ماكرون يتهم أردوغان بالسعي للتأثير على الانتخابات الفرنسية

الجمعيات الإسلامية أداة الرئيس التركي لتوجيه الناخبين.
الخميس 2021/03/25
تنافر رغم رسائل التهدئة

يمتلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفوذا على الوجود التركي في فرنسا عبر المدارس والمساجد وغيرها من الجمعيات الإسلامية وهو ما يضمن له التأثير على التوجهات الانتخابية للفرنسيين من أصول تركية خدمة لأجنداته.

باريس - حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من “محاولات تدخل” من جانب تركيا في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة التي ستجرى في 2022، في وقت لا يخفي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مساعيه للإطاحة بماكرون عبر صناديق الاقتراع حينما عبّر في وقت سابق عن أمله في “أن تتخلص فرنسا من مشكلة ماكرون في أسرع وقت ممكن”.

وقال ماكرون في إطار فيلم وثائقي بثته قناة التلفزيون الفرنسية “فرانس 5” حول الرئيس التركي “بالتأكيد. ستكون هناك محاولات للتدخل في الانتخابات المقبلة. هذا مكتوب والتهديدات ليست مبطنة”.

وفي إشارة إلى الجدل الحاد حول مسألة الدين التي أثيرت بعد خطابه الخريف الماضي عن الانفصالية الإسلامية، انتقد الرئيس الفرنسي ما اعتبره “سياسة أكاذيب تتبعها الدولة وتنقلها وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة التركية”، وكذلك “من قبل بعض القنوات الكبرى التي تسيطر عليها قطر”.

وبدأ ماكرون حملة لإعادة انتخابه ركّز خلالها على الملفات المتعلّقة بالإسلام والأمن، محاولاً جذب الناخبين الذين قد يدعمون زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان. وأدى ذلك إلى نزاع مع أردوغان.

ويتجاوز عدد الفرنسيين من أصول تركية الـ700 ألف نسمة، ومنهم حوالي 200 شخصية ذات نشاط سياسي على الصعيد المحلي، ويسعى هؤلاء إلى أن يصبحوا مكونا أساسيا في الحياة السياسية هناك على غرار جاليات أخرى ممثلة محليا.

وفي انتخابات الرئاسة الفرنسية سنة 2012 دعم الفرنسيون من أصول تركية الاشتراكي فرانسوا هولاند في مواجهة اليميني نيكولا ساركوزي.

وكان دعمهم لهولاند بمثابة العقاب لساركوزي (الذي ترأس البلاد من 2007 إلى 2012) الذي جرّم عدم الاعتراف بأحداث عام 1915 في منطقة الأناضول التركية أواخر العهد العثماني كـ”إبادة جماعية”، كما أعاق بشكل جزئي مسيرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

أردوغان طلب من الناخبين الأتراك التصويت ضد حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في انتخابات محلية في 2017

وكان أردوغان اتهم بالتدخل في عمليات اقتراع لاسيما في ألمانيا عندما طلب من الناخبين الألمان من أصول تركية التصويت ضد حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في 2017.

وتكشف هذه التصريحات محاولات الرئيس التركي توظيف عدة أوراق ضد الرئيس الفرنسي بعدما ظل ينشئها لعدة سنوات داخل البلد الأوروبي.

ودأبت الصحف الفرنسية منذ مدة على نشر تحقيقات تتحدث عن “اختراق تركي للمجتمع الفرنسي” وعن “شبكات أردوغان للتأثير الداخلي في فرنسا”، وقد توزعت هذه الشبكات ضمن عدد من المنظمات الفرنسية ذات الولاء التركي والجمعيات والمساجد.

وضمت هذه الشبكات أئمة المساجد الذين يروجون لسياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، وقوامها الرئيسي الجالية التركية الكبيرة في فرنسا.

وتحاول تركيا السيطرة على الجاليات المسلمة في فرنسا من خلال عدد من المنظمات التابعة لها أو القريبة منها لعل أبرزها اللجنة التنسيقية لمسلمي تركيا في فرنسا، وهي منظمة تابعة إدارياً ومالياً للدولة التركية، وهي الفرع الفرنسي لرئاسة الشؤون الدينية التركية وتدير نحو 300 مسجد من جملة 2500 مسجد وبيت صلاة في فرنسا.

ويتزعم التنسيقية رجل الأعمال التركي أحمد أوجراس العضو في حزب العدالة والتنمية الحاكم، وبفضل الدعم المالي والسياسي الذي حظي به لسنوات انتخب في 2017 رئيساً للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أعلى هيئة تمثل المسلمين في فرنسا في خطوة اعتبرها مراقبون اختراقاً تركيا غير مسبوق للساحة الفرنسية.

ويستفيد أردوغان من دعم غير محدود من “اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا” الفرع الفرنسي لجماعة الإخوان المسلمين لاعتبارات أيديولوجية، حيث أصبح التنسيق بين المنظمات التركية والاتحاد واضحاً منذ سنوات، وبدا أكثر وضوحاً عندما دعم الإخوان صعود التركي أوجراس إلى قيادة مجلس الديانة الإسلامية بعد سنوات من رئاسته المغاربية.

وكانت فرنسا اتخذت في الآونة الأخيرة عدة قرارات هامة لمواجهة مخططات أنقرة للتدخل في الشأن الفرنسي عبر الجمعيات الإسلامية أو المنظمات القومية للتأثير في المجتمع الفرنسي خاصة لدى الجاليات المسلمة.

Thumbnail

ومثلت شرعة المبادئ التي أعلن عنها ماكرون لمواجهة الانعزالية والانفصالية الإسلامية ضربة موجعة لتركيا التي توظف التيارات الدينية للهيمنة على الجالية المسلمة لتوجيهها عبر اللعب على وتر الدين.

وتضمنت شرعة المبادئ كذلك منع استقدام أئمة وفقهاء من عدد من الدول الإسلامية وفي مقدمتها تركيا، حيث تم التخلي عن قرار انتداب عدد من الأئمة الأتراك نظرا لعدم إلمامهم بالثقافة الفرنسية ومبادئ الجمهورية.

كما عمدت فرنسا في مواجهة محاولات التدخل التركية وتحصين المجتمع الفرنسي من الاختراقات إلى حل منظمة الذئاب الرمادية التركية الموالية للقوميين بعد تورطها في العنف والدخول في مواجهات مع الجالية الأرمنية.

لكن رغم تلك الإجراءات الحاسمة لا يزال الفرنسيون متخوفين من قدرة أنقرة عل التدخل في شؤونهم والتأثير في الرأي العام لتوجيه الانتخابات المقبلة مستفيدة من الحريات بهدف دعم أطراف سياسية من شأنها أن تخفف الضغوط على الحكومة التركية التي تسعى لبسط نفوذها في عدد من الساحات والمناطق.

وكان ماكرون لعب دورا هاما في مواجهة التدخلات التركية سواء في ليبيا أو شرق المتوسط أو في سوريا وإقليم ناغورني قرة باغ، وهو ما أدخله في خلاف شخصي مع أردوغان.

5