لغرابة الفكرة وتصوير غالبية مشاهده تحت الماء.
وجاءت الغرابة لدى شريحة كبيرة من الجمهور التي تصوّرت لبرهة أن الفيلم أجنبي وليس مصريا، فالعنوان “ماكو” يوحي بهذا الانطباع، والإعلان الترويجي يعزّزه، لأن العنوان كتب بالإنجليزية بخط واضح وأسماء طاقم العمل تكاد تختفي من معظم الإعلانات، فضلا عن أن أبطال العمل لم يكونوا من النجوم المشاهير أو بمعنى أدق ليسوا من نجوم الصف الأول، مع ذلك يحسب لهم جميعا تنفيذ مهمة فنية صعبة.
واحتاج فكّ لغز العنوان وقتا تجاوز منتصف الفيلم الذي تصل مدته إلى نحو تسعين دقيقة، وجاء عرضا وفي سياق حوار تحت الماء حول سمك القرش، إذ هناك نوع منه يطلق عليه “ماكو”، بالطبع ظهور القروش العديدة تحت الماء والصراع الذي دار معها لم يكن حقيقيا، وأزالت الإجادة في التصوير الشعور بالغربة وأسهم الديكور مع الغرافيك المتقن المستخدم في الإيحاء بأن جميع المشاهد حقيقية.
دمج الواقع بالخيال

الفيلم مستوحى من قصة حقيقية حول غرق عبّارة مصرية في مياه البحر، راح ضحيتها المئات من البشر
فيلم “ماكو” مستوحى من قصة حقيقية حول العبّارة المصرية “سالم إكسبريس” التي غرقت في مياه البحر الأحمر عام 1991 في رحلتها من ميناء جدة السعودي إلى سفاجا في مصر ولا تزال قابعة في مكانها وتحوّلت إلى مزار سياحي، وراح ضحية الحادث المئات من الضحايا ولا توجد تقديرات دقيقة حول عدد ركاب السفينة أو الضحايا، فقد كانت مليئة بالمُخالفات، وأثار غرقها تفاعلا كبيرا في حينه.
أظهرت “رنا بهجت”، وقامت بدورها الفنانة بسمة، حماسا لفكرة تصوير فيلم عن عبّارة غرقت لمجرد أن سمعت عنها مقتطفات من “غرام” التي قامت بدورها الفنانة ناهد السباعي وانضمت للعمل معها، وهو ما حمل لغزا لم ينفك إلاّ قبيل النهاية، حيث تبيّن أن غرام كانت على متن العبّارة في أثناء غرقها وفقدت والديها، وبدأت تستدعي من ذاكرتها لحظة الغرق والفوضى التي حدثت من دون أن يظهر كيف جرى إنقاذها عندما كانت طفلة صغيرة بينما غرق والداها، وهي من السقطات أو الهنات التي حواها الفيلم بما أظهرت ارتباكه.
وتستحقّ المأساة التي تعبّر عنها العبّارة الوقوف عندها بعمل كبير، الأمر الذي حاول “ماكو” القيام به، وقصته تدور حول قيام ثمانية أشخاص من شركة للإنتاج الفني برحلة بهدف الغوص باتجاه السفينة الغارقة لإعداد فيلم تسجيلي تشارك به رنا بهجت في مسابقة دولية خاصة بالأفلام الوثائقية تحلم بالفوز بها، وحاولت الفنانة بسمة من خلال دورها في “ماكو” تعويض انقطاعها عن الفن لسنوات.
بدت شخصية رنا متقلبة المزاج بعد إعلان اللجنة المشرفة على منح جوائز في مسابقة دولية منحها جائزة ثم سحبها منها وتسليمها لزوجها “شريف” الذي قام بدوره الفنان اللبناني نيقولا معوض، ودارت بينهما فواصل من الخصام والصلح، المقصود منها الكشف عن الحساسية المفرطة بين الزوجين عندما يعملان في مجال واحد.
مضى الفيلم دون أن يكشف لنا هل رنا وشريف كلاهما مخرج، لأن الأحداث التالية أوحت بأن رنا هي المخرجة بينما شريف غير معروف دوره بشكل واضح، فحواره مع طاقم العمل بالشركة لم يظهر طبيعة عمله بالضبط، وربما تُرك عن قصد أو سهو، وفي الحالتين بدأت تستقيم العلاقة بينهما تحت الماء ويظهران حبهما عندما قاربت حياة شريف على الغرق تحت الماء.
الفيلم من إخراج محمد هشام الرشيدي، وهو العمل الأول له في السينما الطويلة، وقد أراد أن يكون حضوره قويا وعميقا ولافتا، فاختار فكرة غير عادية، واشتغل عليها مع طاقم العمل نحو أربع سنوات.
جرى تصوير أجزاء من الفيلم قبل انتشار فايروس كورونا، وبذل المخرج جهدا كبيرا لأن نحو سبعين في المئة من المشاهد صوّرت تحت الماء، ما احتاج تدريبا للفانين على الغطس، وهي مجازفة كانت محفوفة بالمخاطر، لذلك فالفجوات أو النقائص التي ظهر عليها الفيلم يمكن تفهمها في ظل المشكلات التي تتعرّض لها هذه النوعية من الأفلام، وتم تصوير “ماكو” في كل من مصر وتركيا والإمارات وروسيا.
كوكتيل فني

الفيلم من تأليف أحمد حليم، وسيناريو وحوار محمد حفناوي، والموسيقى التصويرية لهشام خرما، ومدير التصوير محمود بشير، وبطولة مجموعة من الفنانين المصريين، هم: بسمة وعمرو وهبة وناهد السباعي وسارة الشامي، بالإضافة إلى الممثل اللبناني نيقولا معوض والتونسية فريال يوسف والأردني منذر رياحنة والتركي مراد يلدريم.
حاول المخرج من خلال “الكوكتيل” الفني متعدّد الجنسيات منح الطابع الدولي للفيلم، والسعي لخروجه من السياق المصري المحلي، حيث يمكنه التقدّم به لمسابقات سينمائية دولية، لكن المضمون لم يسعفه فالقضية محلية بامتياز حتى لو أثارت جدلا في الإعلام الدولي عند حدوثها لكثرة الروايات حولها.
حاول فيلم “ماكو” محاكاة الفيلم المصري “جحيم تحت الماء” الذي عرض منذ أكثر من ثلاثة عقود وحوى جزءا كبيرا من المشاهد تحت الماء، غير أن السيناريو المفكّك في الفيلم الجديد أفقد بعض اللقطات الحية التي جرى تصويرها أعلى وأسفل مياه البحر الأحمر بريقها الفني، وبدا الاستعجال طاغيا في الحوار كاشفا عن فجوات حوارية في الكثير من المشاهد التي لا يعلم الجمهور كيف ولماذا ومتى ظهر أو اختفى شخوصها، فالقفزات المتتالية قللت من الأهمية التي يحويها الفيلم.
جسّد فيلم “جحيم تحت الماء” باكورة الأفلام التي استغرقت وقتا لتصويرها تحت الماء، بطولة سمير صبري وليلى علوي ومأخوذ من قصة “أعماق” للأديب الأميركي ثورنتون وايلدر، وإخراج نادر جلال وتصوير سعيد وسيناريو وحوار صلاح فؤاد.
الجمهور لم يستطع اكتشاف الفرق بين التصوير الحقيقي تحت الماء وذلك الذي تمّ في حمام سباحة، وهو ما يحسب لطاقم العمل
وتدور قصته حول صندوق ماس فقد في البحر ويدور صراع بين المافيا حوله، ويتمّ اللجوء للغطاس “حسن” الذي جسّده سمير صبري للعثور عليه وحدثت العديد من المناوشات تحت الماء في مشاهد برع المصوّر سعيد شيمي في توصيلها إلى الجمهور.
ولم يعرف الجمهور في مشهد النهاية بفيلم “ماكو” الذي أعلن فيه عن فوز رنا بالجائزة الدولية التي تحلم بها كيف تسنى لها تصوير فيلمها الذي ذهبت لأجله وغطست ساعات طويلة، حيث فقدت كاميرا التصوير التي سقطت في الماء، فيما لقي صاحبها (الكاميرا مان) حتفه بعد إصابته بغيبوبة سكر، وغالبية طاقم العمل لقوا حتفهم في سياقات مختلفة، منهم من هاجمته القروش المفترسة ومن فارق الحياة لنقص الأوكسجين أو حشر بين أحد أبواب السفينة الغارقة.
وحوت الحكايات الإنسانية تحت الماء الكثير من القصص المؤثرة وتضمنت مفارقات، فالشخص المدمن “زياد” وقام بدوره الفنان محمد مهران تحوّل من شرس إلى مسالم، وشقيقه الأصغر “تيمور” وقام بدوره عمرو وهبة بدا طيبا ثم كشف عن وجه قبيح غير واضح لدى المحيطين به، الأمر الذي لا يظهر إلاّ في المواقف الصعبة.
جاءت ثيمة الازدواجية الظاهرة في العمل كمحاولة لمنحه حيوية مضاعفة وتحريض الجمهور الذي ينجذب لهذه الأفلام على التفاعل معها، فالفكرة المركبة التي مثلت مغامرة محسوبة عند أصحابها لفتت انتباه من يبحثون عن الأفلام غير التقليدية وتلك التي تخرج عن المألوف، وهو هنا التصوير تحت الماء وحب البعض له.
يُحسب لطاقم العمل، خاصة القائمين على مسألة الصوت تحت الماء، أنه كان واضحا وموفقا ومقنعا، والحركة والتنقل من مكان إلى آخر لم تؤثر على جودة الصوت، ولا يستطيع الكثير من الجمهور التعرّف على الفروق النسبية بين التصوير الحقيقي تحت الماء وذلك الذي تم داخل ديكور أسفل حمام سباحة، الأمر الذي يعدّ تفوقا للمخرج والمصوّر اللذين استفادا من الموسيقى في أحيان كثيرة لتضفي جوا من التفاعل المميّز.